الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا.. جيل جديد من التهديدات

أميركا.. جيل جديد من التهديدات
25 مارس 2015 22:15
قبل بضعة أيام اتصل بي صديق معبراً عن رغبته في الدردشة قليلًا، فهو مصرفي معروف من ولاية «كونيكتيكات»، كما أنه أحد أعمدة المجتمع المحلي ورجل متبصر وذو رؤية، وكان يريد الحديث خصوصاً عن شؤون العالم الذي نعيشه، بل أيضاً الذي ورثناه عن آبائنا، وكذا الذي سنتركه وراءنا لأبنائنا، وقد كان جلياً أن اهتمام الرجل منصب بالذات على العالم الذي سيرثه أحفادنا من بعدنا. والحقيقة أن الرجل وعلى غرار عدد من الأميركيين، والأوروبيين، الذين التقيت بهم مؤخراً، كان منشغلاً انشغالاً كبيراً بشأن أوضاع عالمنا المعاصر الذي ما عاد من السهولة التنبؤ بمآله، ولا أيضاً النأي بأنفسنا عن عنفه المستشرى والمتفاقم. وبالطبع كان الرجل يعرف أن أميركا بما تحتله من مكانة أولى في العالم ظلت على رأسها منذ عام 1945، أي عقب الحرب العالية الثانية، لا بد أنها موضع انتقاد وغيرة، وربما أيضاً محط استهداف مباشر، فأن تكون في مرتبة الصدارة عالمياً يحمل في طياته كلفة قد تضطر أميركا لدفعها. كراهية أميركا ومع أنه يصعب في الغالب على شباب هذا البلد التعامل مع فكرة كراهية أميركا من قبل خصومها، إلا أنها تظل فكرة منتشرة على نطاق واسع في العالم، كما أن من الحقائق الثابتة سعي حكومات دول عدة في العالم لإحباط السياسة الخارجية الأميركية والتصدي لها في عدد من المواقع والبؤر مع ما يصاحب ذلك من رغبة في تقزيم مكانة أميركا الدولية والحلول مكانها، ولأن أميركا اعتادت مشاكسات الخصوم ومساعي النيل منها، انحرف حديثنا في جانب منه إلى الدعابة، لأننا نعرف أيضاً أن هناك تحديات أخرى أكثر خطورة، لا تأتي من الدول والحكومات. وبهذا المنطق يبدو مفهوماً التحدي الذي يلقيه في وجهنا مثلاً فلاديمير بوتين، والسياسات التي يسعى من خلالها إلى مواجهة أميركا، فهو في جميع الأحوال الحاكم الأوحد لدولة روسيا الذي اختار ،بعدما لم يستطع الالتحاق بركب النظام الليبرالي الدولي والانخراط فيه على شاكلة بولندا وسلوفينيا وآخرين، الانكفاء إلى عالمه الخاص القائم على تأجيج القومية الروسية، والركون إلى أسلوب العصابات، فضلاً عن ضم أراضي جيرانه، فيما لسانه لا يكف عن اللهج بالشكوى من مؤمرات غربية تحدق به. والواقع أن العديد من تصرفات بوتين، مثل التجاوزات التي تشوب الانتخابات وحشد تصفيقات الجماهير التي تُساق إلى مناسباته العامة، فضلاً عن لباسه الغريب أحياناً، تذكرنا ببعض الحكام، الذين ظهروا على الساحة في مرحلة ما بين الحربين العالميتين. وقد ينسى البعض في حمأة السياسة الروسية المناوئة للغرب أن بوتين يظل رئيس أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، وتملك ترسانة كبيرة من الأسلحة النووية، ولها قوة جوية لا تتردد في استخدامها لاستفزاز جيرانها، فضلاً عن جلوسها إلى طاولة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، واستعدادها الدائم لدعم الحكومات المشاغبة حول العالم مثل فنزويلا، واليمن وروسيا ما دام ذلك يعاكس المصالح الأميركية ويقف في وجهها. التحدي الروسي لكن بوتين، وإن كان يتصرف مثل موسوليني هذا الزمان، إلا أنه يتحرك ضمن نظام الدول المعروف، لذا نتعامل معه، وإن على مضض، ضمن الأطر الراسخة سواء من خلال القنوات الدبلوماسية، أو اللقاءات في العواصم