الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«صير بني ياس» تدوّن مجد السياحة الثقافية بمعالم التألق التاريخي

«صير بني ياس» تدوّن مجد السياحة الثقافية بمعالم التألق التاريخي
29 مارس 2011 19:47
تتوالى الاكتشافات الأثرية في إمارة أبوظبي وتخطو خطوات وثيقة في مجال البعد الثقافي الذي تتسع رقعته لتشمل أشكالاً مميزة من الجذب السياحي. وتزخر المنطقة الغربية حاليا بالمراجع التاريخية التي تصقلها وتضعها في مقام نادر يعزز من مكانتها. والحدث الثقافي السياحي الذي تشهده جزيرة “صير بني ياس” حاليا هو خلاصة الموعد الذي تم على أرضها قبل يومين مع فريق الخبراء الدوليين والذي أدى إلى الكشف عن سلسلة مواقع جديدة في الدير الوحيد المكتشف حتى الآن في الدولة، والذي يعود إلى القرن السابع الميلادي. جزيرة “صير بني ياس” الطبيعية ترسم اليوم ملامح خطوط لإحدى أهم الوجهات السياحية النادرة التي تقدم تجربة شاملة تغطي الجوانب البيئية والترفيهية والرياضية وكذلك الأثرية. وهذا من شأنه أن يجعلها تتصدر قائمة المناطق التي يضعها السائح من الداخل ومن الخارج، ضمن برنامج رحلاته الشيقة والثرية في آن. ووسط برنامج أعمال التنقيب المستمرة في مواقع الاكتشافات، فإن الأبحاث الميدانية التي يشرف عليها الباحث الألماني الدكتور جوزيف إلدز لموسم شهري فبراير ومارس، خلصت إلى عدة نتائج قيمة. وهي إذا ما أضيفت على المعطيات السابقة تغني الدراسات التاريخية المحدقة بهذا الجزء من الجزيرة. والدكتور إلدز هو الذي أدار أعمال المسح الأثري الأولي في الجزيرة خلال التسعينيات. آخر الاستكشافات كشفت الأبحاث الأخيرة التي جرى عرضها قبل أمس الاثنين في موقع الحدث، عن إظهار معظم مساحات الفناء المفتوح حول الدير، بالإضافة إلى أجزاء كبيرة من السور المحيط به باتجاه الشمال. وتم على أثرها الكشف عن 3 مداخل لم تكن معروفة من قبل، الأمر الذي يلقي المزيد من الضوء على كيفية تحرك سكان مجمع الدير في ذلك الزمن بين الأبنية المختلفة. وكان التركيز لهذا الموسم على رسم المخططات الواقعة لجهة الجنوب من الدير. وقد تواصلت أعمال الترميم على كافة المنشآت المكتشفة، لضمان حمايتها بالشكل المناسب، وتم إظهار الكثير من الأبنية الواقعة شمال الفناء الداخلي، والتي كانت قد اكتشفت بداية خلال عمليات التنقيب في منتصف التسعينات من القرن الماضي. وذلك من شأنه أن يتيح للفريق تقدير حجم العمل اللازم لترميمها وحمايتها بهدف عرضها مستقبلا أمام الجمهور. وخلال هذه الأعمال تم اكتشاف حجرة تخزين، مع دلائل تشير إلى أنها استخدمت لتخزين جرار “التوربيدو”، المشابهة لجرار الآمبري (amphorae) الرومانية في شكلها ووظيفتها. وأثناء التنقيب في الفناء الشمالي تم اكتشاف أجزاء من 3 أوعية زجاجية فاخرة، بعض منها عبارة عن كسر من كأسين مزخرفتين، والأخرى بقايا قارورة صغيرة أو دورق. كما عُثر في المنطقة الجنوبية على جزء من “إفريز” جصي كان يزين جزءاً من المنطقة العلوية فوق أحد أبواب الدير. