الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«عصر الهند» يتنبأ بتنامي نفوذها في القرن الحادي والعشرين

«عصر الهند» يتنبأ بتنامي نفوذها في القرن الحادي والعشرين
22 مايو 2010 21:06
يتنبأ بافان كومار فرما عبر كتابه “عصر الهند” بتنامي نفوذ الهند في العالم في القرن الحادي والعشرين إلى الحد الذي سيجعل منه قرناً هندياً بامتياز، ويستند في ذلك إلى عديد من الحقائق، منها أن الهنود سيشكلون سدس سكان العالم في القرن الحادي والعشرين، وستظهر الهند كثاني أكبر سوق للاستهلاك في العالم، حيث ستتجاوز فيها الطبقة المتوسطة ذات القدرة الشرائية نصف مليار نسمة. بلغ الاقتصاد الهندي المكانة الرابعة عالمياً وفقاً لمكافئ القوة الشرائية، وانضم اسمها إلى قائمة الدول العشر المتصدرة في إجمالي الناتج المحلي، كما أن الهند مقتنعة بحكم كونها أكبر ديمقراطية في العالم وامتلاكها القوة النووية، بحقها في أن تكون عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، وفق ما جاء في كتاب بافان كومار فرما “عصر الهند”. أرض الأحلام يشير فرما إلى عدد من المتغيرات المهمة التي تكتسح شبه القارة، فعدد حاملي الشهادات الجامعية في الهند يفوق إجمالي عدد سكان فرنسا بأسرها، كما تحظى الهند باعتراف جديد في مجال تكنولوجيا المعلومات، حيث يقدر أن عوائد تصدير البرمجيات ستتجاوز خمسين مليار دولار في بضع سنوات، والجالية الهندية في العالم هي ثاني أكبر الجاليات بعد الصين، كما برز لهنود تأثري الجاليات الإثنية في الولايات المتحدة، ويزداد حضورهم ونفوذهم في كثير من بلدان العالم الأخرى، بما فيها المملكة المتحدة ومنطقة الخليج العربي. غير أن الكاتب يلفت إلى وجود عاملين وقفا دوماً في سبيل البحث عن تنامي قوة الهند وبروزها عالمياً، وحالا بالتالي دون الوصول إلى النتائج المرجوة، الأول هو الصورة النمطية التي يرى الأجانب الهند من خلالها، والثاني هو الصورة الذاتية التي يسعى الهنود إلى تقديمها عن أنفسهم، وقد لوحظ أن الأجانب يصابون بالحيرة والاندهاش لدى زيارتهم للهند، إذ يغمرهم الحجم الصرفي للتجربة السمعية والبصرية التي يحاطون بها في أجواء الهند. ومن الأمثلة الكثيرة التي تبين رد فعلهم إذا ما يجدونه في الهند، ما كتبه مارك توين إثر زيارته للهند في نهاية القرن التاسع عشر حين قال “هذه هي الهند حقاً، أرض الأحلام والغرائب والثراء الفاحش والفقر المدقع، للجن والعمالقة ومصابيح علاء الدين، والنمور والأفيال، بلد المائة أمة والمائة لغة، والألف ديانة والمليوني إله، ومهد الجنس البشري، ومكان مولد اللغة البشرية، وأم التاريخ وجدة الأساطير وربة التقاليد”. استيقاظ الفيل من نهاية القرن التاسع عشر، ينتقل الكاتب مرة أخرى إلى نهاية القرن العشرين، حيث لفتت الإصلاحات الاقتصادية التي اتخذتها الهند في1991 وتفجيرها جهازاً نووياً في 1998 انتباه خبراء الاستراتيجية الجغرافية السياسية والمحللين الاقتصاديين في الغرب بصفة خاصة، وأثارت مجلة “اكونومست” صورة فيل مستيقظ يتحرك بتثاقل ويتقدم إلى مكانه في السوق، وكتب ستيفن ب. كوهين بحثاً موثقاً تساءل فيه عما إذا كانت الهند ستبرز كقوة كبيرة على الساحة الدولية أو ستبقى في طور القدم