الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد يوسف: حصلت على أرفع وسام يناله فنان

محمد يوسف: حصلت على أرفع وسام يناله فنان
22 مايو 2010 20:49
«التكريم جاء شهادة تقدير سامية اختزلت كل حياتي، عملي، وفني».. بهذه الكلمات عبّر الفنان الدكتور محمد يوسف عن غبطته في الحصول على جائزة الإمارات التقديرية للعلوم والفنون والآداب، عن فئة الفن التشكيلي، والتي تسلمها من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله في احتفالية كبيرة كرمت من خلالها كوكبة من المبدعين الإماراتيين. تعتبر الجائزة لفتة كريمة يقدمها الوطن تتويجاً لجهود أبنائه من الأدباء والباحثين والفنانين الذين ساهموا في كافة المجالات الثقافية والعلمية، وتقديراً لدورهم في خدمة الإمارات، ولما حققوه من أعمال إبداعية أضافت لحصيلتها التاريخية، الحضارية، والإنسانية. زمن البدايات المتتبع لمسيرة محمد يوسف على مدى الأعوام السابقة، سيلاحظ بلا شك كيف بدأ هذا الفنان، والذي يعد من جيل الرواد، مشواره الطويل مع الحركة الفنية التشكيلية والمسرحية في الدولة، وكيف استشعر بحسه المرهف وفكره الحالم طبيعة مجتمعة وخصوصية بلده، في زمن كانت تحكمه الظروف والصعوبات التي تحيط بالمنطقة، فتلمس هو ومجموعة من زملائه الحاجة الماسة لإنشاء نواة للحراك الفني والثقافي في الإمارات، وكان من الأوائل الذين شدوا الرحال إلى الخارج ليتعلموا ويتخصصوا في عدة مجالات منها (التشكيل، الديكور، العمارة، والمسرح)، مفضلاً التوجه إلى عاصمة الفن العربي القاهرة ليستكمل دراسته الجامعية في فن النحت، وهو حقل غير مألوف أو متعارف عليه في الخليج آنذاك، ويعلل يوسف اختياره هذا، فيقول: «أردت دخول مجال غير مطروق لتكون لي الريادة فيه، ففن النحت لم يكن معروفاً في بلدنا في فترة السبعينات، وبحماس الشباب أردت أن أوظفه بشكل مختلف، فأفرغ من خلاله طاقاتي الفنية والإبداعية، وأصبح النحّات الأول في الإمارات». تنوع ابداعي ويكمل: «على الرغم من انشغالي بدراسة النحت في مصر، إلا أني كنت أيضاً مهووساً بالتمثيل والمسرح، وكنت أتابع وأتواصل على الدوام مع كل مستجداته في الوطن، وبالفعل نجحت مع نخبة من المسرحيين في تأسيس مسرح الشارقة الوطني في عام 1974، وترأست مجلس إدارته لأكثر من خمس سنوات». وبعد تخرجه في كلية الفنون الجميلة عاد الفتى الحالم إلى ربوع الوطن، ليستقر فيه، وليحتفل بمعرضه النحتي الأول في عام 1978م، مقدما عدة منحوتات وأعمال فنية، مصاغة بعناصر مختلفة من الخشب، الحديد، والحجارة، ومع أنه تمكن من لفت الأنظار إليه، إلا أن ردود الأفعال كانت متباينة حيال مجمل عمله، وهو يتذكر تلك الفترة بأسى، ويقول: «كان الحضور منقسماً ما بين المعجب بفني، وبين ذلك الذي يراه ولا يستسيغه أو لا يريد أن يقتنيه بالضرورة، فالنحت تخصص جدلي في ثقافتنا العربية، وهو لا شك أدخلني في إشكالية الحلال والحرام، مما حزّ في نفسي وأثر في النهاية على خياري». إصرار وعزيمة وبالرغم من الصعوبات والعراقيل التي واجهته، لم ينكسر يوسف، ولم يتوقف عن مسيرته الإبداعية، بل عدّل فيها وغيّر منها لتنسجم مع محيطه وعادات مجتمعه، مدفوعاً بكل الشغف والحب الذي يحمله كفنان مخلصاً لفنه، وشاعراً بالفراغ الكبير الذي تعانيه حركة الفن التشكيلي في الدولة، ليلعب دوراً ريادياً آخر مع مجموعة من الرسامين الإماراتيين، ويعلنوا معاً إنشاء أول جمعية إماراتية للفنون التشكيلية في إمارة الشارقة في عام 1980م. وخلال السنوات اللاحقة، انتهج يوسف مساراً جديداً في أسلوبه النحتي، مبتعداً عن ما يسمى بمدرسة النحت الكلاسيكي، ومستلهما من التراث عناصر جمالية تغذي خياله وتطعّم أعماله بالأصالة والخصوصية التي تطبع واقعنا