الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكتابة

23 مايو 2010 20:58
بمسمار مدبب، على لوح طين رطب نقش الإنسان خطوطه المسمارية الأولى، كتابة بلا حروف مفهومة ترسمها صور متراصة تعبر عن نفسها، قبل الميلاد بثلاثة آلاف عام، قبل الأبجدية بألف وخمسمائة سنة، قبل أن يظهر القلم، ظهرت الكتابة. منذ ذاك التاريخ السحيق، أراد الإنسان التعبير عن أفكاره، أراد أن يسجل علومه، أن يكتب أفراحه وأحزانه، ضاق الشعراء بنسيان القصائد، وماتت آلاف القصص حين نسيت مطالعها وتغيرت نهاياتها. منذ ذاك الوقت، والكلمات تتراص في عقول هواة القلم، تكبر أحياناً لتصبح أشعاراً جميلة، تصغر أحياناً لتكون حكما بلغية، وما بين الاثنين انهزامات وانتصارات، أفراح وأتراح قلوب تنبض وعقول تفكر، وما بين كل شيء كانت الكتابة سيدة المكان. في “أوغاريت” الحضارة السورية القديمة ظهرت الأبجدية الأولى، ثلاثون حرفاً مرسوماً تعبّر عن الكلام، ثلاثون حرفاً كانت نقلة في الحضارة الإنسانية، ثلاثون حرفاً من لغة كانت أم العربية ومازالت بعض كلماتها تتناقل لليوم مثل “حلم، قرار، مودة، و سلام”. كلمات أوغاريتية عربية تشكل أنفاس كلماتي هنا، تفتح باباً جديداً لحروفي التي اشتقت نقشها على عمودي الورقي هذا. لم أقل قلماً مع أني أرتبط بالقلم أكثر، إنها “كيبورديات” خاصة، تصطف على الشاشة قبل الورق، فمنذ القرن الخامس عشر، حين اخترع يوهان جوتنبرغ الطباعة تطورت عجلة العلم والحياة، حتى غاب القلم عن الكتابة وأصبح “الكي بورد” وسيلة لخط ما نريد دون حبر على ورق ليس بالورق. أحياناً تزدحم العبارات في رأسي، أحياناً تلتمع الأفكار مضيئة في عقلي (ليس عبثاً أن يرسم الفكر “لمبة” بريشة رسامو الكاريكاتير) أجد حواراً يفتح أفقاً، وأسمع كلمة تكتب قصة، هي الحياة تكتبنا ونكتبها، بأحرف ملتهبة أحياناً وحنونة أحياناً أخرى، هي الفكرة ترسم ما نريد، فقط يجب أن لا تكون “مبهمة” فقط يجب أن يفهمها الجميع، الأفكار سيدة الكتابة، والكتابة تدوين الحياة. في نصف كوب من “حلم، قرار، مودة، وسلام” ستكون أفكاري، نظرة نصف مملوء ونصف فارغ، نصف باحث عن الكمال ونصف مقتنع بالحال، هنا ستكون أشياء تخصكم، تعرفكم وتهمكم، صباحات ثلاثة كل أسبوع أرافق فيها فنجان قهوتكم الأولى، جرعة أتمنى أن تكون مبهجة كالصباح الجميل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©