دائماً. ويضيف الكاتب “الهند تحتل مكانة مهمة جداً اليوم، ولها إمكانات هائلة في العقود القادمة، ولذلك فإنها لا تتحمل أن تبقى رهينة لبعض الأساطير القديمة التي قد لا تعطيها المكانة اللائقة التي تستحقها”. ويتطرق بحثه عبر هذا الكتاب إلى ثلاثة تطورات جديدة يحتمل أن يكون لها تأثير ملحوظ في حياة الهند خلال السنوات القادمة، وهي أولاً: نشأة القومية الهندية الجديدة، حيث كتب الكثير عن موضوع وحدة الهند الحضارية لأسباب ظاهرة، غير أن هذه الكتابات كانت إلى حد كبير محاولات لإبراز نواحي التواصل الثقافي لدى شعب تفصل ما بينه التنوعات التي لا يمكن اختراق مستوياتها الدقيقة، ولقد أسهم التاريخ والثقافة والتقاليد في تشكيل هوية يمكن تمييزها كهوية هندية وكانت مكتملة العناصر التي تتطلبها الروح المشتركة، لكن مجموع هذه الوحدة لم يرتق إلى تكوين الشخصية الهندية الشاملة، غير أن هذا الوضع تغير تدريجياً خلال العقود التي تلت الاستقلال في 1947، واتخذ هذا التغيير شكلاً مفاجئاً ومثيراً في السنوات الأخيرة. التعليم والتفوق ثانياً: بالنسبة للتطور الثاني، فيعنى بالضعف الملموس ولكن البطيء لنظام الطبقات الاجتماعية الذي كان يعتبر سابقاً غاية في القداسة، مازال الهنود مرهفي الشعور بالهرمية الطبقية، وتأثير الولاءات للطبقات الاجتماعية سائداً في المجتمع، لكن المضطهدين الخانعين في أسفل درجات السلم الاجتماعي بدأوا يشعرون بالتململ على نحو لم يحدث في الماضي، ولم يعد من الممكن قمع طموحاتهم للحصول على حصة أكبر من الثروة الوطنية أو تمويهها. العامل الثالث أو التطور الثالث هو ظهور الهند على خريطة العالم على النحو الملاحظ كقوة عالمية في تقنية المعلومات، قد يبدو ذلك تناقضاً ظاهرياً في بلد يضم أكبر عدد من الأميين في العالم، ولكن الحقيقة التي لا مراء فيها، أن التعليم لطالما كان هدفاً مهماً للنخبة الهندية، والبراهمة بصفة خاصة، كونه الوسيلة الناجعة لإدامة تفوقهم. ثم يستعرض فرما حقائق مهمة تثبت نجاح التجربة الهندية في مجال العلم وما أفرزته تلك التجربة من مواهب وقدرات هندية جعلت أكثر من 40 بالمائة من أكبر الشركات الصناعية الدولية الخمسمائة تقوم بإنجاز بعض عمليات المكاتب الخلفية في الهند. ويطرح الكاتب عدة تساؤلات، منها: هل سيدوم هذا المنحنى الصاعد؟ هل يمتاز الهنود بموهبة طبيعية في هذا المجال، كم سيشارك منهم في هذه الثورة أو يفيدون منها؟ وهل تتكرر التجربة الإبداعية للهنود أصحاب الملايين في وادي السيليكون بالولايات المتحدة؟ أو أن معظمهم سيظلون راضين بالقيام بدور العاملين في البرمجيات؟ وفوق هذا وذاك، كيف ستؤثر هذه النزعة في صورة الهنود لدى المجتمع الدولي؟ في قبرص، على سبيل المثال، تستقدم الخادمات المنزليات والخدم من سريلانكا والفلبين، ويأتي خبراء البرمجيات من الهند، فهل سيتغير الهنود استجابة للتوقعات الدولية؟ وما هي النواحي التي سيبقون فيها على حالهم؟ قدرة مذهلة يستطرد الكاتب “بالنظر إلى عديد من المؤشرات التي سبق الحديث عنها، لم يعد من مصالح أحد أن يتجاهل حقيقة الهنود أو أن يشوش عليها، وإلى أين يرجح أن تقاد الهند في القرن الحادي والعشرين، خاصة أن هنري كيسنجر قد تكهن قبل ستة أيام من نهاية الألفية الثانية، بأن القرن الذي نتحدث عنه سوف يشهد سيطرة ست قوى عظمى على الأقل وهي الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا واليابان والصين وربما الهند، فضلاً عن أن هناك ميزتين هنديتين تنفردان بهما عن كثير من الشعوب، أولاهما قدرة الهنود المذهلة على الاحتفاظ بالأمل”. ويضيف “من يعيش في أكثر أحياء الفقراء بؤساً في مومباي يظل يحتفي الأمل بأنه سينجح في تحقيق أحلامه كلها أو جلها في يوم من الأيام، وأن أطفاله سيعيشون عيشة الرغد والرخاء، ولم يكن ارتشاح المنافع الاقتصادية من أعلى، إلى أسفل كافياً، لكن ربما كان كافياً للحفاظ على ميل الهنود الفطري للتمسك بالأمل”. والميزة الأخرى، وفق فارما، هي المرونة التي اكتسبوها بتعرضهم المستمر للمحن، حتى أن الطبقة الوسطى تكافح للحصول على الاحتياجات الأساسية من الكهرباء والماء والنقل والرعايا الصحية، أما الفقراء، فإنهم بطبيعتهم يبقون على قيد الحياة مع فقدان جميع ذلك، وقد أدى هذا الصراع الذي لا هوادة فيه إلى نشأة القدرة على الابتكار وإرادة البقاء، مما يستحق أن يوصف بالظاهرة الرائعة. العمل خارج النظام لاحظ الرئيس جورج بوش عام 2003 أنه يرى الهند كإحدى الدول التي تقود العالم في مجال التكنولوجيا العالية، ربما كان مصيباً في تخمينه، فالهند تنتج أعداداً ضخمة من المؤهلين في التكنولوجيا الذين يوفرون خدمات متناسبة مع التكاليف، ويزداد عددهم يوماً بعد يوم، بينما انحطت شعبية الهندسة كمهنة في الغرب، صنفت مؤسسة برين بنش، الرائدة دولياً في قياس المهارات على الإنترنت، الهند في المقام الثاني من بين الدول العشر المتقدمة عالمياً في تركز المهنيين المؤهلين في تسع فئات، بما فيها تكنولوجيا المعلومات والمالية والمهارات الإدارية، ويبدو أن لدى الهنود موهبة خاصة في الرياضيات وعلوم الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات؛ لأنهم متدربون على الأسس بصفة شاملة، ورغم أنه ينقصهم الإبداع والابتكار عموما، فإنهم يمتازون بالمعرفة الوظيفية للغة الإنجليزية، ولكن تجربة وادي السيليكون قد أثبتت أنه لو أتيحت لهم فرص العمل في بيئة ملائمة، فإنهم يبدون قدرات الاختراع الاستثنائية، ويمتازون بقدرة مد الجسور بين عالمين متعارضين بخصائصهم المتفردة التي تتجلى في كونهم تقليديين إلى حد ما وعصريين بعض الشيء، والأهم من ذلك أن لديهم توقا شديدا إلى النجاح وتحقيق سعادة الحياة، ويجعلهم الطموح للتقدم في مجال الحياة متعودين على التركيز والجهد بصفة استثنائية، وقد هدتهم الموهبة وميزة التكيف إلى طرق معالجة المشاكل، وبينما يعمل الألمان أو اليابانيون بدقة وتركيز داخل إطار النظام، “يبدي الهنود استعداداً أكثر للعمل وراء حدود النظام أو خارجه بحثاً عن حلول مشكلة ما”. ثم يعود فرما ليشير إلى أن الظروف علمت الهنود أن لا يحتفلوا بإخفاق النظام ويمضوا قدماً في البحث عن الحلول بأي وسائل ممكنة، ورغم هذه المواهب يبدو أن المستقبل سيشهد العقبات التي تعترض سبيل الهنود؛ لأن بعض الجماعات والمنظمات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تمارس ضغوطها لمنع العقود الحكومية من الاستعانة بالمصادر الخارجية لحماية الوظائف