العربي، ومحاولاً كسر القطيعة القائمة بين فن النحت والجمهور الخليجي، مما دفعه لمواصلة دراسته الفنية في جامعة «ميسوري» في الولايات المتحدة، والتي منحته درجة الماجستير بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، بعد أن قدم مشروعاً فنياً شاملاً تمثل في تفكيك كتلة النحت التقليدية، واعتماد عناصر جديدة مستوحاة من البيئة مع ربطها بمفاهيم الحركة والزمن، وهو يصف هذه المرحلة، ويقول: «أردت أن أثقف ذاتي أكثر، وأبحث عن أسلوب فني يفردني، وذهابي لأميركا فتح أمامي مساحات وأبواباً، وعمّق عندي عشق المكان وارتباطي بالوطن، فاكتشفت في داخلي صوراً قديمة لطالما أسرتني من التراث، الأشكال، والأجواء من حولي، كمشاهد للنخيل، الابل، والرمال، ومناظر للبحر، المراكب والأشرعة مع الكثير من الذكريات الحميمة، التي تحولت بعد ذلك عندي لمواد أساسية في بناء وتركيب أعمالي النحتية». ويضيف: «أصبحت فنانا أكثر واقعية، ملتصقاً بالأرض والطبيعة، أؤمن بالرياح، التراب، والضياء، أحب الحركة وتفاعل العمل التشكيلي مع المؤثرات الطبيعية التي تلامسه وتحيط به، وأتحاشى كل ما هو جامد، ميت، ومصطنع في الفن». خارج حدود التصنيف لم تقف مجهودات الفنان الدكتور محمد يوسف وعطاؤه عند هذا الحد فقط، فإلى جانب حضوره الفني ودوره المهم في حركة النشاط الثقافي في الدولة، كان له سبق إنشاء قسم الخزف الصيني في وزارة التربية والتعليم، وهو يعتبر من المساهمين المهمين في تنظيم بينالي الشارقة الدولي، وله أدوار أخرى في تأسيس عدد من الجمعيات والأنشطة الفنية داخل الإمارات. كما شارك كممثل، مصمم ملابس، ومنفذ ديكور في أكثر من 14 مسرحية محلية، إضافة إلى مساهمته في تأسيس الفرقة القومية للمسرح، ومهرجان أيام الشارقة المسرحية، ونشاطات أخرى مميزة في الإذاعة والصحافة، مع مشاركات عدة في معارض دولية عريقة للفنون التشكيلية، وربما يدل كل هذا التنوع والتلوين في الأفكار والاهتمامات على سعة أفقه كفنان مثقف، لا يحب أن يؤطر نفسه ضمن برواز محدد، بل يطلق العنان لذاته ليسبح في فضاءات وعوالم مختلفة، وهو يختزل هذا المعنى، فيقول: «لا أصنف نفسي ضمن مدرسة فنية بعينها، لكني مهتم بالفن المفاهيمي، أو المضموني الذي يأتي بمفهوم وفكرة، سواء في التشكيل أو على خشبة المسرح، فكلاهما إبداع وفن، ولكن في الأول أجد إطاراً لتواصل الرؤى والأفكار، وفي الثاني إطاراً آخر أتفاعل من خلاله مع الناس». نهضة ابداعية وحول قراءته لأبعاد الفن التشكيلي والمستوى الذي وصل إليه في الدولة، يقول محدثنا: «لا شك في أن النهضة الحضارية والعمرانية التي قامت مؤخراً في الإمارات، ساهمت، وبشكل فعال، في قيام الكثير من الفعاليات والأنشطة التي رفعت من مستوى الفنون والثقافة في بلدنا بشكل عام، فوجود المهرجانات وتوافر صالات المعارض، والاهتمام الإعلامي مع الدعم المتواصل من قبل المسؤولين، للحركة الفنية وللفنانين، دفعت بعجلة التطور لتقطع أشواطاً بعيدة إلى الأمام». وعن طموحاته المستقبلية وحلمه القادم، يقول: «جائزة رئيس الدولة أصبحت بمثابة ولادة جديدة لي، وهي بلا شك ستحفزني على الإبداع والعطاء أكثر، ومشروعي القادم سيكون مبتكراً ومعاصراً بكل المقاييس، فأنا أفكر في تكوين فرقة للفن التعبيري تتفاعل فيها الشخوص مع الطبيعة، الأشجار، والرياح، مع مؤثرات صوتية وإضاءات موحية على خشبة المسرح». في الختام، ثمن الفنان الدكتور محمد يوسف حصوله على جائزة الإمارات التقديرية للعلوم والفنون والآداب، معتبراً أنها أرفع وسام شرف قد يناله فنان، ومهديا إياها لجيل كامل من رواد الفن والمؤسسين الحقيقيين للحركة التشكيلية والمسرحية في الدولة.
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©