الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

اتحاد المتوسط خطوة لتأسيس وحدة اقتصادية بين الشمال والجنوب

اتحاد المتوسط خطوة لتأسيس وحدة اقتصادية بين الشمال والجنوب
14 يوليو 2008 01:16
تُعدّ مبادرة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لعقد قمة اتحاد دول البحر المتوسط بحضور 40 رئيس دولة من أوروبا والبلدان العربية وتركيا لتأسيس ناد اقتصادي جديد تحت اسم (الاتحاد من أجل المتوسط) أول خطوة لرأب الصدع بين شمال وجنوب هذه البحر شبه المغلق بعد الانقشاع النسبي للسحابة السوداء التي خلفتها العهود الاستعمارية· وجاءت بداية انطلاق هذا النادي الاقتصادي الجديد متواضعة بعض الشيء حين اقترح الرئيس الفرنسي إطلاق العملية التنظيمية للحلف الجديد بتأسيس مجلس للأمانة العامة للاتحاد تترأسه فرنسا ومصر وتخصيص صندوق لتمويل المشاريع المشتركة في مجال تطوير الطاقة الشمسية والحرب على الإرهاب (والإصلاح الثقافي) الذي وصف بأنه أمر لا يمكن تجنبه· وفي خلفية الشعارات والمشاريع التي تنطلق أصداؤها من زوايا وأرجاء قاعة الاجتماعات، تبرز فكرة مدهشة مفادها أن شيئاً ما بدأ يلوح في أفق هذا البحر العظيم الذي احتضن أولى الحضارات البشرية؛ وتعدّ هذه الفكرة وليداً طبيعياً لظاهرة العولمة التي بدأت تنشر جذورها القوية في صلب الاقتصاد العالمي والتي تقتضي من الدول المطلة على هذا البحر إقامة حلف اقتصادي مبني على أسس متينة يمكنه تحقيق أحلام شعوب المنطقة كافة· وهناك الكثير من العوامل والقرائن التي تشير إلى أن إنشاء منتدى اقتصادي قوي يجمع دول البحر المتوسط جاء متأخراً بعض الشيء بالرغم من أن وقته لم يفت بعد· ومن هذه العوامل النمو الاقتصادي الكبير والسريع الذي تشهده دول جنوب وشرق البحر المتوسط منذ أكثر من عقد من الزمان والزيادة الكبيرة في حجوم المحافظ الاستثمارية التي أصبحت تمتلكها هذه الدول· ويضاف إلى كل ذلك أن دول الجنوب أصبحت تدرك أهمية الانفتاح وتحرير تجارتها البينية والإقليمية وفتح الأبواب الواسعة أمام الاستثمارات الأجنبية· وبالرغم من هذا الانفتاح، فإن دول جنوب المتوسط لا تحظى إلا بنسبة 10 بالمئة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة لدول الاتحاد الأوروبي· وسبق للاتحاد الأوروبي أن تطلع نحو الجنوب من خلال ما يعرف باسم (عملية برشلونة) التي تعود لثلاثة عشر عاماً ولكنها فشلت في بلوغ أهدافها· والآن تبدو الآمال المعقودة على (نادي الاتحاد من أجل المتوسط) أكثر قدرة على التبلور في صيغة حلف اقتصادي قوي ومتماسك· ويمكن تبرير هذا التفاؤل في أن السياسيين الذين جاؤوا لحضور القمة، أصبحوا يتبعون مساراً محكوماً بأولويات مصالحهم الاقتصادية قبل السياسية· وأصبحت رؤس الأموال الاستثمارية المباشرة تنمو بقوة قريباً من الشواطئ الجنوبية والشرقية للبحر المتوسط من المغرب حتى تركيا· وحققت هذه الاستثمارات نمواً كبيراً خلال فترة وجيزة إلى أن فاقت ستة أمثال ما كانت عليه في بداية القرن الحادي والعشرين حتى بلغت 59 مليار دولار عام ·2006 وهو رقم يفوق مجمل الاستثمارات في اتحاد دول أميركا اللاتينية (ميركوسور) الذي يضم الأرجنتين والبرازيل والباراجواي والأوروجواي ويعود تأسيسه