الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفساد مفهوماً ومعايير

15 سبتمبر 2009 00:17
إن الفساد بآلياته وآثاره يولد مضاعفات تؤثر في نسيج المجتمعات ومكوناتها وسلوكيات الأفراد وطرق أداء الاقتصاد، وأخطر من كل ذلك إعادة صياغة نظام القيم. وقد وضع البنك الدولي تعريفاً للنشاط الذي يندرج تحت تعريف الفساد بما يلي: «الفساد هو إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص، فالفساد يحدث عادة عندما يقوم موظف بقبول رشوة، أو طلبها، أو ابتزازها، لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة عامة. كما يتم عندما يقوم وكلاء أو وسطاء بتقديم رشاوى للاستفادة من سياسات أو إجراءات عامة للتغلب على منافسين، وتحقيق أرباح خارج إطار القوانين المرعية. كما يمكن أن يحدث عن طريق استغلال الوظيفة العامة دون اللجوء إلى الرشوة وذلك بتعيين الأقارب أو سرقة أموال الدولة مباشرة». وهذا الفساد لضيق نطاقه يمكن تسميته بـ «الفساد الصغير» وهو يختلف عن «الفساد الكبير» المرتبط بالصفقات الكبرى في عالم الأعمال والحصول على التوكيلات التجارية للشركات الدولية الكبرى المتعددة الجنسية. ويظهر مثل هذا الفساد عادة على المستويين السياسي والبيروقراطي، ويرتبط الفساد السياسي بالفساد المالي حين تتحول الوظائف البيروقراطية العليا إلى أدوات للإثراء الشخصي المتصاعد. يذكر أن اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الفساد التي تبنتها الجمعية العامة، وتم التوقيع عليها في المكسيك في ديسمبر 2003، عرّفت الفساد بأنه «أعمال جرمية تعبر عن سلوك فاسد»، وتركت الاتفاقية للدول الأعضاء إمكانية معالجة أشكال الفساد المختلفة. وفيما يتعلق بمحاربة الفساد عبر الحدود لابد من التنويه بمبادرة الرئيس الأميركي الأسبق «جيمي كارتر» عام 1977 في تبني الولايات المتحدة للقانون المتعلق بتجريم ممارسة الفساد خارج حدود الدولة، والذي يعاقب بموجبة كل فرد أو شركة أميركية تقوم برشوة مسؤول رسمي خارج الولايات المتحدة. والحال أن الاهتمام العالمي بالنتائج السلبية للفساد أخذ منحى جدياً بعد أن أصدرت الدول الصناعية الممثلة في المنظمة الاقتصادية للتعاون والتنمية (OECD) في عام 1994 توصيات بأن يتخذ أعضاء المنظمة إجراءات ملزمة بهدف القضاء على رشوة المسؤولين خارج حدود الدولة المعينة في كل ما يتعلق بالمعاملات التجارية في الإطار الدولي. ثم تطورت هذه التوصيات إلى أن انتهت في عام 1997 بأن تبنى مجلس وزراء الدول الصناعية اتفاقية محاربة رشوة موظفي القطاع العام الأجانب، فيما يتعلق بالمعاملات التجارية في المجال الدولي والتي أصبحت سارية المفعول في فبراير من عام 1999. وفي اجتماعهم في مالطا عام 1994، اعتبر وزراء العدل الأوروبيون أن الفساد يشكّل خطراً جدياً على الديمقراطية وحكم القانون وحقوق الإنسان، وإثر ذلك عين مجلس الوزراء الأوروبي لجنة أسندت إليها مهمة اقتراح إجراءات ملائمة تكون جزءاً من برنامج عمل على الصعيد الدولي لمحاربة الفساد. وقد وضعت اللجنة توصيات مهمة أصبحت فيما بعد جزءاً من اتفاقية القانون الجنائي التي بدأ التوقيع عليها في ديسمبر 1998 وتتضمن تعريفاً للفساد ينطبق على حزمة واسعة من الأعمال المجرمة بما فيها الرشوة بشكل مباشر أو غير مباشر، وشراء نفوذ صانعي القرار الرسميين، وكذلك تبييض المال، ولا تقتصر الاتفاقية في تناولها للفساد على السلطات العامة بل تتعداها إلى بعض مجالات القطاع الخاص والمسؤولين الكبار في المنظمات الدولية وحتى القضاة والمسؤولين في المحاكم الدولية. ويستدعي حجم مشكلة الفساد دراسة الأسباب والآليات، ولكن توجد مع ذلك محاور أو هوامش للحركة تساعد على تطويق الظاهرة والقضاء على تداعياتها السلبية. وتتمثل هذه المحاور أو الهوامش كالآتي: محور توسيع رقعة الديمقراطية والمساءلة، ومحور الإصلاح الإداري والمالي، ومحور إصلاح هيكل الأجور والرواتب. إن مجتمعنا العراقي لهو بأشد الحاجة في هذه اللحظة العصيبة من تأريخه إلى مطاردة وتصفية الفساد والانحرافات والانتهاز في كل منحى من مناحي حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى تعود إلى الناس الثقة والإيمان بجدوى النزاهة والشرف والجد في العمل وإعلاء شأن الوطن والصالح العام. أحمد ناصر الفيلي كاتب وصحفي عراقي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©