السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكنافة حكاية رمضانية مصرية عمرها مئات السنين

الكنافة حكاية رمضانية مصرية عمرها مئات السنين
13 سبتمبر 2009 00:19
الكنافة حكاية رمضانية سنوية ممتدة عبر القرون وهي تتربع على مائدة المصريين منذ مئات السنين حيث يقبل عليها الصغار والكبار كطقس رمضاني راسخ سرعان ما يختفي بعد رمضان. والكنفاني مهنة وصناعة عريقة كان يمارسها يدويا صناع مهرة يعدون على أصابع اليد وبدخول ماكينات الكنافة اقتحم المهنة كثيرون ويزيد الصراع عاما بعد آخر بين الكنفانية الذين يحفظون أسرار المهنة وماكينات الكنافة ذات الإنتاج الغزير. المشهد المعتاد لصانع الكنافة أو الكنفاني أن يقف خلف الصينية النحاسية المستديرة التي تعلو الفرن أو -الوجاء- بملابسه التي تتكون من جلباب فضفاض وطاقية على رأسه، ويمسك في يده اليمنى بالجوزة التي يملأها بالعجين ثم يلف يده بشكل دائري على الصينية، وبعد أقل من دقيقة يجمع الكنافة ليلقيها بجواره لتنتظر زبائنها، ولا ينافس الكنفاني الآن سوى الماكينات التي تنتج كميات أكبر وبدخولها في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي أثرت على صنعة الكنافة وأدت الى تواري الكنفانية المهرة الذين يحفظون أسرار المهنة. أول صانع كنافة عرفة الكنفاني أشهر صانع وبائع كنافة في مصر حيث تتوارث عائلته المهنة جيلا بعد جيل، فعرفة الكبير بدأ العمل في مهنة الكنفاني منذ أكثر من مائة عام حيث كان يعمل تاجرا للدقيق وفي إحدى زياراته الى الشام جذبته طريقة تصنيع الكنافة اليدوية فعاد الى مصر وافتتح محلا للكنافة بحي السيدة زينب -لا يزال موجودا حتى اليوم- ليصبح أول وأشهر صانع كنافة يدوية في مصر ثم ورث المهنة ولده صالح الذي طورها ولما توفى تولى إدارة العمل أبناؤه الثلاثة علي وعتريس وإبراهيم. ويقول عتريس عرفة إن جده الثالث «عرفة» هو الذي أعاد الكنافة إلى مصر مرة أخرى بعد ان اندثرت بانتهاء الدولة الفاطمية ومع وصول محمد على باشا لحكم مصر عادت صنعة الكنافة على يد جده، وكانت المهنة في البداية عبارة عن أقماع بدائية يتسلل منها العجين على قطعة مسطحة من الصاج وكانت أكثر سمكا من الوضع الحالي، وكان الناس يذهبون الى صانع الكنافة ليعدها لهم ثم تطورت طريقة تكوين العجين والأدوات المستخدمة. وقال: نبدأ الاستعداد لشهر رمضان قبل قدومه بأسبوعين وكنا نشاهد والدنا يصنع عجين الكنافة بنفسه وتعلمنا منه أصول المهنة ولكننا طورناها وأدخلنا الماكينات في نهاية الثمانينات وأضافت الماكينات للكنافة الكثير من حيث الكمية وتوفير المجهود خاصة أننا نملك سر الصنعة ونلتزم بالمواصفات والمعايير مع إنتاجية وجودة أعلى. ويؤكد أن الإقبال يزداد على الكنافة اليدوية والآلية طوال شهر رمضان حيث يزيد الإنتاج والطلب ونعمل 24 ساعة، والأساس هو الصنعة وجودة الدقيق المستخدم والكنافة الجيدة هي التي تتمتع بالعجين المضبوط ويجب ان تبقى في ماكينة العجين ساعتين على الأقل بالإضافة الى النضج الجيد على الصينية. وأشار عتريس الى ان الكنافة اليدوية هي الأصل ولكن ضغط العمل وكثرة الطلب جعلنا نلجأ الى التطوير وإدخال الماكينات وفق معايير وضوابط نراعيها حرصا على الزبائن المستمرين معنا من عشرات السنين. كنافة بالوراثة في الجيزة يواصل محمد سعيد النمس رسالة والده مع صناعة الكنافة