الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثلاجة أمي المجنزرة

ثلاجة أمي المجنزرة
23 مايو 2010 21:09
لأن بيتنا هو في الأساس بيت الضيوف، مع احتفاظ أبي بملكيته أمام دائرة الأراضي والأملاك، والسماح لنا بالإقامة فيه بهدف الاستفادة من خدماتنا، فقد أصبحت ثلاجة الفواكه والحلويات تحت سيطرة أمي المباشرة، تاركةً بقية الثلاجات تحت تصرفنا، كثلاجة اللحوم والأسماك والخضراوات والأعشاب. استحوذت ثلاجة الفواكه على اهتمام أمي؛ لأنها إن تركتها بلا ضبط ولا حساب، فإننا سنأتي على كل ما فيها في يوم واحد، ولن يجد الضيف المسكين ما يسدّ به رمقه. وهي في الوقت نفسه لا تستطيع الذهاب إلى السوق كل يوم للتبضّع، وقد يهبط علينا ضيف في أي لحظة، وينبغي أن يكون البيت مهيئاً لاستقبال الأعزاء بكل ما يخطر على قلوبهم. في بادئ الأمر، كانت أمي تحذرنا من الاقتراب من تلك الثلاجة إلا بالمعروف، برتقالة في اليوم، مع موزة واحدة، مع تفاحة، مع عصير واحد. ويفضل عدم الاقتراب من الفواكه الموسمية كالمانجا والكرز والخوخ والدرّاق، مع نهي عام عن الاقتراب من الحلويات. كان الجميع ملتزماً بذلك التحذير، لكنني كنت أفعل العكس تماماً، فلا يهمني من أمر الثلاجة سوى المانجا والكرز والكعك والحلويات، لأنني في الأساس لم أكن مقتنعاً بإجراءات أمي، فكثيراً ما بقيت كراتين الفواكه اللذيذة في الثلاجة ولم يحضر ضيف أو حتى لص، وكثيراً ما كانت الكراتين تعرض أمامنا قبل تعرض الفواكه للتلف. كانت أمي تصفنا بأننا عديمي الرحمة لا نخاف أمام ثلاجتها لومة لائم، وكانت الأنظار دائماً تتجه نحوي، لأنني كنت معروفاً بأنني أستولي على كل ما أجده في طريقي وفي طريق غيري وأدراجه وحصّالة نقوده. كان اعتقادهم صحيحاً نوعاً ما، لكنهم كانوا غافلين عن أخي الذي يكبرني بأقل من سنتين. فقد كان نسخة رديئة مني، أو يمكن القول إنني متطوّر عنه وفقاً لنظرية النشوء والارتقاء. فهو مثلاً ينسل إلى المطبخ ويخطف حبة مانجا واحدة، وأنا أنسل وأخطف ثلاث حبات. ثم أكرر الانسلال مرة أخرى، وأظل هكذا أنسل المرة تلو الأخرى، لدرجة أن فترات مكوثي في المطبخ تصبح أكثر من فترات وجودي خارجه. كنت أتحمل أوزار أخي هذا متقبلاً برحابة صدر اتهامي بأمور هو الذي فعلها، لأنني لم أكن أجرؤ على كشف أمره، لأنه كان سيرد الصاع صاعين وسيدلي بشهادة كاملة ضدي، فهو الوحيد الذي كان يعرف تقريباً كل ما أفعله. في أحد الأيام، كدت أطير من الفرحة، فقد ضُبط أخي متلبساً بالجرم المشهود، وكان إنكاره لا يصدق أبداً. فقد انسل هذا اللص إلى المطبخ، وفي غياب حسّ المسؤولية وبلا رحمة ولا شفقة بأمي وضيوفها، سرق حبة كمثرى كبيرة لا تقدر بثمن ووضعها في جيب كندورته. لكن جريمته باءت بالفشل بعد أن لاحظت إحدى شقيقاتي انتفاخ جيب كندورته، فألقت القبض عليه وأخذت تفتش جيوبه إلى أن عثرت على الكمثرى. حين سُئل عن وجود الكمثرى في جيبه، قال متظاهراً بالذهول والغضب: لا أعرف.. أنا لا أعرف.. اتركوني في حالي أنا لا أعرف، ومضى في طريقه غاضباً من الكمثرى التي دخلت جيبه. قلت في نفسي: أنت لا تعرف، لكنني أعرف أنني من الآن فصاعداً أستطيع أن أضرب في كل الاتجاهات وعلى جميع المستويات، فلستُ الوحيد الذي ستوجه إليه أصابع الاتهام، أنا أصبع وأنت أصبع، فتضيع الحقيقة بيننا. ومن لطف الله بأمي، أننا كنا نعمل مستقلين عن بعضنا بعضاً، ولم نشكّل عصابة، لأن أخي كان يمثل دور الواعظ أمامي، ثم هو يفعل ما ينهاني عنه. وأنا أؤدي دور المستفيد من النصيحة، ثم ما إن يتوارى عن ناظري أضحك من مواعظه. وضعت أمي سلسلة حديدية على ثلاجتها لوقف نزيفها. تدخّل أبي وطلب منها إزالة السلسلة، فلا يعقل أن تكون ثلاجة البيت مجنزرة. استجابت أمي لكنها بعد أقل من سنة اشترت ثلاجة جديدة لها قفل، وكانوا يضعون المفتاح فوق الثلاجة لئلا تصل إليه أيدينا. كان يصعب الوصول إلى المفتاح لواحد صغير مثلي إلا بكرسي، ما يعني إحداث جلبة تثير انتباه أعداء الفاكهة. لكن غلطة واحدة ارتكبها أحدهم بأن نسي إخراج المفتاح من القفل في مرة وحيدة، جعلت أمي وأعوانها يدفعون الثمن غالياً، فقد انتهى المفتاح في حفرة عميقة خارج البيت. Ahmedamiri74@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©