الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مادلين أولبرايت قلقة.. ونحن أيضاً

21 ابريل 2018 00:48
ولدت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، في عصر سادت فيه الشمولية. كانت مازالت طفلة تخطو خطواتها الأولى في الحياة، عندما هربت هي ووالداها، اللذان كانا ينحدران من أصول يهودية- ولكنهما تحول لاحقا إلى الكاثوليكية- من تشيكوسلوفاكيا، بعد غزو هتلر لها في عام 1939، ثم عادوا إليها بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، لكنهم ما لبثوا أن فروا مرة أخرى، في أعقاب الانقلاب الشيوعي الذي وقع في هذا البلد عام 1948. وسعى والدها، الدبلوماسي «جوزيف كوربيل»، للحصول على اللجوء له ولعائلته في الولايات المتحدة، وكتب في رسالة إلى مسؤول أميركي أنهم إذا عادوا مرة أخرى، فسيتم اعتقاله «لالتزامه المخلص بالمثل الديمقراطية» كما قال. وبناء على ذلك قبلتهم الولايات المتحدة كلاجئين. وفي الولايات المتحدة أصبح كوربيل باحثاً بارزًا في السياسة الخارجية. وفي عام 1997، عين الرئيس بيل كلينتون مادلين أولبرايت وزيرة للخارجية، لتكون أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخ الولايات المتحدة. في ذلك الوقت، كانت الحرب الباردة قد انتهت، وبدت المعارك الأيديولوجية الكبرى التي احتدمت في القرن العشرين، وكأنها قد حسمت. وكانت الديمقراطية الليبرالية في مرحلة صعود، وبلد أولبرايت هو أقوى أبطالها. وبدا أن قوس حياتها في ذلك الوقت ينحو في نفس اتجاه تحول عالمي من استبداد واسع النطاق، إلى حرية آخذة في الاتساع. لذلك، كان الشيء المؤسف، والباعث على الانزعاج، في الحقيقة، أن تنشر أولبرايت، التي يبلغ عمرها الآن ثمانين عاماً، كتاباً مؤخراً يحمل عنواناً كاشفاً هو: «الفاشية: تحذير». والكتاب ليس مجرد تحذير من سياسات ترامب، وإنما تحذير عام مبعثه شعور أولبرايت بالقلق من انهيار الديمقراطية الليبرالية، في مختلف أنحاء العالم. لطالما كانت أولبرايت داعية متفائلة للاستثنائية الأميركية، وهي شخصية مؤسسية محنكة، لا تميل عادة للخطابية المثيرة للفزع. لذلك يجب أن نشعر بصدمة لكون شخصية مثلها، قد باتت تشعر بالحاجة لتحذيرنا، ليس فقط من الفاشية في الخارج، وإنما الفاشية في الداخل أيضاً. في يناير الماضي، أفادت مؤسسة «فريدوم هاوس»، وهي منظمة دولية لمراقبة الديمقراطية، أن 71 دولة في مختلف أنحاء العالم، قد عانت تقلص مستويات الحقوق السياسية، والحريات المدنية في العام الماضي، بينما شهدت 35 دولة فقط، تحسنا في هذه المستويات، وأن الولايات المتحدة، وبدلاً من الوقوف ضد هذا الاتجاه، أصبحت، جزءاً منه تحت قيادة ترامب. لم تتهم أولبرايت ترامب بأنه فاشي، حيث أنه لم يلجأ بعد إلى استخدام العنف خارج نطاق القانون. لكن أولبرايت أخبرتني، مع ذلك، أن ترامب هو «أقل الرؤساء الأميركيين ديمقراطية» في التاريخ الحديث للولايات المتحدة. فهو يمكّن الزعماء السلطويين على الصعيد العالمي، ويحصل بدوره على التمكين اللازم، من الشعبوية اليمينية المتنامية عالمياً. كما كتبت أولبرايت في كتابها أيضاً: «إن عقلية القطيع، باتت قوية الآن في الشؤون الدولية، حيث يراقب القادة في جميع أنحاء العالم بعضهم بعضا، ويتعلمون من بعضهم بعضاً، ويحاكون بعضهم بعضاً أيضاً». ذات مرة وصف المؤرخ «روجر جريفن» جوهر رؤية الفاشية بأنها تحاكي صعود المجتمع الوطني كالعنقاء، بعد فترة من الانحلال المهيمن الذي كاد أن يدمره». ووأولبرايت لها تصنيف للفاشية، أوسع نطاقاً من معظم التصنيفات العلمية السياسية، التي تميل إلى استخدام«الفاشية» كمرادف لـ«السلطوية». لذلك تدرجت أولبرايت في كتابها شخصيات، مثل الإيطالي، بينيتو موسوليني، والروسي فلاديمير بوتين، والفنزويلي هوجو شافيز، والتركي رجب طيب أردوغان، والكوري الشمالي كيم جونج إيل، الذي خلفه ابنه كيم جونج أون. وباستثناء موسوليني، أتيح لأولبرايت مقابلة كل هؤلاء الرجال، وقالت في معرض المقارنة بين ترامب وبينهم: (ما يجمع بينه وبينهم هو هذا الافتراض، أو الجزم، بأنهم يجسدون روح الأمة، وأن لديهم الأجوبة، وأن غرائزهم جيدة، وأنهم أذكى من الجميع، وقادرون على عمل الأشياء بأنفسهم). وترامب يدمج نفسه مع الدولة بهذه الطريقة. والعديد من التفاصيل الورادة في كتاب أولبرايت مألوفة. وقبل قراءة هذا الكتاب، لم أكن أعرف أن موسوليني كان قد وعد بـ«تجفيف المستنقع»- مثلما فعل ترامب إبان حملته الانتخابية، ولم أكن أعلم أن حشوده كانت تهتف وتطلق صيحات الاستهجان، ضد الصحفيين في مسيراته. سألت أولبرايت كيف تتجنب اليأس، وهي ترى السلطوية التي هيمنت على فترة طفولتها، وهي تكتسح العالم مرة أخرى، وهي الآن في شيخوختها؟ قالت: «إنه شيء اعتقد حقاً أنني قد تعلمته من والديّ». «عليك أن تجد طريقة للتعامل مع المشاكل الموجودة حتى تتجنب اليأس، لا أن تكون مراقبًا لها، ويجب علينا جميعاً أن ندرك أن لنا دوراً». ودور أولبرايت الآن هو التحدث بصراحة، بما تملكه من سلطة ومرجعية يمنحهما لها تاريخها، ومسيرتها المهنية. *كاتبة أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©