الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«جامع التواريخ» محاولة تصويرية لإدماج المغول في الأمة

«جامع التواريخ» محاولة تصويرية لإدماج المغول في الأمة
14 سبتمبر 2009 02:11
بعدما نجح المغول بقيادة جنكيز خان في احتلال الأراضي التي يسكنها المسلمون في وسط آسيا وإيران تمكن هولاكو من الاستيلاء على بغداد في عام 656 هـ الموافق «1258م»، ووجد المغول أنفسهم يحكمون شعوباً ليست فقط ذات حضارة خاصة، بل وتسبقهم في مدارجها، ووجه ايلخانات المغول في إيران بعضاً من جهودهم لنشر معطيات تاريخية عن أسلافهم وعلاقاتهم مع الأمم المجاورة، وتطور الأمر بعد إعلان غازان محمود الإسلام ديناً رسمياً لدولة المغول إلى محاولة إدماج العناصر المغولية في ديانتهم الجديدة والأمة التي التحقوا بها. واحتلت المخطوطات المصورة صدارة الجهود المغولية في الحالتين، وذلك بالإيعاز إلى مؤلفين لتصنيف الكتب التي زوقت دوماً بالتصاوير لتقريب المعلومات والمفاهيم إلى الأذهان، حيث اعتاد المغول إبان اعتناقهم للبوذية الاعتماد على الصور لشرح العقائد وتوصيل المعلومات. وإذا كانت جهود شرح الإسلام بالصور للمغول قد أثمرت عدداً من المخطوطات الفريدة فإن كتاب جامع التواريخ يعتبر عنواناً صريحاً على جهود حكام المغول لإقناع المسلمين بأنهم أصحاب حضارة قديمة وليسوا مجرد غزاة عابرين. جامع التواريخ كتاب جامع التواريخ من تأليف عالم وطبيب فارسي هو الوزير رشيد الدين الذي لعب دوراً كبيراً في إقناع غازان محمود بإعلان الإسلام ديناً لدولته. وبدأ رشيد الدين باكورة جهوده للتعريف بتاريخ المغول بتأليف كتاب تاريخي غازاني باللغة الفارسية، ثم كلفه غازان محمود بتصنيف موسوعة تاريخية عن الأحداث التي كان المغول طرفاً في وقائعها مع أمم أخرى، وامتد الأمر في عهد الخان أولجايتو الي تأليف مختصر لتاريخ البشرية. ومن أجل إنجاز هذا العمل الموسوعي انعزل رشيد الدين وجملة من العلماء والنساخ والمصورين بالإقامة في ضاحية قرب تبريز عرفت بالرشيدية نسبة إليه، وانهمك في عمل شاق على مدار ثلاثة أعوام تقريباً انتهت بإخراج نسختين مصورتين من كتاب جامع التواريخ، إحداهما باللغة العربية والثانية باللغة الفارسية. ويتكون كتاب جامع التواريخ من مجلدين أولهما يتضمن تاريخ القبائل المغولية والتركية في آسيا وتاريخ جنكيز خان وخلفائه حتى عهد غازان محمود. أما المجلد الثاني فيشتمل على تاريخ العالم منذ آدم وتاريخ ملوك الفرس الأقدمين، ثم تاريخ المسلمين حتى سقوط بغداد مع لمحات من تاريخ الشعوب الآسيوية المختلفة والديانات السائدة بينها• وتحتفظ الجمعية الآسيوية الملكية بلندن بنسخة مخطوطة من كتاب جامع التواريخ تم نسخها في سنة 714هـ «1314م»، وهو يتضمن تسعاً وخمسين ورقة ومئة صورة ملونة. التأثيرات الصينية يحتوي قسم من الكتاب على موضوعات من السيرة النبوية، بالإضافة إلى تاريخ الهند وسيرة بوذا وجزء من تاريخ اليهود• وقد رسمت الصور في هذا المخطوط بحجم كبير، وتحتوي الصفحة الواحدة على صورتين لموضوعين مختلفين• ففي إحدى الورقات نرى صورة تمثل عزرائيل أو ملك الموت، وهو يقترب من مجموعة من الرجال وقد رسم على هيئة إنسان له جناحان، وأسفلها مباشرة صورة تمثل التكليف بمهمة استطلاع أمر قوافل قريش قبيل غزوة بدر. ويشاهد في هذه الصورة عدد من الفرسان يمسكون بأيديهم رماحاً طويلة، وقد رسموا في مجموعتين يفصل بينهما رسم لصخور بذات الأسلوب الذي كانت ترسم به الصخور في التصاوير الصينية. ويكشف الأسلوب الفني، الذي رسمت به الصورتان عن تأثر عميق بتقاليد التصوير الصيني، حيث قسمت الصورة إلى مقدمة هي الأرضية التي تجري عليها الأحداث وخلفية تمثل السماء• وتم تقسيم الأرضية بواسطة عدد من الخطوط إلى عدة مستويات، مما أعطى الصورة عمقاً واضحاً• وتتميز صور هذا المخطوط بصفة عامة بالعناية الفائقة برسوم الخيل وتوضيح أعضائها بدقة ومحاولة التعبير عن الحركة في رسومها• ورسم الأشخاص بملامح مغولية واضحة بعيونهم المنحرفة. وتتجلى التأثيرات الصينية أيضاً في صورة تمثل اللقاء بين الشيطان وبوذا وهما يتجاذبان أطراف الحديث من دون أن يدرك بوذا أن محدثه هو الشيطان• فبالإضافة إلى الملامح المغولية للأشخاص فإن ملابسهما تبدو صينية تماماً، وربما كان المصور قد شاهد صوراً لهذا الموضوع في تصاوير صينية، حيث نرى أيضاً الرسوم النباتية الشبيهة بتلك التي كانت ترسم في أواني الخزف الصينية. وبذات المخطوط عدد من الصور التي تجسد مناظر طبيعية لا وجود للكائنات الحية فيها، ومن ذلك صورة تمثل شجرة بوذا المقدسة وسط مجموعة من الأشجار رسمت بأسلوب واقعي، وهي ذات سيقان واضحة التفاصيل وقام المصور بتوزيع رسومه، بحيث تنطلق كل شجرة من خط من الخطوط العديدة التي توضح المستويات المتعددة في أرضية الصورة. وتشترك معها في عدم رسم أشخاص أو حيوانات صورة أخرى في مخطوط جامع التواريخ تمثل جبال الهند• وتعرض الصورة مجموعة من الجبال الشاهقة الارتفاع تنمو عليها الأشجار الكبيرة إلى جانب شجيرات صغيرة، ويتقدم هذه الجبال ما يمكن تسميته ببحيرة أو مجرى مائي. ويعتقد مؤرخو الفنون أن هذه الصورة قد نقلت على الأرجح من أصل صيني بحكم العلاقات الوثيقة التي كانت بين المغول والحضارة الصينية.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©