الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تجاذبات «وستمنستر».. ستجعل بريطانيا أفقر

2 يوليو 2016 23:35
عندما لم يبق على موعد الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سوى عدة أشهر، تنبأ السياسي المخضرم «كينيث كلارك» عضو حزب المحافظين، بأنه إذا ما خسر ديفيد كاميرون حملته من أجل بقاء المملكة المتحدة داخل المنظومة الأوروبية «فإنه لن يبقى في منصبه لثلاثين ثانية». وتنبؤ كلارك لم يكن دقيقاً تماماً، حيث بقي كاميرون في منصبه لعدة ساعات، ولكن ما تلا ذلك من أحداث، كان قريباً إلى حد كبير من تحقيق نبوءة كلارك، وخاصة الجزء الذي قال فيه: «فبعد ذلك، سنغرق في أزمة قيادة في حزب المحافظين، وهي أزمة لن نرى معها مشهداً ملهماً بأي حال». فخروج بريطانيا، المعروف اختصارات بعبارة «بريكست»، أدى إلى فتح صندوق «باندورا» انطلقت منه شرور عدم الاستقرار، وها نحن نراها في الوقت الراهن، وهي تنزلق إلى حالة من الفوضى السياسية العارمة. ولعل التنافس على منصب كاميرون -على نحو ما- هو أقل تلك الشرور جميعاً: فالقوميون الاسكتلنديون عبّروا بجلاء عن نواياهم في المطالبة بإجراء استفتاء ثانٍ على استقلال بلدهم، كما يواجه حزب العمال تمرداً داخلياً كبيراً ضد زعيمه «جيريمي كوربين». أما الكيفية التي سيبدو عليها المستقبل الاقتصادي البريطاني خارج الاتحاد الأوروبي، فيصعب التنبؤ بها في الوقت الراهن. فالأمر يتوقف إلى حد كبير على نوع الصفقة التي يمكن للحكومة البريطانية انتزاعها من بروكسل. ولكن الاضطراب الراهن، من ناحية أخرى، يعني أيضاً أن الوصول لصفقة في هذا الشأن لا يزال بعيداً للغاية. وبمعنى آخر، يمكن القول إن الاضطراب السياسي الذي يكتنف بريطانيا في الوقت الحالي، قد يلحق ضرراً باقتصادها، في الأجل القصير، يعادل -على أقل تقدير- الضرر الناتج عن الاستفتاء ذاته. وإذن، فما الذي يمكننا توقعه؟ في الشهور المقبلة، من المرجح أن يسجل النشاط الاقتصادي البريطاني انخفاضاً حاداً. فالأفراد القلقون، والمستثمرون العصبيُّون، سيعمدون إلى تجميد استهلاكهم واستثماراتهم، كما شرعت الشركات بالفعل في تأجيل بعض قراراتها المهمة، وخاصة تلك المتعلقة بفتح فروع جديدة لها، أو تطوير تجهيزاتها الحالية، ويضاف إلى ذلك أن ثقة المشروعات التجارية، وطلبات التصدير في حالة انخفاض منذ منتصف 2015 أي منذ الإعلان عن نية تنظيم استفتاء بشأن الخروج من المنظومة الأوروبية. ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط حيث انخفضت قيمة الجنيه الإسترليني من 1,49 إلى 1,32 دولار أميركي في أعقاب الاستفتاء. إلى ذلك، بدأ الناس يخافون على وظائفهم وعلى مستقبلهم، وقد أظهر استفتاء للرأي أجراه «معهد المديرين» وهو مجموعة حقوقية مناصرة للتجارة والأعمال أن ثلثي المستطلَعين كانوا يرون أن محصلة الاستفتاء ضارة بمشروعاتهم، وقال ربع هؤلاء إنهم قد شرعوا في تجميد خططهم لتعيين موظفين جدد، و5 في المئة قالوا إنهم يخططون للاستغناء عن أعداد من الموظفين، و20 في المئة أكدوا أنهم يفكرون في نقل نشاطهم إلى دول أخرى. والخدمات المالية بوجه خاص باتت معرضة للمخاطر: فالبنوك التابعة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والتي تتخذ من لندن مقراً رئيسياً لها، تخطط الآن للانتقال إلى مراكز مالية في تلك الدول، وهو ما قد يؤدي لفقدان ما بين 70- 100 ألف من العاملين في تلك البنوك في بريطانيا لوظائفهم. والمحافظة على الثقة أمر جوهري في مثل هذه الأحوال. ولندن باعتبارها أكبر مركز مالي في العالم، تحتاج إلى ثقة المستثمرين الأجانب حتى تتمكن من الاستمرار، وتوافر السيولة، بشكل خاص، ضروري للمحافظة على هذه الثقة، وأي إشارة إلى أن التدفقات المالية قد تتعرض للتقييد، يمكن أن يؤدي إلى خلق حالة من الفوضى. وربما لإحساسهما بأن الورطة الحالية في «وستمنستر» ليست مطمئنة بحال، أوضح كل من مارك كارني محافظ بنك إنجلترا، وجورج أوزبورن وزير الخزانة بشكل جلي، أنهما مستعدان لعمل كل ما هو ضروري لتجنب العودة مجدداً للأزمة المالية. وفي هذا الإطار، وعد بنك إنجلترا بضخ ما يزيد على 250 مليار جنيه إسترليني، لدعم النشاط الاقتصادي، كتدبير ضمن تدابير أخرى عديدة. ولكن السؤال: هل هذا النوع من الدعم كافٍ وحده؟ أما رد فعل السوق المالية على نتيجة الاستفتاء فقد كان بالغ القسوة، حيث خفضت وكالتا التصنيف الائتماني «ستاندارد آند بورز»، و«فيتش» التصنيف الائتماني لبريطانيا إلى «AA» بدلاً من («AAA»، و«AA+plus» على التوالي) بسبب ما وصفته وكالة التصنيف الأولى بأنه «إطار سياسي أقل استقراراً وفعالية، وأقل قابلية للتنبؤ في المملكة المتحدة». ولكن التقلب لا يشير بالضرورة إلى ضعف بنيوي، فالاقتصاد البريطاني بات أكثر مرونة وصلابة، وأكثر قدرة على استيعاب الصدمات مقارنة بما كان عليه في عام 2008. كما توجد الآن في بريطانيا أيضاً شبكة أمان محكمة بعد أن تم ترتيب اتفاقات تبادلية لتوفير السيولة في العملات الأجنبية، علاوة على أن القطاع المصرفي فيها بات لديه رأسمال أكثر، مقارنة بما كان لديه من قبل. إن الاقتصاد الحقيقي الجدير بهذه الصفة، هو الاقتصاد الذي يتم التعبير فيه عن جوانب الضعف وإبرازها. وحسب الوضع القائم الآن، فإن بريطانيا أمامها سنوات مقبلة من التعديلات سيتم قضاؤها أولًا، في فك الارتباط بين قوانينها ومؤسساتهما وبين مثيلاتها في الاتحاد الأوروبي، وثانياً في هندسة منظومة جديدة تماماً. وفي غضون ذلك سيتم تخفيض الاستثمارات، وفقدان وظائف، وإغلاق أبواب مشاريع تجارية، أو نقلها إلى أماكن أخرى. لقد استقر خبر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الأذهان في نهاية المطاف، وبات هناك شيء واحد مؤكد وهو: أن بريطانيا ستتحول إلى دولة أفقر مما هي عليه الآن، خلال السنوات القادمة. *مديرة أبحاث الاقتصاد الدولي لدى مؤسسة شاثام هاوس- لندن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©