الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شابة مواطنة تقفز فوق حواجز الإعاقة وتسعى نحو استكمال دراستها

شابة مواطنة تقفز فوق حواجز الإعاقة وتسعى نحو استكمال دراستها
25 مارس 2012
لم يثن المرض يسرى ياسر عن تحقيق رغبتها، بل زادها قوة وإصرارا على حب الحياة وانتزاع حقها في التعلم، حتى غدت نبراسا يضيء طريق الإرادة، وقدوة لمن ضعفت عزيمتهم، واستطاعت أن تلقن من حولها دروسا في الصمود، فهي ترفض أن تكون إنسانا في الظل، وكبقية الفتيات في سنها تعتني بنفسها، وتتألق في أثوابها الزاهية، اعتلت كرسيها المتحرك بثقة متحدثة، باستخدام الكتابة على الهاتف النقال إذ سرق المرض صوتها، عن رغبتها في استكمال دراستها. طموحاتها الكبيرة تجعلها قدوة لأصحاء لكنهم عابثون لا يبالون بقيمة الوقت أو بنعمة الصحة وبالفرص المتاحة. استطاعت يسرى ياسر الحصول على الثانوية العامة، وهي تقيم في غرفة العناية المركزة، بسبب إصابتها بمرض وراثي سلبها القدرة على تحريك العضلات، بما فيها التنفسية، ولم يحل المرض بينها وبين الحياة، فهي ترغب في استكمال دراستها في جامعة حمدان الإلكترونية في الإمارات، معتمدة على إرادتها والدعم العائلي والرعاية الطبية التي أحيطت بها ما يجعلها ناجحة وفاعلة في الحياة، وقصتها كافية لأن تكون درسا لكثير من الناس. محيط داعم قضت يسرى 11 سنة في أحد مستشفيات الدولة في غرفة العناية المركزة، واستطاع حب أسرتها ودعمها لها أن يعبر بها فوق المحن، ويساعدها في اجتياز امتحان الأيام الطويلة، واختبار المدرسة، حيث كانت تدرس في المستشفى، وامتحنتها لجنة من مجلس أبوظبي للتعليم، ما خولها الحصول على الثانوية العامة بمجموع 83% سنة 2006، ومنذ ذلك الوقت إلى الآن ما زالت يسرى تبحث جاهدة عن جامعة تكمل فيها دراستها، وأمنيتها أن تدرس في الجامعة الإلكترونية. يسرى اليوم تقيم في مركز طبي عالمي في أبوظبي، وهو الأول من نوعه الذي يقدم أحدث ما توصل إليه العلم من طرق الرعاية الطويلة الأجل للمرضى الذين يحتاجون للتنفس الصناعي، والتدخل الطبي والتمريض المستمر في الحالات الطبية الخطيرة، إذ تم نقلها من المستشفى إلى المركز بعدما أصبحت حالتها أكثر استقرارا، إذ سمحت لها البيئة الجديدة بأن تفسح المجال للإبداع أكثر، وأن تنعم بقرب أهلها الذين أحاطوها بالحب والعناية. يسرى تظهر حبها الكبير لوالدها وصداقتها لأخيها عمار الذي تبوح له بكل أسرارها، تمسك بيد والدها طوال حديثها، بينما تسهب والدتها في سرد تفاصيل مرضها وسبب دخولها لغرفة العناية المركزة بعد أن أصبح عمرها 12 سنة، قالت عائشة أم يسرى «كنت سعيدة جدا بولادة يسرى قبل 24 سنة، كانت أول فرحتي، كانت طبيعية ولم نلاحظ أنها مختلفة عن بقية الأطفال، لكن عندما وصل عمرها إلى 4 سنوات، أظهرت الفحوص الطبية أنها تعاني مرضاً وراثياً، ينتج عنه ضمور في العضلات، بما فيها عضلات التنفس». تفاقم الوضع كانت أسرة يسرى تبحث عن علاج لها في كل اتجاه داخل الدولة وخارجها، وعلى الرغم من ظروفها الصحية الصعبة لم تتخل يسرى عن دراستها، حيث كانت تتابع تعليمها بشكل عادي كبقية الأطفال في سنها في مدارس الدولة إلى أن وصلت إلى الصف الأول إعدادي، تقول والدة يسرى «حدث أن كنا على متن الطائرة متجهين