القاهرة (الاتحاد)
محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري القوصي، المعروف بـ «ابن دقيق العيد»، والملقب بـ «مجدد المئة السابعة»، ولد عندما كان أبواه متجهان إلى الحجاز لأداء فريضة الحج سنة 625 هجرية، ولما قدم أبوه مكة حمله وطاف به الكعبة، ودعا الله أن يجعله عالما.
نشأ ابن دقيق العيد في مدينة قوص بصعيد مصر في عائلة كريمة تعد من أشهر العائلات علماً وأدباً، حفظ القرآن وسمع الحديث في سن مبكرة، وتردد على حلقات العلماء، ثم رحل إلى القاهرة واتصل بالعز بن عبد السلام، فأخذ عنه الفقه الشافعي والأصول، ولازمه حتى وفاته، بعدها رحل إلى دمشق في سنة 660 هجرية وسمع من علمائها، ثم عاد إلى مصر، وخلال فترة قليلة أصبح من أشهر علماء عصره.
تولى ابن دقيق العيد منصب قاضي القضاة سنة 695 هجرية بعد وفاة القاضي ابن بنت الأعز، وقبل المنصب بعد تردد وإلحاح، وخلال فترة توليه القضاء كان على اتصال وثيق بالسلطان وكبار رجال الدولة، لكن كان له من ورعه ودينه وعلمه ما يجعله يجهر بالحق ويدافع عنه، ويروى أنه ذات مرة رد شهادة الأمير «منكوتمر» نائب السلطنة حين بعث إليه يعلمه أن تاجرا مات وترك أخا من غير وارث سواه، وأراد منه أن يثبت استحقاق الأخ لجميع الميراث بناء على هذا الإخبار، فرفض ابن دقيق العيد، وترددت الرسل بينهما، لكن القاضي كان يرفض في كل مرة، على الرغم من إلحاح «منكوتمر» عليه، لأن الأدلة لم تكن كافية لإثبات أخيه المذكور إلا شهادة «منكوتمر»، وأمام إصرار نائب السلطنة، استقال ابن دقيق العيد من منصب القضاء احتراماً لنفسه وإجلالاً لمنصب القضاء، فلما بلغ السلطان حسام الدين لاجين ذلك أنكر على نائبه تصرفه في التدخل في عمل القضاء، وأرسل في طلب ابن دقيق فلما جاء قام إليه وأجلسه بجواره، وأخذ يسترضيه ويتلطف به حتى قبل أن يعود إلى منصبه.
ورفض ابن دقيق قيام السلطان الناصر محمد بن قلاوون بجمع المال من الرعية لمواجهة المغول، معتمداً على الفتوى التي أصدرها العز بن عبد السلام بجواز ذلك أيام سيف الدين قطز، وقال للسلطان: إن ابن عبد السلام لم يفتِ في ذلك إلا بعد أن أحضر جميع الأمراء كل ما لديهم من أموال، ثم قال له في شجاعة: كيف يحل مع ذلك أخذ شيء من أموال الرعية، لا والله لا جاز لأحد أن يتعرض لدرهم من أولاد الناس إلا بوجه شرعي، واضطر السلطان أن يرضخ لكلام القاضي.
عندما رأى ابن دقيق بعض الناس تستحل أموال اليتامى القصر الذين لا يستطيعون التصرف فيما يرثونه من أموال أنشأ ما يسمى «المودع الحكمي»، حتى تحفظ فيه أموال اليتامى الصغار. توفي ابن دقيق العيد في شهر صفر سنة 702 هجرية عن عمر يناهز الـ 77 عاماً.
عدد اليوم