إلى عام 1991 ويبلغ حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي صبت فيه 25 مليار دولار، كما أنه لا يقل كثيراً عن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الصين والذي يبلغ 69 مليار دولار· ولعل الأهم من كل ذلك أن المنطقة تشهد نمواً متوازناً في الناتج الوطني الإجمالي يقدر بنحو 4,4 بالمئة سنوياً؛ وقد يعدّ هذا الرقم قليلاً وفق المعايير الصينية إلا أنه يفوق معدل النمو في أوروبا ذاتها· وبالرغم من أن تركيا ومصر ما زالتا سابقتين في معدل نموهما، إلا أن معظم دول المنطقة بدأت تحصد ثمار الرخاء النسبي· ولا شك أن جزءاً كبيراً من فضل هذا النمو يعود إلى المداخيل النفطية العالية لدول الشرق الأوسط إلا أنها بدأت تدرك أهمية الاستثمار في قطاعات حساسة أخرى كقطاع الخدمات المالية والمصرفية والاتصالات وأسواق البيع بالتجزئة والإنشاءات العقارية والبنى التحتية· ويمكن أن تتجسّد مظاهر هذا الانفتاح الاستثماري في العديد من الأمثلة الحيّة مثل المصنع المشترك للسيارات الذي يعمل ائتلاف شركتي رينو ونيسان على بنائه في المغرب، والمشروع الجديد لبناء ميناء لمناولة الحاويات في مدينة طنجة المغربية الذي سيصبح عمّا قريب أكثر ضخامة من ميناء لونج بيتش على الشاطئ الغربي للولايات المتحدة· ومعظم الأموال الاستثمارية التي تصبّ في هذه المشاريع تأتي من أوروبا ومنها مثلاً مبلغ 6,8 مليار يورو (12,9 مليار دولار) التي تستثمرها شركة (لافارج) الفرنسية في مصنع للإسمنت في مصر· وتكمن المشكلة الكبرى التي يعاني منها اقتصاد دول جنوب وشرق البحر المتوسط في أن العرب قلّما يفتحون القنوات التجارية بين بعضهم البعض؛ وكان هذا سبباً في فقدانهم لميزات التخصص التجاري· وهناك أيضاً المشاكل السياسية التي تظهر جلية من خلال قضية الصراع العربي- الإسرائيلي والانقسامات السياسية الداخلية في لبنان والنشاطات الإسلامية المتطرفة في المغرب والقنابل الموقوتة التي تنفجر بين الحين والآخر في الجزائر والشكوك التي تحوّم على شرعية حزب العدالة والتنمية في تركيا؛ وهي من الأسباب التي تعزز نظرة الشك فيما يتعلق بالمستقبل الاقتصادي لهذه البلدان· ويجب الانتباه أيضاً إلى أن أوروبا ذاتها ليست خالية من المشاكل؛ ومن ذلك أن البعض يتحدث عن نوع من الانشقاق داخل الجماعة الأوروبية ذاتها فيما يتعلق بالحلف المتوسطي· وينقل المراقبون عن الرئيس ساركوزي تأكيده على أن الأمر لا يتعلق بمشاركة كاملة للاتحاد الأوروبي في هذا الحلف، بل يقتصر الأمر على الدول الأوروبية المطلة على البحر· ويرى هؤلاء أن المقصود من هذا الطرح هو سعي الفرنسيين لتحقيق نوع من التوازن مع الألمان الذين استفردوا ببعض دول أوروبا الشرقية وعقدوا معها مثل هذه التحالفات· ولم يتم حلّ هذه العقدة إلا بعد التدخل المباشر للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لإعادة تصحيح الأمور واعتبار الاتحاد الأوروبي برمته معنياً بهذا التحالف الجديد· وتكمن أهمية اجتماع قمة المتوسط أيضاً في أنها تعد محاولة فاعلة لإعادة الدفء المفقود إلى العلاقة التاريخية بين شمال بحر الحضارات وجنوبه· نقلاً عن ''إكونوميست'
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©