الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الخرطوم وجوبا... كلٌ يريد بكين إلى جانبه!

الخرطوم وجوبا... كلٌ يريد بكين إلى جانبه!
26 مارس 2012
في اليوم الذي أصبح فيه جنوب السودان دولة مستقلة العام الماضي، فتحت الصين سفارة لها هنا حرصاً على حماية مصالحها النفطية. كما سارعت إلى إرسال وزير خارجيتها وشرعت في مناقشة حزمة مساعدات ضخمة لهذا البلد الفقير. لكن، وبعد بضعة أشهر فقط، تجد بكين نفسها اليوم عالقة وسط صراع مرير بين جنوب السودان وحاكميه السابقين في السودان، في وقت يضغط فيه كل من البلدين على بكين حتى تنحاز إلى صفه. وقد تسبب النزاع في انقطاع مصدر هام من النفط الذي يغذي الاقتصاد الصيني المزدهر ويعرِّض مليارات الدولارات من الاستثمارات الصينية للخطر. كما يهدد علاقات بكين الدبلوماسية والاقتصادية مع كلا البلدين ويضغط على ركائز سياسة تعتمدها الصين منذ وقت طويل وتقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى. وتعليقاً على هذا الموضوع يقول زاك فيرتن، المحلل المتخصص في السودان بمجموعة الأزمات الدولية، وهي مركز بحوث ودراسات غير ربحي: "هذا الواقع الجديد ترك الصين عالقة على نحو مزعج وسط لعبة شد الحبل"، مضيفاً: "ذلك أن كلا الجانبين يحاولان استعمال المصالح النفطية الصينية وجعلها متماشية مع مصالحهما الخاصة". المسلسل المتواصلة حلقاته في واحدة من أفقر المناطق في العالم يُبرز المشاكل التي تواجهها الصين التي تعيش رخاء متزايداً أثناء سعيها للتكيف مع تحولات عاصفة: فمن السودان إلى ليبيا وسوريا وبورما، تقاوم الصين ما تصوره على أنه تدخل على النمط الغربي. لكن ببقائها على خط التماس، عرَّضت الصين مصالحها وصورتها كصديقة للعالم النامي للخطر. وعلى سبيل المثال، فإن العديد من الدول العربية استشاطت غضباً عندما انضمت الصين إلى روسيا في إعاقة تحرك للأمم المتحدة بخصوص سوريا. وفي وسط الصراع بين السودان وجنوب السودان يوجد النفط الذي كان حتى الصيف الماضي خاضعاً لسيطرة الخرطوم، ويوجد معظمه اليوم داخل حدود أحدث دولة في العالم، وهي جمهورية جنوب السودان. وتعد الصين أكبر لاعب في قطاع النفط على جانبي الحدود، حيث تمتلك حصصاً كبيرة في حقول النفط الرئيسية بالجنوب وفي خطوط الأنابيب وبنى تحتية أخرى في الشمال. غير أنه بعد سنوات من توفير الغطاء الدبلوماسي والأسلحة لنظام في الخرطوم مكروه من قبل الغرب، يتعين على الصين اليوم أن تواجه حقيقة بسيطة، يقول باجان أموم، الأمين العام للحزب الحاكم في جنوب السودان: "فقد تغير السيد. فبالأمس كان السيد هو الخرطوم، أما اليوم، فهو جوبا". جهود الصين لتغيير سياساتها في السودان بدأت في عام 2005 مع توقيع اتفاق سلام بين الخرطوم والمتمردين الجنوبيين، وهو الاتفاق الذي أنهى ما كان يمثل أطول حرب أهلية في أفريقيا وعبَّد الطريق أمام استقلال جنوب السودان في يوليو الماضي. لكن بعض المسؤولين اليوم يقولون إن الصينيين لم يقوموا بما يكفي لإزالة الشكوك التي رسخها دعم بكين الطويل للرئيس البشير، المشتبه في ارتكابه جرائم حرب والذي استعمل أسلحة أمدته بها الصين في محاولات لتفادي انفصال الجنوب. وفي هذا الإطار، يشدد جنوب السودان الذي تشكل عائدات النفط نسبة 98 في المئة من عائداته، على أنه يريد أن يظل شريكاً مع الصين، لكن مسؤولين من جنوب السودان يحذرون في الوقت نفسه من أنه إذا لم تقم بكين بتعديل مواقفها على نحو يتسق مع مصالحها، فإنهم سيضطرون للبحث عن شركات نفط أميركية وغربية. وفي شهادة أدلى بها أمام لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ هذا الشهر، بعد زيارة لجنوب السودان، أشار نجم هوليود جورج كلوني، المعروف بمعاداته لنظام البشير، إلى أن استثمارات الصين الضخمة في السودان تجعل دور بكين أساسياً وبالغ الأهمية لوقف مشكلة العنف المتواصل في المنطقة. وقال في هذا الصدد إن الصين استثمرت نحو 20 مليار دولار، لكنهم "في الوقت الراهن لا يحصلون على شيء من هذا" بسبب التناحر بين الخرطوم وجوبا. ويذكر أن كلوني وعدداً من أعضاء الكونجرس تعرضوا للتوقيف لاحقاً خلال مظاهرة احتجاجية أمام السفارة السودانية في واشنطن. الخرطوم، التي تعتمد بشكل كبير على الاستثمارات والتجارة والمساعدات الصينية، مصممة على الحفاظ على بكين إلى جانبها، حيث قامت الحكومة بإرسال مبعوث رفيع المستوى إلى بكين الشهر الماضي ومارست ضغوطاً على تجمع شركات يقوده الصينيون، يقوم باستخراج معظم نفطه من الجنوب، لكنه مازال بحاجة إلى الشمال من أجل إيصاله إلى الصين. وفي هذه الأثناء، رفض الجنوب دفع مئات الملايين من الدولارات من حقوق العبور مقابل استعمال خطوط الأنابيب السودانية بدعوى أن الرسوم باهظة جداً. وردَّ السودان على ذلك باحتجاز ناقلات نفط تحمل نفط جنوب السودان وفرض حظراً على صادرات النفط إلى أن يستخلص ديونه المستحقة على الجنوب. وخلال الشهر الماضي، قام جنوب السودان بوقف إنتاجه النفطي، والبالغ حوالي 350 ألف برميل يومياً- بعد أن اتهم السودان بسرقة ما يعادل 815 مليون دولار من النفط. ويقول جنوب السودان إنه سيدفع أقل من دولار عن كل برميل نفط كرسوم لنقل النفط عبر خطوط أنابيب الشمال، في حين تقول الخرطوم إنها تريد 36 دولاراً عن كل برميل، ومليار دولار من المتأخرات. بل إن الجانبين يخوضان حالياً معركة في إحدى محاكم لندن في وقت يسعى فيه جنوب السودان إلى استعادة المال من بيع النفط المحجوز. وكان جنوب السودان قد أعلن مؤخراً أنه ينوي إنشاء خط أنابيب يتجه جنوباً إلى كينيا. إلا أنه من غير الواضح الجهة التي ستقوم بتمويل مثل هذا المشروع الضخم، لكن المؤكد أنه إذا أنشئ خط الأنابيب الجديد هذا، فإنه سيقلص بشكل كبير اعتماد جوبا على الشمال، ومعه قيمة استثمارات الصين الضخمة في خطوط الأنابيب الحالية إلى موانئ تصدير النفط التي بنتها الصين في البحر الأحمر. سودارسان راجافان وآندرو هيجنز جوبا - جنوب السودان ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©