وهو الذي بدأ صانعا للكنافة على مدار 25 عاما متواصلة ويقول إن الكنافة ترتبط بشهر رمضان منذ سنوات بعيدة . وتزيد حركة البيع طوال اليوم قبل الإفطار وبعده والكنافة هي رقم واحد على مائدة الحلويات لدى المصريين طوال شهر رمضان الكريم لأنها تحتوي على وجبة غذائية متكاملة ولا يشعر من يتناولها بالجوع أثناء الصيام. ويضيف أنه يقيم السرادق المخصص لأعداد الكنافة قبل قدوم الشهر الكريم بأسبوع على الأقل ويظل يعمل طوال 24 ساعة كاملة ويقوم بتجهيز العجين كل ساعة لصنع الكنافة ويقدم الآلية واليدوية بحكم تواري الصناع المهرة للكنافة اليدوية وتلبية الطلبات الكثيرة، والزبائن حاليا لا يفرقون بين النوعين بينما الزبائن في الماضي كانوا يفضلون الكنافة اليدوية لمذاقها الطيب وجودة صناعتها. ويؤكد النمس أن الكنافة الجيدة صنعة وخبرة وتبدأ من اختيار الدقيق وفرزه والإعداد الجيد للعجين مرورا بتسوية الكنافة بمهارة فوق الصينية وانتهاء بلمها بطريقة منتظمة تجنبها التعجن، وسمك شعره الكنافة هو الذي يفرق بين الجيدة والرديئة مع العلم بأن الكنافة «البايتة» أفضل من الطازجة لأنها تكون قد تعرضت للتهوية بصورة أكبر مما يجنبها التعجن. ويقول النمس إن الكنافة اليدوية تكلفتها أعلى من الآلية من حيث كمية الدقيق والمدة الزمنية لتحضير العجين فضلا عن أجر الصانع الذي يزيد على ثلاثين جنيها كل يوم مع العلم بأن الصانع يعمل ما يقرب من 12 ساعة ولهذا يتجه أغلب باعة وصناع الكنافة الى الماكينات ذات التكاليف الأقل والربح الأعلى خاصة أن المهنة اقتحمها دخلاء كثيرون فضلا عن تواري الصناع المهرة بحكم السن والوفاة وهم الذين سطروا تاريخ صناعة الكنافة في مصر وعلى رأسهم أولاد عرفة الكنفاني بالسيدة زينب، وأولاد الشريف بالدرب الأحمر وأولاد الحاج سعيد النمس بالجيزة. صانع ماهر يعتبر سعيد قاسم أحد صناع الكنافة المهرة في مصر منذ ثلاثين عاما ويقول إنه ينتظر قدوم رمضان كل عام ليمارس صنعته التي يعشقها منذ الصغر ، ويبدأ عمله في الخامسة صباحا وينتهي منه في الخامسة مساء ورغم المجهود الشاق فإنه سعيد بإقبال الناس على الكنافة التي يصنعها ولا تشبه أي كنافة أخرى. ويؤكد أن أفضل أنواع الكنافة هي التي يصنعها الصانع الماهر بيده لما تتميز به من سمك جيدة ومذاق طيب وهو ما يكشف سر استمرار الكنافة اليدوية حتى الآن رغم غزو الماكينات وغزارة إنتاجها. وأضاف أنه مع بداية ظهور ماكينات الكنافة لم يقبل الناس عليها لأنهم تعودوا على طعم الكنافة اليدوية وباختفاء الصناع المهرة تدهورت صناعة الكنافة اليدوية ولم يعد يصنعها سوى قليلين واضطر الناس الى شراء الكنافة الآلية برغم أنها تحتاج الى سكر وسمن أكثر من اليدوية. ويقول قاسم إنه حزين على صناعة الكنافة الآن لأن حالها اختلفت عن زمان ففي الماضي لم يكن عدد صانعي الكنافة كبيرا ما كان يخلق المنافسة بين الصناع فضلا عن اختلاف نوعية الزبائن الذين كانوا يتذوقون طعم الكنافة ويعرفون مذاقها ويحرصون على الشراء من صناع محددين بينما الآن زاد عدد الدخلاء على المهنة وساعدتهم الماكينات التي عملت على زيادة الإنتاج على حساب الصنعة والزبائن لا يفرقون بين الكنافة الجيدة والرديئة. ويقول:« أصبحنا نشعر كصناع مهرة بأننا غير مرغوب بنا رغم أننا الأصل».
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©