السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سفارة القطب الشمالي

13 يوليو 2008 00:41
ربما يصعب على الإخوة الخليجيين فهم هذه المشكلة، لكنني أتحدث عن مصر حيث الجو أقرب إلى البرودة أو على الأقل كان كذلك قبل أن يتكفل (الاحتباس الحراري) بحل المشكلة· الظاهرة التي لاحظتها من خلال عملي كطبيب هي أن الناس تخشى البرد جداً· تعتقد أنه المسؤول عن كل مشكلة صحية تصيبهم، وكم من مرة فحصت مريضا في شهر أغسطس والعرق المتصبب من جبيني يوشك على أن يصير بركة صغيرة يغرق فيها المريض، عندها أكتشف أنه يلبس سروالاً صوفيا كاملاً تحت ثيابه·· وفي الصباح ترى في الشارع ذلك الرجل الذي يلبس معطفاً من الصوف وقد لف رأسه بتلفيعة صوفية سميكة· كل هذا جميل فيما عدا أننا في يوليو!· البرد هو المسؤول عن كل الأمراض من التهاب القولون حتى سرطان شبكية العين، هكذا يؤمن الناس· لو أن أحدهم صحا ليجد لنفسه رأسين وثلاث عيون لاتَّهَمَ تيارات الهواء البارد· أعتقد أن هذه الخبرة تنشأ لدينا من أمهاتنا· أذكر أن أمي (يرحمها الله) كانت تصر على أن ألبس (بلوفَرين) - كنزتين من الصوف - وفي أيام المطر كانت تشفع هذا بورق الصحف تغلف به جسدي، وهكذا أخرج للمدرسة متصلباً متخشب الحركة كأنني أول برميل يرسلونه للمدرسة، أو أول إنسان آلي مصري· حتى عندما أجلس في الصف أصدر صوتاً غريباً كأنه خشب يتهشم· وذات مرة وجه صديق مشاكس لكمة لبطني فكادت يده تنكسر· رغم هذا كنت أصاب بحمى أو رشح، عندها تلومني أمي لأنني لم أحترز من البرد بما يكفي···! كبرت وصرت من القوة بحيث لا يستطيع أحد أن يرغمني على لف جسدي بالصحف· عندها وقفت أمام المرآة وواجهت نفسي بالحقيقة: ـ''أنا حراااااااان!·'' نعم ··· لا يوجد مخلوق في الكون يشعر بالحر مثلي· العرق يسيل من جبيني حتى في يناير، ولا أتحمل أن أنام تحت الغطاء في مارس· لقد قضيت طفولتي مذعوراً من البرد، وحان الوقت كي أنطلق وأعيش حياتي كما أريد· هكذا ابتعت أجهزة تكييف في كل مكان أتواجد فيه، مع عدد لا بأس به من المراوح· لو دخلت علي في أي مكان لشعرت بالقشعريرة حيث تيارات الهواء توشك على أن تطيِّرك· هناك عدو عتيد في قصص الرجل الوطواط المصورة اسمه (مستر فريز) أو (السيد صقيع)· هذا العدو كان مرغماً على أن يعيش في درجة حرارة تقل عن الصفر، ولهذا كان يعيش في كهف ثلجي ويلبس بزة مبردة··· أعتقد أنني أصلح الناس للعب دور هذا الشرير· لكنك في مصر حيث لا يسمح لك بأن تمارس كل هذا البرد في حياتك· هناك مشكلة خطيرة جداً اسمها (الآخرون)· هناك زوجتي التي تؤمن بأنني سأقتل الأطفال ما لم أقم بإطفاء جهاز التكييف· صديقي الذي يركب سيارتي يكون أول شيء يفعله هو أن يمد يده لجهاز التكييف ليخفضه· مع التحذير الشهير: ـ ''ستتعب صدرك بهذه الطريقة''· دعك بالطبع من هؤلاء الحساسين· وأنا أعرفهم وأشمهم من على بعد أميال· يدخلون أي مكان فيه مروحة فيمدون يدهم على الفور ليغلقوها (لأنها تسبب الصداع)· تقول في حياء إن الطقس حار وتجفف عرقك، فيقولون في ثقة: ـ ''ستتعب صدرك بهذه الطريقة''· وهكذا تتحول أنت إلى كتلة تعسة من العرق اللزج، ويسيل العرق ليحرق عينيك فتفتحهما بصعوبة، بينما هم في منتهى السعادة والرضا عن النفس· أشعر وقتها أن هذا الرجل لا يمكن أن يصاب بصداع، لكي يصاب بصداع يجب أن يكون لديه رأس· نعم··· أنا أمقت الحر وأتمنى أن يعود العصر الجليدي لأخرج من بيتي على منظر الثلوج تكسو الشارع، لكن لا تأتي الرياح بما تشتهي السفن، وكل مكان يتحدث عن الاحتباس الحراري والتسخين وثقب الأوزون، بما يعني أن القطبين سيتلاشيان عما قريب، ونصير نحن مع الأسماك· ربما يعني الاحتباس الحراري نهاية الحياة كما نعرفها، لكنه بالتأكيد سيسعد كل هؤلاء لأنهم لن يشعروا بالبرد ولن يتعرضوا لتيارات الهواء ولن يصيبهم الصداع· حتى تأتي تلك اللحظة هل تعرف إن كانت هناك سفارة للقطب الشمالي؟ وكيف يستخرجون التأشيرة للذهاب إلى هناك؟ aktowfik@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©