الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة أوكرانيا.. امتحان لـ«الناتو»

5 ابريل 2014 00:06
فريد كابلان زميل «مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي لاشك أن الأزمة في أوكرانيا تبعث على القلق، ولا يمكن توقع سلوك بوتين، بينما يثير وجود نحو 30 ألف جندي روسي على الحدود الأوكرانية مشاعر خوف تعود إلى الحرب الباردة. فقد باتت نداءات التحذير خارج السيطرة مع تحول المخاوف المشروعة إلى صيحات حرب، بينما يغذي مزيج مستهجن من جنون العظمة والحنين إلى الماضي التوترات بلا داع ويشوّه الصورة الحقيقية أيما تشويه. ويدل على ذلك التقرير الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في 26 مارس المنصرم بعنوان «خفض موازنة الجيش يقلص قدرة الناتو على ردع روسيا»، وقد أشار فيه المراسلان ستيفن إيرلانجر وهيلين كووبر إلى أن الولايات المتحدة خفضت قواتها الأوروبية بشكل كبير مقارنة بما كانت عليه قبل عقد مضى. وأضافا أنه «أثناء الحرب الباردة كان قوام القوات 400 ألف جندي متأهبين للقتال دفاعاً عن أوروبا الغربية، أما الآن فأصبح العدد 67 ألفاً فقط». وتابعا: «على صعيد عدد القوات والأسلحة والعتاد العسكري الآخر، يقل الحضور العسكري الأميركي في أوروبا الآن بنحو 85 في المئة عما كان عليه في عام 1989». لكن التقرير لا يحتوي سوى على كلمة واحدة تشير إلى تراجع «حضور/ وجود الجيش الروسي» في أوروبا منذ ذلك الوقت، وهي كلمة توجز الأمر برمته: «اختفى». ويعني اختفاء حضور/ وجود الجيش الروسي أنه لم يعد هناك وجود على أرض الواقع لمعاهدة «وارسو» التي أرست دعائم تحالف قوي بقيادة موسكو واجه حلف «الناتو» في الماضي على طول الحدود بين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية. فقد تم استيعاب الدول الأعضاء السابقة في معاهدة «وارسو»، وهي ألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا وبولندا، ضمن أوروبا الغربية، وبالطبع ضمن «الناتو». وتكاد تكون هذه حقيقة غير معلنة، لكن التغافل عنها يجعل تقرير «نيويورك تايمز» أكثر إفزاعاً من الواقع. وإلى ذلك، لم تعد قوة الجيش الروسي هائلة كما كانت من قبل حتى داخل حدوده، فالبيانات التي جمعها موقع «جلوبال سيكيوريتي دوت أورج» تؤكد أن أعداد القوات الروسية تراجعت من مليون ونصف المليون في عام 1990 إلى نحو 321 ألفاً في الوقت الراهن. وتقلصت فرق الدبابات خلال الفترة نفسها من 46 إلى خمس، بينما هبط عدد كتائب المدفعية من 19 إلى خمس، وهكذا يمضي الأمر بين صفوف الجيش الروسي. وباختصار، فقد قلصت الولايات المتحدة قواتها في أوروبا بشكل كبير لأنه لم يعد هناك تهديد يبرر وجود هذه القوات، كما أن استحواذ بوتين على شبه جزيرة القرم لا ينبئ بعودة هذا التهديد، ولو بدرجة تستلزم أي شيء مثل استئناف «الناتو» وضعه الذي كان عليه في عام 1989. وقد أثارت تحركات بوتين دول شرق أوروبا جديدة العضوية في حلف «الناتو»، خصوصاً بولندا ودول البلطيق، لاسيما أنها كانت في الماضي ضمن معاهدة «وارسو»، ولا يزال المسنون من سكانها يتذكرون الاحتلال الروسي. وفي ضوء افتقار هذه الدول إلى روابط راسخة تُلزم دول غرب أوروبا الأعضاء في حلف «الناتو»، فإنها تتساءل بصورة منطقية عن مدى جدية الغرب بشأن التزاماته بموجب المادة الخامسة من المعاهدة، والتي تنص على أن «الهجوم على إحدى دول الحلف يعني هجوماً على الجميع». وقد حاول الرئيس أوباما معالجة هذه المخاوف بإرسال قوات إضافية وطائرات قتالية متطورة إلى هذه الدول، كما أشار خطابه في بروكسل بوضوح إلى هذا الالتزام. غير أن أوكرانيا ليست عضواً في حلف «الناتو»، وبعد أن فكر بوش الابن بشأن وضع أوكرانيا في سياق سريع لاحتوائها، عام 2008، عقب غزو روسيا لجورجيا، تراجع عن ذلك لأسباب منطقية. والسبب الأول: أن استطلاعات الرأي أشارت إلى أن قلة من الأوكرانيين أرادو الانضمام إلى الحلف، والثاني أن مناقشات رفيعة المستوى أظهرت حرص قليل من الدول الحليفة على خوض غمار حرب دفاعاً عن أوكرانيا، أما الثالث فهو أن الرئيسان بوش الأب وبيل كلينتون كانا قد قدما تطمينات لروسيا بأن أي توسع للناتو في فنائها الشرقي لن يمتد إلى حدود الدولة الروسية. ورغم ذلك، سيؤدي أي غزو روسي لأوكرانيا إلى إثارة الخوف والتوتر في أرجاء أوروبا، ليس قلقاً على مصير أوكرانيا، ولكن بشأن ما يمكن أن يفعله بوتين بعد ذلك. وهذا هو السبب الحقيقي وراء تحركات الغرب المضادة، مثل العقوبات ونشر الجنود والخطابات والاجتماعات، وليس استعادة القرم، فقد انتهى أمرها والجميع يعلم ذلك، وإنما الهدف هو وقف بوتين عن المضي قدماً إلى ما هو أبعد. وبالطبع، تراود بوتين أحلام استعادة «روسيا العظمى»، فلم يجد ضيراً في الحديث صراحة عن أن تفكك الاتحاد السوفييتي السابق كان أعظم كارثة جيوسياسية في القرن العشرين. وتحركات بوتين هي تكتيكات انتهازية ما يعني أنه سيمضي إلى أقصى ما يمكنه الوصول إليه، لكنه في الوقت الراهن لن يتحرك قيد أنملة، فالقرم كانت لقمة سائغة، لا سيما أنه كانت لديه قوات هناك بالفعل، وكل ما فعله بوتين أنه استغل الاضطرابات في كييف للاستحواذ على شبه الجزيرة لصالحه، وعليه فالمهمة الآن، كما يرى قادة الغرب، هي إقناع بوتين بأن السيطرة على مزيد من الأراضي سيعني مشكلة حقيقية. وعلى أية حال، استحوذ بوتين على القرم، لكن هل سيغير على جنوب أو شرق أوكرانيا أيضاً؟ لا أحد يعلم، وهذا ما يثير الخوف، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك سبباً للذعر، لاسيما أن دول «الناتو» ليست في خطر محدق. ينشر بترتيب خاص مع «خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©