الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«أبطال منسيون» يحكي قصص رجال في تاريخ الملاحة العربية

«أبطال منسيون» يحكي قصص رجال في تاريخ الملاحة العربية
25 مارس 2013 23:57
سلمان كاصد (أبوظبي) - يطالعنا للمرة الأولى مصطلح جديد تصدّر كتاباً جديداً صادراً عن هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في أبوظبي، وهو مصطلح «اعتنى به»، وهو جديد على مسامع القارئ العربي الذي تعود أن يقرأ «حققه» أو «ألفه» أو «جمعه»، غير أن «اعتنى به» يشير إلى ما بعد تأليف الكتاب، بوصفها عملية اهتمام عال بالمكتوب الذي سطره مؤلف يرفع اسمه على واجهة الكتاب. الكتاب الجديد هو «أبطال منسيون.. من ربابنة الملاحة البحرية العربية»، من تأليف بدر أحمد سالم الكسادي، وقد صدر عن دار الكتب الوطنية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، وقد اعتنى به محمد علوي باهارون. يضم «أبطال منسيون» في فصليه الأول والثاني حكايات أولئك الرجال الذين خاضوا البحر، هم شخصيات بارزة في الملاحة العربية، في محاولة لإلقاء الضوء على رجال من قرية «الحامي» في حضر موت اليمنية تحديداً التي تجاور مدينة الشحر، حيث حفلت برجال عرفوا الملاحة البحرية، وهنا يقول المؤلف «قد يبدو هذا العنوان غامضاً، لأن ميادين البطولات عديدة، ونحن نقصد هنا أبطال الملاحة البحرية، أولئك الأبطال الذين خاضوا غمار معارك بحرية، سواء أكانت معارك الطبيعة أم معارك الحرب، ولم يتنبه الناس إلى كامل آثارهم، ولم يلتفت أو يتعرف أحد إليهم وعلى نصيبهم من البطولات الملاحية البحرية التي يجب أن تكتب لها مكان في المكاتب العربية». واختار المؤلف هؤلاء الأبطال، وبالتحديد من أبناء قرية الحامي الذين بلغوا درجة في الملاحة البحرية العربية واليمنية لم يبلغها غيرهم، حيث أخضعوا البحار لأساطيلهم وساحوا بأنفسهم في المحيط الهندي والبحر الأحمر والبحر العربي وشرق أفريقيا وجزر الشرق الأقصى والملايو وجزر الهند الشرقية والفلبين. ويشير المؤلف إلى أن بعض هؤلاء البحارة من امتلك سفناً تصل إلى ست عشرة سفينة ولا تكاد تجد أجنبياً بينهم من غير أبناء قريتهم يعمل على سفنهم، ومن هؤلاء آل باشحري وآل باطايع وآل سبتي وآل باعباد وغيرهم. يمتد عهد هؤلاء إلى ما قبل القرن السادس الهجري وإلى أواخر القرن الحادي عشر وما بعده من أجيال لاحقة. يتطرق المؤلف إلى سيرة حياة وغنى أعمال الملاح العربي ابن جلفار “أحمد بن ماج”، شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد بن معلن بن أبي الركائب النجدي، الملقب بأسد البحر الهائج، ويعرف بسليل الأسود الذي يلقب نفسه بشاعر القبلتين. والذي ولد زهاء 826 هـ الموافق 1432م، في بلدة جلفار وهي رأس الخيمة اليوم، حيث عاش وبلغ مائة عام، وفي رواية أنه وجد قريباً من سنة 835 هـ. وصاغ ابن ماجد علوم البحار في أرجوزتة «حاوية الاختصار في أصول علم البحار»، وهي أرجوزة في ألف بيت صاغها من قواعد النحو واللغة، وذلك كي يسهل على البحارة حفظ هذه العلوم، وهو الذي قاد فاسكو دي جاما البرتغالي إلى الهند. هذا الاستشهاد بابن ماجد آثره المؤلف الكسادي كي يدلل على ما للعرب من باع طويل في ركوب البحار، حيث ظهر في الأمة العربية الكثيرون من الذين أتقنوا صفة البحار وقد وضعوا المؤلفات النفيسة من نثر وشعر، ومن هؤلاء محمد بن شاذان وسهيل بن أبان وليث بن كهلان وعبدالعزيز بن أحمد المغربي والحكم سليمان الجوهري الملاح الفلكي المعاصر لابن ماجد، وهو من أرض المهرة ساحل الجنوب اليمني ومن مواليد مدينة الشحر على الساحل الجنوبي لحضر موت، ومنهم عيسى بن عبدالوهاب القطامي الكويتي. وهؤلاء وأخص بهم البحارة الثلاثة الأوائل «بن شاذان وبن أبان وبن كهلان» هم الذين وصفهم ابن ماجد بشيء من التعظيم والإجلال، وعدّ نفسه رابعهم، وهم بحارة من زمن الدولة العباسية، بما يدلل على حسن معرفة هذا الجلفاري بأمور التاريخ، وجاء ذلك في كتابه «الفوائد». يتطرق الكساوي إلى قرية الحامي التي أنجبت الكثير من المشاهير، وقد قدّم البروفيسير الدكتور سرجنت الإنجليزي في عام 1965 وفي مؤتمر روما عن البحر والسفن الشراعية، بحثاً عن الشراعية الحضرمية، فنال إعجاب الجميع عندما عرض شرح منظومتي الملاح العربي الحضرمي سعيد سالم باطايع الذي أنجبته قرية الحامي. يتطرق الكتاب إلى منظومتي باطايع وما تحتويان، ويحكي أيضاً قصصه حين توجه من ميناء الحامي إلى البصرة، حيث مرت سبعة أيام وهم في البحر وقد طلب منه معرفة الجهة التي هم فيها، فرمى «البلد مسار القياس» إلى قاع البحر ليحضروا له شيئاً من رمال قاع البحر كي يشم الرمل كما هي عادته ليعرف من شمه الرمل أين تقف السفينة وأين تبحر. وللطرافة وضع البحارة رمالاً من قرية الحامي في البلد ليخدعوه، ولكن حالما شم الرمل الممزوج بماء البحر وبقي يكرر الشم للرمل الذي قدموه له، قال لهم بلهجة أهل الحامي «عور لماتكم عاد منها في الحامي» أي: لأمهاتكم العمى، هل نحن ما زلنا في قرية الحامي ولم نسافر منها. هؤلاء هم عباقرة البحر، كانوا بحارة، شعراء، قصاصين، أصحاب حكايات ماهرين، وفي قصة خرافية وقعت لعوض أحمد بن عروة من قرية الحامي، حيث لا يصدقها بعض القراء كونها معجزة اتصف بها هذا الملاح في معرفته للجهات، نتركها ليطلع عليها القارئ من الكتاب مصدراً لمعرفتها. تلك هي علوم البحار التي نجدها لدى أولئك الأبطال الذين ركبوا البحار في هذا الكتاب الذي يتعرض بالشعر والنثر إلى تاريخ مهم من إبداع ثقافتنا العربية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©