الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عذابات الطفولة في الحرب الصومالية

عذابات الطفولة في الحرب الصومالية
14 سبتمبر 2009 02:32
بينما كان الطفل عمر عثمان، ذو الخمسة أعوام، نائماً بجوار والدته في صباح أحد الأيام مؤخراً، أصابته رصاصة طائشة من معركة بالأسلحة النارية جرت بالجوار، فأصيب خلف رأسه، ولكنه لم يتحرك ولم يصدر عنه أي صوت. في البداية، لم يلحظ أحد من عائلته أي شيء، ولكنهم فيما بعد رأوا الدم ينزف من ثقب صغير في رأسه واعتقدوا أن الأمر يتعلق بلدغة ثعبان. غير أن الفحوصات بالأشعة السينية التي أجريت على رأسه الصغيرة كشفت عن المسار المأساوي الذي سلكته الرصاصة التي يبلغ طولها إنشاً على الأقل. ولكن، كيف دخلت الجانب الأيسر من الرأس واخترقت دماغه واستقرت وراء العين اليمنى. إنها معجزة حقاً أن عمر عثمان ما زال على قيد الحياة، هكذا يقول الأطباء. وبعد أن استفاق من العملية الجراحية التي خضع لها لإزالة الرصاصة وعينه اليمنى، كان مستلقياً بهدوء على فراش رقيق على الأرض في خيمة المستشفى المؤقت التابع للاتحاد الأفريقي. ومع ذلك لا يعرف الأطباء مدى الضرر الذي قد يكون لحق بالدماغ لأن الطفل الذي كان كثير الكلام ذات يوم، والذي كان يحب «السباجيتي» ويستمتع بمساعدة أمه في الغسيل، لم ينبس ببنت شفة واحدة منذ العملية. وإن كان قد أفاق، ويستجيب عموماً، ويبدو يقظاً حيث يتابع بعينه المتبقية في صمت كل ما يدور من حوله: الأطباء الذين يتفحصون الضمادات، جدته التي تحاول إخراج ابتسامة، وحتى جثة الفتاة بنت الثالثة عشرة التي ماتت جراء الملاريا ذلك الصباح، وما زالت مستلقية في السرير المجاور. وفي كل يوم، تتحدث جدته، فطومة علي، مع عمر وتبحث في وجهه عن إشارة على ردة فعل ما؛ فتعابير وجهه قلما تعكس أية أحاسيس. ومع أنه لا خوف، لا ألم، غير أنه أحيانا يلاحَظ شيء آخر خلف تلك النظرة: إنه الغضب. وتقول فطومة: «إنه لا يبتسم أبداً، والحال أنه كان طفلا يضحك بسهولة من قبل. أما الآن، فإنه لا يفعل شيئاً غير التحديق في من حوله. نظرات فقط. من يدري بماذا يفكر». والواقع أن الأطفال لطالما كانوا هم الضحايا الرئيسيون في الحرب الأهلية الصومالية المتواصلة منذ 18 عاماً؛ ذلك أن واحداً من بين كل خمسة أطفال يعاني من سوء التغذية الحاد. والقلائل جداً منهم يذهبون إلى المدرسة لأن معظمهم يقضون حياتهم في الهرب من العنف والجفاف والفقر. وعلاوة على ذلك، فإن الأطفال غالباً ما يتحولون إلى مجندين صغار، والفتيات غالباً ما يحملن حالما يبلغن. وتقول فطومة: «أي حياة هذه التي يعيشها الأطفال هنا؟»، مضيفة «عندما كنت صغيرة، كنت وأقراني نذهب إلى المدرسة؛ وكان الأطفال يستطيعون اللعب خارج المنزل. أما اليوم، فلم يبق لهؤلاء الأطفال شيء غير الحرب. أي أمل هناك للأطفال؟». والواقع أن ثلث الأسرَّة يشغلها أطفال في هذا المستشفى، الذي يقدم الرعاية الصحية بالمجان لنحو ألفي شخص كل شهر. وتقول فلورانس محمد، وهي ممرضة صومالية بالمستشفى: «إن هذا المكان يعج بالأطفال». ومن قبل، كانت الملاريا والسل وخصف الإناث هي المشاكل السائدة؛ أما اليوم ومع ارتفاع العنف في العاصمة مقديشو إلى مستويات عالية، فقد بات الأطفال يعلقون في المعارك بين القوات الحكومية والمتمردين، ويأتون إلى المستشفى مصابين بطلقات نارية أو شظايا قذائف أو حروق أو غيرها من إصابات الحرب. ويقول الدكتور جيمس كينجو من بعثة الاتحاد الأفريقي، وهو طبيب جراح من أوغندا وهو الذي أجرى العملية الجراحية لعمر: «إنها مدينة عنيفة جداً... العنف في كل مكان!». وفي الغرفة المجاورة يوجد عبدالرحمن شيخ نور. وهو طفل في السابعة من العمر، وكان يتخاصم مع صديق من سنه في أحد شوارع مقديشو الشهر الماضي، وأثناء عودته إلى بيته غاضباً شعر بوخز في ظهره. يقول عبدالرحمن: «ظننتُ أن صديقي رماني بحجر»؛ ولكنه رأى الدم على بطنه ثم سقط. والسبب؟ رصاصة -لا أحد يعلم مصدرها- أصابته في الظهر. وقد حاول هذا الطفل، الذي كان مستلقياً عارياً على الفراش ووسطه ملفوف بالضمادات، أن يبدو شجاعاً وهمس بصوت بالكاد يمكن سماعه: «إنها لا تؤلمني كثيراً». ولكن الجروح ربما ستبقى دائمة، حسب الأطباء، ذلك أن الرصاصة أحدثت ثقباً في القولون؛ ونتيجة لذلك، أصبح البراز يتسرب من الجرح، والحال أنهم يفتقرون إلى القدرات اللازمة لمعالجته كما ينبغي. أما في الخارج فهناك طابور من المرضى ينتظرون أدوارهم لرؤية الطبيب. وأسوأهم حالا على الإطلاق هو عبدالقدير حسين، 4 سنوات، الذي كان في حجر أمه يتألم في صمت، بينما كانت هي تهش بالمروحة على صدره العاري الذي تعرض لحروق بليغة حيث أتلف معظم الطبقة العليا من جلده؛ ووجهه معتصر من شدة الألم ويبكي بكاء خفيفاً. وتقول والدته، وتدعى بنت عويص، إنه كان يلهو في المنزل حين أسقط إبريق ماء ساخن عليه، مضيفة أن زوجها توارى عن الأنظار قبل أربع سنوات، وتركها لوحدها تعيل أربعة أطفال بالثلاثة دولارات التي تجنيها من عملها في السوق كحمالة. وتقول: «ذاك كل ما أستطيع أن أقوم به من أجل إطعامهم». غير أنها وعلى غرار معظم الأمهات والآباء، لا تفقد الأمل في مستقبل أكثر إشراقاً لأطفالها إذ تقول: «إذا تمكنا من الصمود، فأنا على يقين أن حياتنا ستكون أفضل يوماً ما... علينا فقط أن نجتاز هذه المحنة!». إيدموند ساندرز - مقديشو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©