الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العز بن عبدالسلام سلطان العلماء والقاضي المجاهد

العز بن عبدالسلام سلطان العلماء والقاضي المجاهد
14 سبتمبر 2009 02:12
استحق الشيخ العز بن عبدالسلام عن جدارة لقب سلطان العلماء، فإسهاماته في خدمة الإسلام أجل من أن تحصى فقد حارب كل بدعة واجتهد في نشر العلم، وقاوم الظلم والطغيان، وله مواقف إيمانية في ميدان الجهاد وتوحيد الأمة والتصدي للغزوات المغولية والصمود في مواجهة الحملات الصليبية. ويقول المفكر الدكتور محمد عمارة: العز بن عبدالسلام، هو أبومحمد عز الدين بن عبدالسلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد بن مهذب السلمي، وهو مغربي الأصل واشتهر بسلطان العلماء وشيخ الإسلام وولد بدمشق عام 577 هـ/ 1181م وامتدت حياته من عصر صلاح الدين الأيوبي إلى عصر الظاهر بيبرس في الدولتين الأيوبية والمملوكية، وكان شافعي المذهب الفقهي وأشعري المذهب الكلامي ونشأ في أسرة فقيرة وعرف بالتقوى والورع والشجاعة والهمة العالية والذكاء. ابتدأ طلب العلم في سن متأخرة، وأخذ الفقه والأصول والحديث وغيرها من علوم الإسلام والعربية عن أعلام عصره، فسمع الحديث الشريف من العالم الجليل فخر الدين ابن عساكر الذي اشتهر بعلمه وزهده، وتعلم على يد قاضي قضاة دمشق الشيخ جمال الدين بن الحرستاني وقرأ الأصول على الشيخ سيف الدين الآمدي وغيرهم، وأصبح أبرز مجتهدي عصره وتتلمذ عليه من بلغ مرتبة شيخ الإسلام، وهو «ابن دقيق العيد»• وكان ذلك العصر هو عصر الاحتلال الصليبي لبلدان عربية في الشام وصراعات بين الأمراء الأيوبيين انحاز فيها والي دمشق الصالح إسماعيل إلى الصليبيين ضد سلطان مصر «الصالح نجم الدين أيوب»، فتصدى له العز من على منبر الجامع الأموي بدمشق، وهيج الأمة ضد خيانته فعزل عن الإفتاء والتدريس والخطابة، واعتقل حتى اضطر إلى الهجرة إلى مصر فتولى فيها التدريس بالمدرسة الصالحية وتولى منصب الإفتاء بمصر، إذ تنازل له عن المنصب، الشيخ عبدالعظيم المنذري قائلاً: «كنا نفتي قبل حضور الشيخ عز الدين وأما بعد حضوره، فمنصب الفتيا متعين فيه»، وتولى الخطابة والإمامة بجامع عمرو بن العاص والإشراف على عمارة المساجد بالدولة وقاضي القضاة بمصر والوجه القبلي. بيع المماليك كانت قيادته للعلماء وللعامة أعظم الوظائف التي تولاها العز بن عبدالسلام في عصره، فكان كسلطان للعلماء أعلى من سلاطين الدولة وعندما كان يغضب من السلطان فيخرج من القاهرة مهاجراً يخرج السلطان في اثره ليسترضيه، ولقد أثرت عنه وقفته في وجه جور الأمراء المماليك، حتى أفتى ببيعهم لأنهم رقيق لدى الدولة ووضع أثمانهم في خزائنها. ومع شدته على أمراء عصره كان شديداً على نفسه في تطبيق معايير العدل فلقد أفتى مرة بشيء ثم ظهر له أنه أخطأ في فتياه فأخذ ينادي بنفسه على نفسه في مصر والقاهرة فيقول: «من أفتى له العز بن عبدالسلام بكذا فلا يعمل به فإنه قد أخطأ». معارك فكرية خاض الشيخ العز بن عبدالسلام معارك فكرية ضد أهل الجمود والتقليد، وأهل الشعوذة والخرافة، لا تقل عن معاركه ضد أمراء الجور وظلم السلاطين، وعلى جبهة الصراع ضد الغزوة الصليبية تواصلت جهوده في مصر بعد هجرته إليها من الشام وكان لجهوده هذه أبلغ الأثر في التعبئة التي حققت الانتصارات في معارك «عين جالوت» ضد التتار ودمياط والمنصورة ضد الصليبيين. وأثنى العلماء على علمه وورعه وجهاده، وقال عنه الذهبي: «بلغ رتبة الاجتهاد، وانتهت إليه رئاسة المذهب مع الزهد والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصلابة في الدين». وقال عنه ابن دقيق العيد: «كان ابن عبدالسلام أحد سلاطين العلماء»، وقال عنه السيوطي: «شيخ الإسلام وسلطان العلماء، برع في الفقه والأصول والعربية مع الزهد والورع وبلغ رتبة الاجتهاد». مؤلفاته خلف العز بن عبدالسلام آثاراً علمية وفكرية خالدة، تعد معلماً من معالم التراث الإسلامي في الفقه والأصول، والفتيا، وعلوم القرآن والحديث، ومن أشهر مؤلفاته «قواعد الأحكام في مصالح الأنام»، و»الغاية في اختصار النهاية»، و»مختصر صحيح مسلم»، و»الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز»، و»تفسير القرآن العظيم»، و»مقاصد الصلاة»، و»مقاصد الصوم»، ولقد بقي من هذه الآثار الفكرية ثمانية عشر كتاباً. ولقي العز بن عبدالسلام ربه في 10 من جمادى الأولى عام 660 هـ/ 1066م، وقد بلغ من هيبة سلاطين الدولة لسلطان العلماء العز بن عبدالسلام ورهبتهم منه الحد الذي جعل السلطان الفارس الظاهر بيبرس يقول عندما رأى جنازة العز تسير من تحت أسوار القلعة: «اليوم استقر أمري في الملك»•
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©