لأميركا طلبا للعلاج، فأصيبت يسرى بمضاعفات، ولم تكن الطائرة مزودة بأي تجهيزات للتنفس الصناعي، واكتفوا بوضع الأوكسجين وبعض الإسعافات الأولية، وكانت مدة الرحلة طويلة، وإثر هذا الحادث فقدت يسرى صوتها للأبد، وقد كان عمرها لا يتجاوز الـ 12 سنة حينها». وتتابع وهي تخفي دموعها «بعد رجوعنا من أميركا تم التنسيق مع مستشفى في أبوظبي لاستقبالها من المطار نظرا لحاجتها الماسة للتنفس الصناعي والعناية المركزة، ثم نقلت في سيارة الإسعاف، وظلت من وقتها إلى السنة الماضية في غرفة العناية المركزة». وبرغم ما حدث ليسرى من مضاعفات فإنها لم تتخل عن رغبتها في استكمال دراستها، فسعى والدها ووالدتها نحو تحقيق الأفضل لفلذة كبدهما لاستكمال دراستها، إلى ذلك تقول الأم «في البداية كان الأمر صعبا جدا، سجلناها في الدراسة عن طريق المنزل، واستطعنا إقناع المنطقة التعليمية برغبتها في متابعة دراستها، لأن حالتها لا تثنيها عن استكمال مشوار حياتها، فهي تتمتع بالذكاء، ومجتهدة وتحب التميز، والأكثر أنها ترغب في أن تكون قصتها عبرة للكثيرين، فالتاريخ يحفل بأخبار الناجحين والعباقرة الذين تركوا بصمات على الرغم من معاناتهم، ومنهم هلين كلير التي كانت عمياء وصماء وخرساء، إلا أنها ألفت أكثر من 18 كتابا ترجمت إلى أكثر من 50 لغة». تأقلم مع الواقع بعد أن استوفيت يسرى شروط التحاقها بالدراسة المنزلية، أصبحت تأتيها مدرسة للمستشفى تساعدها على المذاكرة بواقع حصة يوميا، وزادت الحصص باقتراب موعد الامتحانات، واختبارها كان عن طريق لجنة الامتحانات التي كانت تمتحنها مرتين في السنة حسب النظام المتبع، واستطاعت الحصول على مجموع 83% في الثانوية العامة قسم الأدبي سنة 2006. تقول والدتها إن يسرى كانت سعيدة جدا بنجاحها، وكان طموحها كبير جدا في الحصول على جامعة تتبناها وتكمل فيها دراستها، لكن إلى اليوم لم تستجب أي جامعة لذلك، مشددة على أن يسرى تملك من الطموح والوقت ما تستثمره في دراستها. أحاطتها أسرتها بحب، تمسك يسرى بيد والدها كأنها تستمد منه قوتها، وتنظر في أعين أخيها الذي تشبه حالته حالتها إذ ولد بضمور في العضلات، بحب وتقول إنه صديقها، وهو من ترتاح كثيرا في الحديث معه عن مستجدات العالم الإلكتروني وما يتم قراءته من قصص وكتب، تلك العناية جعلت يسرى سعيدة في حياتها، وقوة شخصيتها جعلت الجميع يحترم رغباتها، بما في ذلك الطاقم الطبي المشرف عليها من ممرضين ومرافقتها الشخصية التي تقيم معها في المركز الطبي، كانت يسرى تكتب إجاباتها على شاشة هاتفها النقال، كتبت أن أغلى أمانيها تتمثل في استكمال دراستها في جامعة حمدان الإلكترونية، كما أبدت يسرى رغبتها في ممارسة الرسم وتعلمه، وأشارت أنها سبق وبدأت تتعلم ذلك من خلال استقدام مدرسة فن لها في المستشفى، لكنها لم تكمل ذلك، كما أوضحت يسرى التي تحب العناية بالحيوانات، حيث تربي سلاحف صغيرة، بالإضافة إلى ببغاءات اللواتي اعتبرتها أبناءها، إنها تحب الحياة وتريد أن تكون فاعلة فيها، وتتحين الفرصة لإطلاق قوتها وإثبات أنها قادرة على فعل المستحيل من أجل الدراسة والفن، مشددة على أنها إنسان يحب الحياة وترغب في كتابة قصتها. نحو الأفضل تعرب يسرى عن سعادتها بوجودها في المركز الطبي الذي تقول إنه