المحايدة، أو النقاشات التي تجمعنا أحياناً حول مشكلة كوريا الشمالية. وحتى لو كان الغرب قد أفرط في صبره إزاء تصرفات الكرملين في الوقت الراهن، إلا أن لديه ما يكفي من الوسائل للتعامل معه ليس فقط من خلال بعض الأساليب العسكرية، مثل تحسين المعدات الدفاعية للجيش الأوكراني، وإنما أيضاً عبر طرق مدروسة للضغط على الاقتصاد الروسي، وهو الضغط الذي يتعدى الطبقة الضيقة من رجال الاقتصاد إلى الشعب الروسي نفسه، الذي خرجت شرائح منه إلى الشارع ترفع التحدي في وجه الغرب، زاعمة أنها تستطيع تحمل العقوبات وبذل التضحيات في سبيل ذلك، وربما نلجأ إلى ما هو أكثر مثل إجراء مناورات بحرية في البحر الأسود، وتكثيف العروض الجوية في ليتوانيا، ولِمَ لا؟ إغلاق إمكانية استخدام الروس لأنظمة تحويل الأموال عبر العالم الذي، وإنْ كان إجراء قاسياً، إلا أنه لا يخرج عن نظام التعامل بين الدول، فنحن نستطيع القيام بكل ذلك لو توافرت الإرادة. قوة الصين الصاعدة بيد أن روسيا تحت حكم بوتين لم تكن الوحيدة التي انصب عليها حديثي مع صديقي المصرفي المنشغل بمستقبل الوضع العالمي، بل امتد أيضاً إلى طريقة التعامل مع التهديد الأمني للنظام الأميركي الذي تطرحه الصين بقيادة «تشي جيبينج»، لا سيما وأنها قوة صاعدة ما فتئت تحث الخطى نحو الصدارة، وهي رغم ذلك لا تخرج في سياساتها عما قامت به من قبل قوى أخرى كانت، في طور الصعود من قبيل التحرش بجيرانها، والدفع بأسطولها البحري نحو البحار القريبة، وأيضاً القيام بدبلوماسية منفتلة، وقمع المعارضة الداخلية، مستغلة مميزاتها الاقتصادية ومتجاهلة أي اعتبار لحقوق الإنسان وموجباته. لكن إذا كانت الصين وتصرفاتها قد باتت محط انتقادات وشكوى من الدبلوماسيين، الذين يتعاملون معها سواء في آسيا المجاورة، أو الغرب البعيد، إلا أن الأمر لم يختلف كثيراً عن الصين في عهد «ماوتسي تونج»، التي كانت أيضاً تناوئ الغرب على نحو صريح وتسبب له شتى صنوف المشكلات، بمعنى آخر أنه إذا كانت الصين تشكل تحدياً أمنياً حقيقياً للمصالح الأميركية، إلا أنها ليست من نوع التحديات القصوى، أو التي لم نشهدها في السابق ولا يمكن أن نتعامل معها من قبل. والأكثر من ذلك أنه عندما تتصرف الحكومة الصينية على نحو انفرادي مثل إقامتها قاعدة جوية في إحدى الجزر الصغيرة المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، فإنها تثير احتجاجات، وأحياناً ردوداً معاكسة، من الحكومات الإقليمية التي لديها مصلحة هناك، بحيث يتجه العديد منهم إلى واشنطن للحصول على الدعم الدبلوماسي لمواقفهم. اضطرابات شرق آسيا ولا ننسى أن القانون والنظام الدوليين، يؤكد بكل اطمئنان المواقف الأميركية في شرق آسيا، ولئن كانت الصين، مهتمة بتغير الوضع القائم في منطقتها فإن هناك من نفس الإقليم من سيعارض ذلك، ويستميت في الدفاع عنه، أما إذا لجأت الصين إلى تطوير قواتها البحرية كمؤشر على هيمنتها الإقليمية، فالأمر نفسه قد يغري دولاً أخرى، وحتى لو كان من الضروري انشغال أميركا بقوة بكين، وما تقوم به من استعراض للعضلات، إلا أن في النهاية يظل تحدياً مقدوراً عليه، ويمكن التعامل معه واحتواؤه، هذا ناهيك عن احتمال تعثر روسيا والصين من تلقاء نفسيهما، ذلك أن المشكلة الحقيقية التي يتخوف منها المراقبون هي تحول الصين وروسيا إلى دول ضعيفة، فروسيا قد لا تكون بعيدة عن الإفلاس الاقتصادي، فيما الصين ليست في منأى عن الاضطرابات الاجتماعية، فماذا لو شهدنا في وقت أقرب مما يُتصور نشوب اضطرابات داخلية في البلدين، أو تتفاقم إلى حد حدوث محاولات انقلابية فاشلة، أو تفكك إقليمي؟ وإذا كان مثل هذا السيناريو يبدو مستبعداً فما علينا سوى النظر كيف اختفى سريعاً عدد من النظم السلطوية في العالم سواء نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا، أو إسبانيا في عهد فرانكو، تماماً مثلما تلاشى حلف وارسو بين 1989 و1991. والحاصل أن هذه المخاوف الأخيرة هي ما كان يشغل بال الصديق الذي طلب الحديث إلى حول الشؤون الدولية وليس سياسات بوتين العدائية في جواره الأوروبي. عالم أكثر خطورة ولعل ما كان يسعى إليه من محاورته لي كخبير في القضايا الدولية هو الحصول على اطمئنان لم يكن في مقدوري تقديمه، لأني أعتقد أنا أيضاً بأن عالمنا اليوم أضحى أكثر خطورة وقسوة مما كان عليه قبل 25 أو 40 سنة، لا سيما وأننا لم نعرف بعد طريقة التعامل مع جيل جديد من الأخطار والتهديدات التي تمثلها الجماعات الإرهابية المستعدة للانتحار والانخراط في عنف أهوج لضرب الغرب ومصالحه، ليبقى الأسلوب الوحيد في التعاطي مع أمثال «داعش» وأخواتها هي بتدمير خلاياها النائمة في الغرب قبل استيقاظها، وكذا بملاحقتها في مهدها أينما كانت وتدميرها سواء في الشرق الأوسط، حيت تنتعش وتنشط، أو في جنوب روسيا، أو مناطق أخرى في الصين، أو غيرها، وفي جميع الأحوال ورغم الانتكاسات أحياناً لا بد من الانتصار في المعركة الطويلة ضد الإرهاب التي انطلقت في 11 سبتمبر 2001، وستستمر حتى 2021، وربما 2031. روسيا قد لا تكون بعيدة عن الإفلاس الاقتصادي، فيما الصين ليست في منأى عن الاضطرابات الاجتماعية، فماذا لو شهدنا في وقت أقرب مما يُتصور نشوب اضطرابات داخلية في البلدين، ربما ينسى البعض في حمأة السياسة الروسية المناوئة للغرب أن بوتين يظل رئيس دولة هي الأكبر في العالم من حيث المساحة وتتملك ترسانة كبيرة من الأسلحة النووية من الحقائق الثابتة سعي حكومات دول عدة في العالم لإحباط السياسة الخارجية الأميركية والتصدي لها في عدد من المواقع مع ما يصاحب ذلك من رغبة في تقزيم مكانة أميركا الدولية هل يصل الإرهاب إلى المدن الأميركية إذا كان العديد في دائرة القرار الأميركي لا يطيقون بوتين، إلا أني شخصياً أفهم تصرفاتهم وأعتقد جازماً أن ممن الممكن جداً التعامل معها، والأمر نفسه ينطبق على الصين تحت قيادة «تشي جيبينج»، التي نستطيع احتواء أخطارها والتصدي لتمددهما. لكن ماذا عن الفاعلين، خارج نطاق الدولة، والإرهابيين، الذين تحركهم تفسيراتهم المتشددة للدين، والجهاديين الدوليين المتعطشين للدم، الذين بعد أن يكتفوا من قتل المسلمين، وزعزعة استقرار الأنظمة الإقليمية، التي يرونها عميلة للغرب سيديرون وجههم إلى أوروبا والغرب عموماً من خلال خلاياهم النائمة وشبكاتهم السرية؟ في هذه الحالة إلى متى يمكن الحديث عن سلامة رجال أعمالنا وطلبتنا والسياح والصحفيين، بل حتى أفراد القوات المسلحة؟ وإذا كانت الهجمات الإرهابية ضربت كلا من باريس ولندن، ألا يمكنها الوصول إلى المدن الأميركية؟ والحاصل أن هذه المخاوف الأخيرة هي ما كان يشغل بال الصديق الذي طلب الحديث إلي حول الشؤون الدولية وليس سياسات بوتين العدائية في جواره الأوروبي. بول كينيدي* *أستاذ التاريخ ومدير الدراسات الأمنية بجامعة «يل» الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©