المحلية، ولكن من اللامتوقع أن لا يدوم هذا الوضع مدة طويلة، لأن الهند تعرف أن اقتصاد الولايات المتحدة وبريطانيا وكذلك اقتصاد الدول المتطورة الأخرى سيربح أكثر من توظيف الخدمات الخارجية، وأن شركات هذه الدول نفسها ستقوم بالدفاع عن قضية الهند. إن معدل أجور الموظفين المحترفين في الهند لايزال يدور حول سدس مبلغ أجورهم في الولايات المتحدة، وقد أفاد تقرير مؤسسة برايس ووتر هاوس كوبرز أن تكاليف التشغيل التي تتحملها الشركات بتوظيف العمالة الهندية في الهند لاتزال أقل بنسبة 37 بالمئة مقارنة بتكاليف توظيف الصينيين، وسيحتاج الهنود مع رفع مستواهم إلى تحسين مقاييس الجودة وتسهيل انتشار تكنولوجيا المعلومات في البلاد، ولكن بالنظر إلى قدرتنا على العمل في الوضع المشوش وتحويل مواطن الضعف إلى قوة، يبدو أن المستقبل مشرق، إن الشركات الدولية للبرمجيات التي حازت على أعلى الشهادات لضبط مقاييس الجودة يبلغ عددها سبعين شركة فقط، من بينها ثمان وأربعين شركة هندية. ويؤكد على كلامه بالقول بأن شركة ديلويت الأميركية للاستشارات تنبأت بأن ثلاثة أرباع المؤسسات المالية الرئيسية والمصارف الاستثمارية ستخصص المهمات لدول العالم الثالث، وستكون الهند على رأس القائمة، ويتوقع أن تقوم المؤسسات المالية وحدها باستثمار ثلاثمائة وخمسين مليار دولار في الهند لمشاريع التعهد. وستلوح التكنولوجيا في الأفق الهندي بشكل أضخم من أي وقت مضى وسيغير ذلك بالتأكيد ولو بصفة بطيئة، طريقة نظر الهنود إلى أنفسهم وطريقة رؤية العالم إلى الهند كذلك. ولاء لفظي إن أولوية الغاية واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار للهنود، وهي التي تمكن أغلبية السياسيين من ترداد الولاء اللفظي الكاذب للمبادئ والأيديولوجيات التي لا ينوون اتباعها، ولا يسعنا إلا أن نعترف بروعة المحاولة التي يبذلها حوالي مليون من الهنود الممارسين للسياسة في الزخرفة الكلامية للمثالية، يتم إعداد البيانات الرسمية بعناية فائقة، وتتنافس الأحزاب السياسية في الإعراب عن أفكارها السامية، ويردد كل حزب اهتماماته أمام الشرائح الضعيفة والفقيرة من المجتمع، كما يصرح كافة الزعماء بتفوق المبادئ على السلطة، غير أن القاعدة المتبعة في الممارسة العملية هي استعمال سلطة المال صراحة وإثارة العصبيات الطائفية، وحساب المعادلات الطبقية، وتشكيل التحالفات المجردة من المبادئ، واللجوء إلى نوع من الشعوبية التي تصلح لاتخاذ إجراءات جنائية في أي نظام آخر ضد هذه الأحزاب والزعماء. المادية والروحية تتعايش المادية والروحانية معاً في الهند، وأظن أن ذلك يتحقق باتخاذ الطرق التي تعزز المادية بدون تقويض سيطرة الدين، إن المقاولين الهنود يمتازون بالتحصن الداخلي وباعتمادهم على الإيمان المبهم الذي يصعب فهم كنهه للأجانب، هم يستطيعون مقاومة الكوارث والمشاكل بسبب وجود تصورات معينة فريدة في معتقداتهم الدينية، إنهم يساندون شعور الأمل بالمستقبل في حالات المصيبة كذلك، ويعتقد التاجر الهندي أنه لا يستحيل أن تحدث معه كذلك قصة الرقي من القمامات والفقر إلى قمم الثروة والرخاء، ويقتنع أنه قد يلعب التدخل الإلهي دوراً في حياته.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©