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على ما تتمتع به الجزيرة من تراث عريق يشجع على تركيز الجهود لتأسيس وجهة سياحية متكاملة تمكن الزوار من التمتع بالطبيعية والحياة البرية في الجزيرة، مع ضمان حماية المعالم التاريخية والأثرية والحفاظ عليها. مئات السنين الموقع الأثري الذي يتربع عند جزيرة “صير بني ياس” الممتدة على مساحة 87 كيلومتراً مربعاً، هو الدير الوحيد المكتشف حتى الآن في الدولة. وقد تم اكتشافه للمرة الأولى عام 1992 وتم الإعلان عن افتتاحه نهاية العام الفائت من قبل مشروع “جزر الصحراء”، الوجهة السياحية البيئية الفريدة والتي تقوم بتطويرها “شركة التطوير والاستثمار السياحي”. وهذا المعلم الذي يفتح أبوابه أمام الزوار يعد من المواقع التاريخية التي تكتسب أهمية كبيرة حيث يعكس غنى المنطقة ويضيء على المجموعات البشرية التي استوطنت فيها منذ مئات السنين. ويأتي افتتاحه بالتزامن مع بدء مرحلة جديدة من عمليات التنقيب عن مواقع أثرية أخرى بالغة الأهمية في الجزيرة والتي يتوقع لها أن تبرز بشكل أكثر تاريخ المنطقة. وبحسب العلماء فإن جزيرة “صير بني ياس” ظلت مأهولة بالسكان على مدى أكثر من 7500 عام، وقد عثر فيها حتى الآن على أكثر من 36 موقعاً أثرياً. وتتضمن هذه المكتشفات مدفناً دائرياً يعتقد أنه يعود لأربعة آلاف عام، وبرج مراقبة، ومسجداً وأدلة على صناعة اللؤلؤ القديمة في الجزيرة. وسوف يعمل العلماء لاحقاً على دراسة وتقييم هذه المواقع، واستئناف التنقيب فيها. وتتضمن المكتشفات الأثرية الثمينة في الموقع حتى الآن أكثر من 15 نوعاً من الفخاريات، إضافة إلى الزجاجيات والأواني المستخدمة في الاحتفالات وقطع من الجص المزخرف بعناية. الأمر الذي يوفر لعلماء الآثار كنزاً ثميناً من المعلومات عن سكان الجزيرة في القرن السابع الميلادي وأنماط حياتهم. وهذه التحف الأثرية النفيسة تم حفظها بعناية لضمان حمايتها. تصاميم بالإطلاع على الآثار المتروكة في محيط الدير منذ مئات السنين، يتضح صحن المبنى الأثري والأجنحة الجانبية. هنا جناح غربي متصل يعرف بالرواق حيث يجتمع الناس قبل إقامة الشعائر الدينية. وهناك هيكل يقع في الطرف الشرقي كان يحتوي على منصة تساعد على أداء الطقوس المقدسة. وهنالك جدار كان فيما مضى مغطى بلوحات جصية مزخرفة بتصاميم تتضمن سعف نخيل وعناقيد عنب. وعلى جانب من الفناء الخارجي، يقع المدفن الذي من المحتمل أن يكون قبر مؤسس الدير. أما بقايا البرج، فهي تدل على أنه كان يتيح إمكانية مشاهدة الزوار ومراقبة المقبلين على الدير من غير المرغوب بهم كالقراصنة. أما بيت الصلاة فتشير إليه أثار قاعة لا شك أن الزوار كانوا يؤمونها للصلاة وتقديم الهدايا عند البوابة. وكذلك تتجلى غرف النوم وغرف تناول الطعام أو الدراسة أو تخزين المؤن. جرار وقوارير تعتبر الفخاريات من أكثر الأواني المستخدمة في ذلك العصر، وقد عثر في الموقع حتى الآن على 15 نوعاً مختلفاً