الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صباح فخري: «النادي الدولي» أغضبني فقررت ألا أذهب إلا وأنا في القمة

صباح فخري: «النادي الدولي» أغضبني فقررت ألا أذهب إلا وأنا في القمة
21 مايو 2010 21:17
.. مَن مِن جمهور الأغنية والطرب الأصيل لا يعرف الفنان العربي الكبير”صباح فخري”؟ .. إنها رحلة تمتد إلى أكثر من نصف القرن نجح خلالها الفنان العربي الكبير في أن يصبح “الحارس الأول” للتراث الموسيقي والغنائي العربي، من قدود وموشحات وقصائد وأغان. عشق التراث عشقه لحياته، وأصبح رمزاً عربياً خالداً أبقى للغناء الأصيل حياته، ومنحه شعبية تتجدد مع كل جيل، ليبرهن أن المعادن الفنية النفيسة لا تتأثر بالغبار، أو اختلاف وتعاقب الأزمان، ولا ببالونات الهواء التي ملأت الدنيا وسرعان ما تلاشت قبل أن يبرح أصحابها أماكنهم بين الناس. لقب بـ”صاحب الحنجرة الماسية”، أو”صناجة” الغناء العربي، وأبوكلثوم العرب، وحارس التراث، وشرفت بأن أناديه “عميد الطرب الأصيل”، ولتكن كل هذه الألقاب معاً، لأنه بحق عملاق وقامة فنية عالية من زمن الفن الجميل. وهو يقف شامخاً في منتصف العقد الثامن من عمره، لا يستطيع المنصت إليه أن يبدأ حديثه معه دون الدعاء المخلص بأن يمنحه الله المزيد من العنفوان والصحة والتألق، وأن يبقيه دائماً عنواناً للعطاء الفني الأصيل. التقيناه على هامش مهرجان “أنغام من الشرق 2010” في أبوظبي، واستقطعنا من وقته الثمين هذا الحوار: -- أكثر من نصف قرن من الغناء والطرب، لابد وأن تتخللها محطات مهمة تحب أن تتوقف عندها؟ - حياتي كلها محطات مهمة، وأيام حافلة، ولكل إنسان محطات ينطلق منها، وأخرى تمثل له منعطفاً مهماً، أو انطلاقة تغير مسار حياته، وبالنسبة لي، لعل المحطة الأهم يوم أن أكملت حفظي للقرآن الكريم وعمري خمس سنوات في “الكُتّاب”بأحد مساجد حلب، ومعرفتي المبكرة بأهمية التعلم والعلم، ومن ثم التحاقي بالإذاعة السورية عام 1947 وعمري لم يتجاوز الرابعة عشرة، ومتابعة دراستي في معهد الموسيقى الشرقية بدمشق ودراسة الموشحات والإيقاعات والألحان والنظريات الموسيقية والعزف على العود على أيدي أساتذة كبار مثل: الشيخ علي درويش والشيخ عمر البطش ومجدي العقيلي وإبراهيم الدرويش ومحمد رجب وعزيز غانم، وخلال دراستي عملت في مهنٍ عديدة، فعملت مؤذّناً في مسجد، ومدرّساً، وواصلت دراستي إلى أن تخرجت عام 1948، والتحقت بالتليفزيون عام 1960 مع انطلاقته الأولى، بعدها انتشرت فنياً خارج سوريا إلى أوروبا وأميركا وأستراليا عبر بوابة العرب في معظم الأقطار العربية. -- هل كانت نشأتك الحلبية سبب توجهك إلى غناء التراث؟ وما سبب تمسكك بهذا اللون الغنائي؟ - البيئة هي الوعاء الذي يحتضن الإنسان منذ نشأته الأولى، وكان والدي رجل دين، لكنه يعلم ما هي الموسيقى، وما جوهرها، وعدم تعارضها مع الشريعة، فبالرغم من أن البيئة والمجتمع في ذلك الوقت كانا ينظران إلى الفنان نظرة فيها الدونية والازدراء، وكان يشيع بين الناس المقولة البالية: “ثلاثة لا تقبل شهادتهم، الفنان، والحلاق، وكشاش الحمام “طيار الحمام”، إلا أن معرفة والدي لجوهر الدين والموسيقى شجعني، وساعدني على ذلك حفظي لكتاب الله الكريم، وأتقنت تجويده وترتيله، ومن ثم كانت بدايتي مع الغناء الديني والتواشيح الدينية والأذكار والتراث والموشحات الأندلسية والقدود الحلبية الشهيرة، وتعلمت منذ الصغر أن أحمل هدية هذا الوطن بمشاعري وأفكاري وفني، ومن المنطقي أن يكون انتمائي لهذا التراث الذي أنتمي إليه، وأحببته وأحبه الناس، ولم أفصل بين التراث السوري والتراث العربي في مصر أو العراق أو الأندلس أو غيرها، وما زلت أؤمن بأن رسالتي في نشر هذا التراث وإحيائه”. -- ألهذه الأسباب لُقبت بحارس التراث الموسيقي العربي؟ - لا تعنيني الألقاب كثيراً ولم أبحث عنها، إنها رسالتي الفنية والغنائية التي حمَّلت نفسي مسؤولية حملها منذ أكثر من نصف قرن وأصبحت مدرسة كبيرة لها محبون وتلاميذ ومريدون في كل مكان. -- ولماذا لم تملْ إلى التجديد أو الخروج من عباءة التراث الحلبي؟ - البعض يعتقد أنّني نقلت التراث الموسيقي الحلبي دون إضافات، لكن لنعدْ سماع «قدّك الميّاس» و«قل للمليحة»، وأغانٍ عديدة أخرى، إنّ ما حققته في غناء القدود الحلبية والموشّّحات والأدوار، هو ثمرة رحلة طويلة وشاقّة. إذ كنت أول من عمد إلى تطوير التراث الغنائي الحلبي وإزالة الغبار عنه، إنما كنت مثل الصائغ الذي يعيد تلميع الجوهرة ليظهر جمالها بما يتناسب مع الذوق العصري، ولم أتوقف إلى اليوم عن البحث والنبش في التراث الموسيقي وتطويره. -- اللهم لا حسد.. كيف تحافظ على نقاء وقوة صوتك وأنت تتجاوز منتصف العقد الثامن؟ وما سر لياقة الحضور على المسرح وأنت في هذا السن؟ - الحمد لله على الصحة والعافية.. والصوت.. والسمع.. والرؤية.. كلها نِعَمْ أنعم الله بها علينا، وهذه النعم علينا أن نتعلم كيف نحافظ عليها ونصونها، وأنا لا أخاف من تقدم السن، وعمر الإنسان لا يقدر بعدد السنين، إنما بقدر ما يشعر الإنسان من قدرته على العطاء، وعجز الإنسان أو شبابه في قلبه. ولعلك تعلم أن والدي - على سبيل المثال - تزوج للمرة الرابعة وعمره 75 عاماً، والغناء يحتاج لياقة بدنية وذهنية عالية، فالعقل السليم في الجسم السليم، والصوت السليم في الجسم السليم أيضاً، وهذا يحتاج تضحية، ويحتاج أن أحرم نفسي من أكلات أحبها، وأن أبتعد مثلاً عن الأكلات “الحريفة” والبهارات والمخللات و”المخربشات”، مع مراعاة أهمية النوم لساعات معينة، وممارسة رياضة المشي، والاعتدال في الغذاء، والاعتماد على نظام غذائي صحي وسليم، والاستعانة بالمشروبات الساخنة وعسل النحل وبعض الأعشاب، والابتعاد عن أي مأكولات تسبب جفاف الحلق يوم الحفل، ولا أبالغ إن قلت أنني أقضي أياماً كاملة على منقوع الأعشاب، إن الأمر يحتاج إلى إرادة وتضحية أيضاً، ومن ثم يجدني الجمهور على المسرح أتحرك وأرقص كالفراشة دون كلل أو ملل، وأظن من يستطيع أن يشد الجمهور عشر ساعات غناء متصلة دون تعب، عليه أن يدفع ثمن ذلك، أو أن يضحي من أجل تحقيق ذلك، فلكل نجاح ضريبة”. -- كيف ترى الساحة الغنائية العربية الآن؟ - إن المقارنة بين الغناء الآن وبين الجيل السابق ربما تكون ظالمة وغير متكافئة، فقوام الأغنية “كلمات ولحن وأداء” وأضيف إليها “الصورة” أو “الفيديو كليب” الآن، فهناك أصوات شابة جيدة، لكنها قليلة، لا أخفي الحالة المتردية التي تعيشها الأغنية العربية اليوم، فالأغنية مرآة العصر، كما أنّ التخلف الذي نعيشه في كلّ نواحي الحياة، قد ألقى بظلاله على الأغنية العربية التي تعيش «عصر انحطاط حقيقي». ولكن كيف تستعيد الأغنية العربية هويّتها ورقيّها؟ إن ذلك لن يكون إلا باستعادة الأغنية الطربية الأصيلة لمكانتها، إن أم كلثوم، و عبد الوهاب، والسنباطي، وزكريا أحمد وغيرهم عاشوا في زمن الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لذلك أبدعوا تراثاً أصيلاً لن ينسى، لكنني لا أخشى على الغناء العربي من التدهور، لأن ما نسمعه فقاعات ستزول سريعاً، ولن يصمد إلا الأصيل منه، ونحن دائما نتطلع دائماً إلى الأفضل. -- هل أنت متفائل بمستقبل الأغنية العربية؟ - ليس بالإمكان أن أتخلى عن تفاؤلي، فتراثنا العريق يعتمد على الأصالة والرقي، ولا يعتمد على “البزنس” أو التجارة، وهناك كثير من المهرجانات والاحتفالات التي يتألق فيها مطربون من جميع الأعمار، وأي حالة من حالات الهبوط أو التراجع، وأعتقد أنها مؤقتة. -- هل تتحمل الإذاعات العربية مسؤولية تراجع الغناء العربي بعد أن تخلت عن دورها في اكتشاف وتقديم المواهب الغنائية والموسيقية؟ - بالتأكيد.. إن للإعلام بوسائله المختلفة دور اكتشاف وتقديم وتشجيع أي موهبة، كما أنه له دورا سلبيا في الترويج للغناء الهابط. فالإذاعات كانت تتيح فرصاً حقيقية للمواهب الشابة، ومعظم نجوم الغناء بدأوا من الإذاعة، فكان يوجد لجان استماع وفحص من متخصصين وقمم موسيقية وفنية لإجازة أي صوت جديد، ولم يكن بالإمكان اجتياز هذه الاختبارات أو الحصول على إجازة بالغناء إلا إذا كان صاحبها متمكناً وموهوباً، لكن بكل أسف تحول الأمر إلى تجارة، وأصبح من يملك المال قادراً على أن ينتج لنفسه شريطاً أو ألبوماً مصوراً تسعى القنوات الفضائية إلى الترويج له، وظهرت اعتبارات عديدة بعيدة تماماً عن الكفاءة أو المقدرة الصوتية أو الغنائية، ودخلت تقنيات الصورة والإخراج حلبة السباق، وتراجعت الأغنية والطرب الأصيل بالضرورة، لذا لا مفر ولا مناص من العودة إلى لجان الاستماع بالإذاعات العربية لإفراز وإجازة الأصوات الجديدة، إذا أردنا العودة إلى زمن الغناء الجميل. -- هل تراجع دور الفن وتأثيره في المجتمع عمّا كان عليه؟ - الفن دوره خطير للغاية.. وبإمكانه أن “يخرب” المجتمع، ويُخرب “أذواق الناس”، وفي المقابل يمكن أن يكون سلاحاً فعّالاً في الارتقاء بأذواق الناس وبكل شيء في المجتمع.. الفن ليس “إستربتيز” للتعري أو الإثارة الرخيصة - كما ترى الآن - إنما هو رسالة وأداة يمكن أن تلعب مفعول السحر في تقدم المجتمعات وازدهارها ورقيها. الذهاب إلى مصر -- يرى كثيرون أنك تأخرت كثيراً في الذهاب إلى مصر، لماذا؟ - للأسف هذا صحيح، ورغم حبي وعشقي لمصر، إلا أنها مقدرات ومواقيت، فلقد دُعيت عدة مرات خلال حقبة ستينات القرن الماضي، ودعاني المرحوم عبدالحليم نويرة وكُرِّمت في القاهرة، وفي البرنامج التليفزيوني الشهير حينذاك “النادي الدولي” على القناة الأولى المصرية، سُألت: “عندنا في مصر أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب.. مَنْ في سوريا”؟ عندها شعرت بالحرج الشديد، لأن السؤال لم يكن لائقاً ولا في محله، وغضبت وفكرت أن أنسحب من البرنامج لولا أن ذلك كان سيؤخذ علي، فإذا كان كثيرون يذهبون إلى القاهرة صغاراً ليصبحوا كباراً، قررت ألا أذهب إلا وأنا في القمة، ورفضت الدعوة لزيارة القاهرة أكثر من مرة، إلى أن دعتني الدكتورة رتيبة الحفني لمهرجان الموسيقى العربية بدار الأوبرا قبل 11 سنة، وهو مهرجان كبير ومتميز دون شك، وألحت وضغطت كثيراً، وقالت: “هذا مكانك الطبيعي”، ومن ثم وافقت وأنساني استقبال الجمهور هناك كل شيء وشاركت لثماني سنوات متتالية، لقد كان شيئاً مقدراً ولأسباب لم أكن أتمناها. جوائز وأوسمة نال الفنان صباح فخري وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة من الرئيس بشار الأسد. كما قلده الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة وسام تونس الثقافي عام 1975 وتم تسليمه المفتاح الذهبي لمدينة ميامي الأميركية، وحصل على شهادة أكاديمية فخرية في الموسيقى من جامعة لوس أنجلوس الأميركية، و نال الميدالية الذهبية في مهرجان الأغنية العربية بدمشق عام 1978 وتكريم مهرجان الموسيقى العربية العاشر في دار الأوبرا المصرية. بين المعهد والموسوعة ارتباطاتي الغنائية الدائمة لم تمنعني من كتابة الموسوعة الكاملة لأعمالي، ومن المتوقع أن تصدر قريباً. والموسوعة توثق جميع أعمالي الموسيقية والغنائية، مَن كتبها ومَن لحّنها، ومتى غُنّيت للمرة الأولى مع شروح للأغاني ومعاني بعض المفردات الصعبة. كما أنني مشغول أيضاً بالإشراف المباشر على المعهد الفني الموسيقي الذي أسسته في مدينة حلب، باسم «معهد صباح فخري للموسيقى والغناء» وهو الأول من نوعه من حيث طرق التدريس، وتعليم اللغة العربية والتجويد، وتربية المطرب وصوته مدة ثلاث سنوات، بصرف النظر عن العمر أو الشهادة، والمعهد الجديد سوف يكون ملاذاً لحماية التراث الغنائيّ الأصيل بقصد الحفاظ عليه من جهة، وتطويره من جهة ثانية لمواجهة “الهوجة” الغنائية الوافدة، أو الانحطاط الموسيقي الذي نشهده هنا وهناك». مواقف لا تنسى إن الوطنية والإحساس الوطني غير قابل للمزايدة، وهو إحساس يجري في العروق جريان الدم، ومن الذكريات الكثيرة التي لا أنساها، تلك التي تعود إلى عام 1973، عندما غنّيت خلال حرب تشرين 1973«حيّ على الجهاد»، مما أغضب حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وأصدر أمرا بإحراق ألبوماتي في الشوارع. كما أنّني لا أنسى خلال حفل أقيم في العاصمة الأردنية عمان، ـــ قمت بطرد إسرائيليين أرادوا حضور الحفل، وزيادة في الحيطة، طلبت من ابني أن يقف على باب المسرح للتأكد من جوازات سفر الحضور خوفاً من أن يتسلّل أي إسرائيلي إلى داخل المسرح.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©