الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«خواص العقاقير».. كتاب يوناني وصور عربية

«خواص العقاقير».. كتاب يوناني وصور عربية
16 سبتمبر 2009 01:42
يعود الفضل إلى العرب في حفظ التراث العلمي للإغريق، ومعظم ما وصل إلينا من مؤلفاتهم العلمية والفلسفية من الترجمات العربية، وترجم المسلمون أهم المصنفات ذات الصبغة العلمية والأدبية التي أنتجتها الحضارات السابقة في اطار خطة منهجية شجع عليها الخليفة العباسي المأمون في مطلع القرن الثالث الهجري «التاسع الميلادي» حتى ان هذا الخليفة كان يزن الكتب المترجمة بالذهب تقديرا لعمل المترجمين وتشجيعا لهم• قصة الترجمة من بواكير الكتب اليونانية التي ترجمت إلى العربية في عدة مخطوطات مصورة كتاب «خواص العقاقير» لديسقوريدس وهو طبيب وفيزيائي وعشاب يوناني عاش في القرن الميلادي الأول وولد في بلدة عين زربة قرب طرسوس السورية• ولدينا مخطوطات متعددة لترجمتين عربيتين لهذا الكتاب الذي يعد من أهم كتب الصيدلة التقليدية، إحداهما مشرقية عراقية والثانية مغربية أندلسية• ولترجمة هذا الكتاب من اليونانية إلى العربية قصة تاريخية طويلة، فحسب المصادر العربية وبالتحديد كتاب طبقات الحكماء والأطباء فإن هذا الكتاب ترجم أولا ببغداد في عهد الخليفة المتوكل العباسي وكان المترجم له اصطفان بن بسيل ولم يستوف المترجم الأسماء العربية للعقاقير كلها لعدم معرفته بما يقابل اليونانية فيها وفي وقت لاحق اطلع حنين بن اسحق وهو من السريان على تلك الترجمة وأصلحها ولم يترجم الى العربية سوى جزء من أسماء الادوية في حين ظلت اسماء باقي العقاقير على صورتها اليونانية بحروف عربية• الترجمة الكاملة تعود الترجمة الاندلسية إلى واقعة ارسال الإمبراطور البيزنطي قسطنطين السابع نسخة فخمة من الكتاب الى الخليفة الاموي عبدالرحمن الناصر في قرطبة خلال النصف الاول من القرن الرابع الهجري «10م» وكان ورود هذه النسخة حافزا على انجاز ترجمة عربية كاملة لكتاب خواص العقاقير حيث امكن بواسطة التصاوير الواردة بهذا المخطوط للنباتات والاعشاب ترجمة المزيد من اسماء العقاقير التي تضمنها الكتاب اليوناني• وكان من المنطقي ان تتأثر المخطوطات العربية الاولى لترجمة كتاب ديسقوريدس بالنمط الذي كان سائدا في تصاوير المخطوطات البيزنطية اذ كان المصورون البيزنطيون قد اضافوا الى الرسوم الاعتيادية للاعشاب الطبية صورا بشرية بهدف الاشارة الى مرض يكون لذلك النبات مفعول خاص ضده أو لتبيان كيفية جمعه بأحسن وسيلة وتحضير الدواء منه• وظهرت هذه الصور التوضيحية لأول مرة في نسخة عربية من كتاب خواص العقاقير مؤرخة بعام 476هـ «1083م» وقد اعتمدت نسخها على نسخة مؤرخة بعام 380هـ «990م» وهي ضمن مقتنيات مكتبة جامعة ليدن بهولندا. وفي هذه المخطوطات العربية المبكرة كان الطابع البيزنطي غالبا اذ كانت الرسوم الآدمية تتسم بالركاكة والبدائية فضلا عن صغر حجمها قياسا الى النباتات المصورة معها. ولكن المخطوط العربي من هذا الكتاب والذي تحتفظ به مكتبة ايا صوفيا باستانبول يفصح عن اسلوب عربي اكثر نضجا وتطورا اذ تم نسخه في عام 621هـ «1224م». وبينما بعض التصاوير وثيق الصلة بالأصول البيزنطية نجد في البعض الآخر منها مناظر واقعية حقيقية حسنة التوازن• وينطبق ذلك بصفة خاصة على الكثير من الرسوم التي توضح كيفية تحضير ادوية، وبالاضافة الى ما سبق فهناك مناظر مثل معالجة المرضى واجتماع الاطباء من المحتمل انها اعتمدت على اصول بيزنطية وان تمتعت بقدر كبير من الواقعية والحيوية. والمجموعة الثالثة من تصاوير نسخة آيا صوفيا عربية خالصة من أمثال المناظر البرية التي ينمو فيها نبات معين وهو ما نرى مثالا جيدا له في تلك الصورة التي تجسد شجرة الاتراجوالس في وسط منظر صيد به غزال يعدو مسرعا الى يسار الصورة فرارا من كلب صيد• وهناك ايضا مناظر ذات طابع اجتماعي حضري مثل وزن دواء في صيدلية تقع في سوق وهي مجهزة بالادوية بطريقة مرتبة حيث رصت الاواني في أرفف متوازية ومنتظمة• متاحف العالم جمال هذا المخطوط ودقة رسومه البديعة كانا من بين دوافع الاهتمام الاوروبي به وهو ما ترجم في صورة عمل اجرامي عندما تم قبل عام 1910م اقتطاع وانتزاع حوالي احدى وثلاثين ورقة من المخطوطة المحفوظة بمكتبة ايا صوفيا، وبيعت هذه الاوراق المصورة لمتاحف عامة ولاصحاب مجموعات خاصة حول العالم. ومن الصور المنتزعة من هذا المخطوط واحدة بمتحف المتروبوليتان للفن بنيويورك، وهي تمثل صيدلية وفي الطابق الاسفل منها نرى صيدلانيا يحضر دواء بالعسل، ويراقبه شاب جالس وقد استعمل القسم الاكبر من القاعة كمخزن جرار كبير يجري فحص احداها من أحد الحاضرين اما الشخص الذي في جهة اليسار فيدل وضعه على انه هو الطبيب والعقل المدبر للصيدلية كلها. وعلى الرغم من الملاحظة الدقيقة لتفاصيل السلوك البشري والاهتمام الواضح بتوزيع الاشكال فإن الصورة تخلو من التجسيم لشخوصها والتسطيح وملامح الاشخاص المرسومين فيها وتنظيم إطار الصورة يذكرنا بتوزيع الاشخاص في مشاهد خيال الظل. والنموذج الذي استمدت منه صورة الصيدلية مأخوذ على الارجح من صورة حانة شراب وجدناها دوما في تصاوير مخطوطات من كتاب مقامات الحريري. وفي متحف فرير جاليري للفنون بواشنطن ورقتان انتزعتا من مخطوطة ايا صوفيا في واحدة منها يقوم طبيب بعلاج رجل لدغه ثعبان وجلس الطبيب على مقعد له مسند وامامه كتاب مفتوح وهو يشير بضمادة في يده الى الشخص الملدوغ الذي يجلس امامه على مقعد صغير وقد امسك بقدمه المصابة• وفي الصورة الثانية وصف لكيفية إعداد دواء يدخل العسل والمر والزعفران في تركيبته من أجل علاج عدة أمراض كالإسهال والصداع وآلام المعدة والانامل وبوسط هذه الصورة رسمت شجرة النبات الطبي وإلى جانبها الطبيب وهو يصف الدواء لمصاب قصد علاجه بينما نجد في الطرف الآخر من الشجرة رجلا يعد الدواء في قدر ويجري تسخينه.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©