منها. وهي تقدم دلائل على وجود علاقات كانت تربط أهل الدير ببلاد الشام والرافدين والهند وربما البحرين، وبعض هذه الفخاريات ربما يكون محلي الصنع. ومعظم الأواني الفخارية كانت مخصصة للاستخدامات اليومية، لكن بعضها يحمل عناصر تشير إلى منزلة رفيعة لمالكها أو لاستخدامات طقوسية. وتتضمن الأنواع الرئيسية المكتشفة: أوعية وجرار من الفخار البني. أوعية وجرار وأوانٍ أخرى متوسطة الحجم من الفخار الفيروزي المزخرف، وتعود هذه الآنية إلى القرنين السابع والثامن الميلاديين. ومن المكتشفات “الأمفورات”، وهي نوع من الجرار الخزفية بيضاوية الشكل لها قبضتان وعنق طويل ضيق، وشكلها مناسب للتخزين في عنابر السفن. وهي تستخدم لنقل السوائل وتخزينها، حيث تدهن بالقار لمنع رشح الماء والسوائل منها. وثمة قطع فخارية أخرى جاءت من الهند، مثل قدور الطبخ البسيطة والفخار الأحمر الرقيق. وأكثر من ذلك فقد كشفت أعمال التنقيب عن العثور على عدد قليل من الأواني الزجاجية عالية الجودة، والتي تضم مصابيح وآنيات. بينها مصابيح زيتية كانت تستخدم لإنارة الدير وسواها من الغرف. كما عثر على بقايا مصابيح معلّقة، تتألف من طاسات زجاجية قليلة العمق محمولة بأشرطة من البرونز المعلقة بواسطة سلسلة. ومن الموجودات سلاسل برونزية كانت تحمل مصباحاً زجاجياً شوهد بالقرب من الباب الجنوبي للدير. وتتألف الآنية الطقوسية المكتشفة من كؤوس وقوارير صغيرة وقاعدة أخرى لقارورة زجاجية. جوزيف إلدز بخبرة تزيد على 23 عاماً، يشغل الدكتور جوزيف إلدرز حالياً منصب رئيس الآثار في مشروع “دير صير بني ياس”، حيث تقع على عاتقه مسؤولية متابعة أعمال البحث والتنقيب والمسح والمحافظة على هذا الموقع. كما أنه يعمل بشكل وثيق مع باقي أعضاء الفريق على عرض الموقع أمام الجمهور بأفضل صورة. ونظراً لدراساته المعمقة في التاريخ والآثار، يمتلك الدكتور إلدرز مؤهلات أكاديمية رفيعة انعكست إيجابا على مسيرته المهنية في مجال التنقيب والآثار. وهو حائز 3 شهادات جامعية، درجة البكالوريوس (مع مرتبة الشرف) في التاريخ من جامعة “لانكاشر” المركزية عام 1985، ودرجة الماجستير في علم الآثار من جامعة “نوتنجهام” عام 1989، ودرجة الدكتوراه في علم الآثار عام 1996. وقبيل ذلك، عمل الدكتور إلدرز كعالم آثار ميداني لصالح متحف لندن بين عامي 1985 - 1987، وشغل منصب مدير الآثار الميداني لدى مكتب التراث الوطني في ولاية “بادن - فورتمبيرغ” الألمانية بين عامي 1990 - 1997. كما عمل في هيئة “المسح الأثري لجزر أبوظبي” كمدير ميداني لأعمال المسح والتنقيب في جزر “دلما” و”مروح” و”صير بني ياس”، وأعمال التنقيب في مدافن العصر البرونزي في موقع “شمال” في رأس الخيمة. بالإضافة إلى عمله في التنقيب والمسح الأثري في قلعة حمص بسوريا وذلك بين العامين 1993 - 2002. ويشغل الدكتور إلدرز منذ عام 1999 منصب مدير الآثار والمشاريع الكبرى في إنجلترا. وقد كتب وساهم في تأليف أكثر من 40 عملاً منشوراً، بينها، “البوابة