الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حروب رمضانية رخيصة

حروب رمضانية رخيصة
16 سبتمبر 2009 01:45
لأسباب تحتاج إلى علماء نفس واجتماع، وغيرهم لدراستها، تكثر عندنا -في الأردن- المشاجرات والمناوشات بين العشائر والقرى في الشهر الفضيل، وهي (حكمة أردنية لا أفهمها كثيراً)... لكني اكتشفت أن لها فوائد جمة، وأن فوائدها تعم المجتمع بأكمله. المشاجرات تعلمنا الجغرافيا، تهجئنا حروف الوطن حرفاً حرفاً، نزفاً نزفاً، وجعاً وجعاً. نتعلم أسماء القرى والوهاد والبوادي، ببساطة وسهولة وسلاسة وبدون تدخل الوسطاء. لم نعد بحاجة إلى عمر العبدلات حتى نتعلم أسماء المناطق في وطننا الصغير الكبير. في السابق، كان العالم يتعلم الجغرافيا من الحروب الكبرى التي يموت فيها الملايين، عن طريق الأخبار الصحفية ووسائل الإعلام المتنوعة التي تصف المعارك وأمكنتها وأسماء المناطق النائية، ومواقعها على الخريطة العالمية، مع خطوط الطول والعرض والارتفاع وتضاريسها وطقسها ومناخها، وخلافه...! لكننا نحن الأرادنة -ما غيرنا- ابتكرنا أسلوباً أرخص بكثير، وأقل تكلفة بملايين المرات من حرب... أسلوب نتعلم فيه الجغرافيا بدون حروب، وربما نسجل براءة اختراع باسمنا جميعاً في هذا الموضوع، وربما نترشح -على الأقل- لجائزة نوبل للسلام، وربما نحصل عليها، (شامير مش أحسن منا)، بالتأكيد. وسيلتنا في تعلم جغرافيا الوطن أقتصادية وصديقة للبيئة، وغير مكلفة، وقد تكون مجرد «فشخة» في رأس طفل صغير في البداية، ثم تتطور إلى حرب «شواعيب» ومقصات وحجارة، وقد يتم إطلاق النار عشوائياً في الهواء.. وقد يموت أحدهم، ويجرح عدد لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة.. ثمَّ يتدخل أهل الخير والواسطات وتبدأ التخجيلات والتبجيلات، ثم تشرب القهوة، وتفرد «الصلحات» العشائرية على أربعة أعمدة في الصحف المناوبة، يتدسم الناس، وما تفرقة المشاجرات تجمعه المناسف، باللحم البلدي والجميد الكركي والرز المصري... وينتهي كل شيء.... وتصفى القلوب. لكن تبقى في ذاكرتنا أسماء القرية أو القرى التي حصلت فيها المشاجرة، ونتعلم جغرافيتها، وأسماء عشائرها وأصولهم وفصولهم، منذ انهيار سد مأرب حتى قيام الساعة والبنية الاجتماعية والتاريخية لسكان المنطقة بشكل عام، إضافة إلى عدد أفراد كل عشيرة من الراجلين والمسلحين والمدججين. ألم أقل لكم إنَّ المشاجرات تعلم الجغرافيا، في وقت اختفت فيها الحروب في منطقتنا، أو بالأحرى تحولت إلى حروب صاعقة، لا تكاد تشتعل حتى تنته دون أن نتعلم منها شيئاً يذكر لا في الجغرافيا، ولا في الديموغرافيا، ولا في ... في: حرف جر مبني على السكون، لا محل له من الإعراب. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©