غير حياتها للأحسن، إذ تشير إلى أنها اليوم توجد في بيئة عائلية، محاطة بعناية كبيرة جدا، وأصبحت تخرج للعالم، إذ تمكنت بفضل جهود المركز الذهاب للسينما وزيارة المعارض الفنية المقامة في الدولة والمشاركة في فعاليات اجتماعية، كما أصبحت تزور عائلتها أكثر من مرة في الشهر، كما أن أسرتها تزورها باستمرار ويمكن لأحد أفرادها المبيت معها. وتقول يسرى إن حياتها تغيرت للأفضل ما دفعها للبحث بإصرار لاستكمال دراستها. وعن وسائل تواصلها مع أصدقائها، تشير إلى أن لها أصدقاء كثرا من داخل العائلة وخارجها، لافتة إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي ربطتها بالعديد من الأصدقاء من مختلف الاهتمامات. وقالت إنها تحب قراءة القصص، والتسوق إذ تقتني الكتب وبعض ما ترغب فيه من حلي وأكسسوارات عن طرق التسوق الإلكتروني. وتؤكد يسرى أنها تحب الظهور في أبهى حلة، وهذا واضح من خلال ملابسها الأنيقة وتسريحة شعرها المرتبة، والعناية بأظافرها. وصمم المركز، الذي تقيم فيه يسرى، ليستوعب الحالات التي تستدعي الرعاية الطويلة، وروعي فيه توفير بيئة عائلية سليمة لراحة المريض، فهو عبارة عن منتجع صغير مفتوح أمام الأهل لزيارة أولادهم وذويهم، معد بأحسن المعدات للعناية بفئات تستدعي رعاية دائمة. بيئة عائلية تقول الدكتورة فاطمة ريدان، طب طوارئ، وطبيب مسؤول أول «نشعر في المركز بأننا عائلة واحدة، فبيئته لا تشعر المريض أنه في مستشفى». وتضيف «في المركز نتولى تقييم قدرة المريض فجودة الحياة لا تتمثل فقط في علاج الاختلالات العضوية التي تصاحب الأمراض، ولكننا نقوم بإعداد برنامج للرعاية بالمريض مع التركيز على تطويره ورعايته وإعادته إلى نمط الحياة الطبيعي، كما يتولى فريق متعدد التخصصات تقييم المرضى كافة للوقوف على الأهداف المطلوبة على المدى القصير والبعيد». وحول يسرى، تقول ريدان «حضرت يسرى إلى المركز بعد التنسيق مع المستشفى الذي كانت موجودة فيه، بعد أن أصبحت حالتها أكثر استقرار، لكن يلزمها عناية ورعاية صحية طويلة الأمد كونها تتنفس صناعيا، وتعرفنا عليها واستشرناها في تغيير مكان إقامتها، لكن بداية كانت متخوفة لأن حالتها تلزمها عناية كبيرة، وقامت باختيار كل ما ترغب فيه بالتعاون مع خبراء المركز، وتم تجهيز غرفتها بناء على رغبتها، من طلاء وستائر ونوع الأسرة، كما أن المركز يعطي المريض حق الخروج أكثر من ثلاث مرات في الأسبوع، وتبادل الزيارات بين الأهل والمريض، فهو مفتوح أمامهم 24 ساعة». وتوضح ريدان «نقوم بهذا الأمر انطلاقا من برنامج مدروس ينفذ وفق قدرة المريض ورغبته، وكل حالة في المركز لها برنامج خاص بها، فمثلا يسرى يرافقها طاقم طبي في كل زيارة يتكون من ممرضتين ومرافقتها ووحدة الأوكسجين وحقيبة الإسعافات الأولية، ويتم نقلها في سيارة خاصة بها تشمل مصعدا يمكنها من عدم ترك كرسيها المتحرك، فهو أكثر راحة من سيارة الإسعاف التي كانت تنقلها من المستشفى لزيارة أهلها سابقا، واليوم هي تشعر بتحسن وترغب في الخروج نظرا لوسائل الراحة المتوافرة، والتي ساعدتها على التنقل». ومن الزيارات التي قامت بها يسرى زيارة إلى قصر الإمارات وجزيرة السعديات ومعرض فن أبوظبي، والسينما.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©