الجنوبية للمدينة البيزنطية”، و”المسح الأثري لجزر أبوظبي”. وهو عضو في معهد علماء الآثار الميدانيين MIFA وزميل جمعية الآثاريين FSA. يجيد التحدث باللغة الألمانية والفرنسية والقليل من العربية. العصر الحجري يعمل علماء الآثار والخبراء في مجال ترميم المباني بهدف الحفاظ على الموقع. ومن المخطط إنشاء مركز للزوار يضم نسخاً طبق الأصل من التحف الأثرية المكتشفة في الموقع. وهذه التحف محفوظة الآن بعناية شديدة لضمان حمايتها من تأثير العوامل الجوية. وسوف يتم التركيز لاحقاً على المباني المجاورة القريبة من الموقع، بينما تتواصل أعمال التنقيب في المباني الأخرى داخل مجمع الدير الرئيسي. وأقدم الدلائل على الاستيطان البشري في جزيرة “صير بني ياس” يعود تاريخها إلى نحو 7,500 عام. وقد تم العثور على 36 موقعاً أثرياً في الجزيرة تعود إلى فترات مختلفة تتراوح من ذلك الماضي السحيق وحتى الماضي القريب. وتشمل هذه المواقع مستوطنات بشرية تعود للعصر الحجري، ومبنى يقارب عمره 4,000 عام قد يكون مدفناً جماعياً، بالإضافة إلى مواقع أثرية من العصور الإسلامية تتضمن برج مراقبة محصن ومسجداً ومقابر ودلائل تشهد على صناعة صيد اللؤلؤ القديمة. قواعد السلوك يعتقد العلماء أن هذا الدير بني في القرن السابع الميلادي من قبل كنيسة الشرق المعروفة أيضاً باسم الكنيسة السريانية الشرقية. ويتولى مهام التنقيب في الموقع فريق من علماء الآثار الدوليين. وانسجاماً مع قيم ومبادئ شركة “التطوير والاستثمار السياحي”، تم وضع “مدونة قواعد السلوك” لضمان تطبيق أعلى المعايير العالمية الحديثة في توثيق وحفظ المواقع الأثرية في الجزيرة، ومن ضمنها الدير الأثري. تجارة اللؤلؤ يقع الدير في الجانب الشرقي من الجزيرة، وتتجه بوابته الرئيسية شرقا بالقرب من خور صغير على الشاطئ. ويحاط بالكتلة الرئيسية للموقع سورٌ خارجي يحتضن صوامع ومطابخ ومخازن وحظائر للحيوانات تتوزع كلها حول فناء مركزي. وتزخر جدران الدير بالكثير من الزخارف الجصية مع تصاميم منوعة. وعلى بعد بضعة مئات من الأمتار، توجد عدة مبانٍ أصغر حجماً قد تكون منازل، بالإضافة إلى خزان كبير للمياه موصول بقناة. وكما تظهر الأبحاث أنه كان لسكان المنطقة دور فاعل في حركة التجارة البحرية الممتدة من أقصى شمال الخليج إلى الهند. وأنهم أسهموا في تطوير تجارة اللؤلؤ. ثقافة واسعة يعتقد العلماء أن اختيار جزيرة “صير بني ياس” مكاناً لبناء الدير كان بسبب موقعها الاستراتيجي كنقطة استراحة للسفن التجارية في رحلتها الطويلة الممتدة من أعالي الخليج إلى الهند. كما كان شاطئها يزخر باللؤلؤ، حيث يعتقد أن ثقافة أبناء الدير الواسعة مكنتهم من أن يلعبوا دوراً مهماً في هذه التجارة. وهم ساهموا بنشاط في شبكة واسعة من التجارة البحرية، ويدل على ذلك اكتشاف بعض القطع الفخارية والزجاجية المصنوعة في بلاد الرافدين والهند خلال أعمال التنقيب في الموقع.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©