السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد بن الزيني مبدع المعادن في العصر المملوكي

محمد بن الزيني مبدع المعادن في العصر المملوكي
16 سبتمبر 2009 22:59
محمد بن الزيني «النحاس» هو واحد من ألمع صناع المعادن الذين نجد أسماءهم بوفرة على العديد من الأواني والتحف المعدنية. وترك الزيني الذي عاصر دولة المماليك توقيعه على طست من النحاس المطعم بالفضة، يُعد من أجمل ما أبدعه صناع المعادن المسلمون. وهذا العمل الفني يثبت بتفاصيله الزخرفية وتقنياته الصناعية والتطبيقية أن صناع المعادن في مصر تتلمذوا على أيدي العراقيين الذين قصدوا مصر بأعداد كبيرة فراراً من وجه المغول بعد اجتياح هولاكو للعاصمة العباسية بغداد في عام 658 هـ - 1258. وقد أتقن هذا الصانع المصري مع أبناء حرفته صناعة أدوات النحاس وأوانيه، وتشرب التقاليد الصناعية والزخرفية التي حملها صناع المعادن «السنكرية» من العراقيين إلى مصر. وكان محمد بن الزيني يمارس حرفته في السوق الكبيرة المتخصصة في هذه المشغولات المعدنية، وهي سوق الكفتيين قرب باب زويلة بالقاهرة». «والكفتى» أمهر صناع المعادن قاطبة ويأتي على قمة الهرم الوظيفيي لأبناء هذه الحرفة من السنكرية والنحاسين، وإلى اليوم يشار في مصر إلى الرجل الاريب الماهر بأنه يعرف «الكفت»• طست الزيني طست محمد الزيني حاشد بالزخارف وبروح الترف رغم أنه صنع من مادة رخيصة وهي النحاس الأحمر، ولكن تطعيم زخارف الطست «التكفيت» بالفضة الغالية، واستخدام الزخارف والرسوم المتنوعة والمتقنة أديا إلى إكسابه قيمة مادية وفنية، استحق معها عمل ابن الزيني كل التقدير. وقسم محمد بن الزيني زخارف السطح الخارجي تقسيماً ثلاثياً وهو أحد التقسيمات الشائعة في فنون الإسلام وفي الفن المعماري، حيث تتخذ المنطقة الوسطى، المتسعة، كمحور توزع على جانبيه منطقتان أقل اتساعاً، وأكثر تشابهاً. ففي قاعدة الإناء نري شريطاً زخرفياً ضيقاً يضم رسماً متكرراً لفهد يطارد ضحيته، فتكون هذه الضحية غزالاً تارة وأرنباً برياً تارة أخرى، ويفصل بين كل مقطع من هذا المنظر المتكرر فاصل مستدير يحمل شعار «الزهرة» وهو يشير إلى إحدى وظائف نظام الإقطاع الحربي المملوكي. ويبدو أن هذا الإناء صنع خصصياً لأحد أمراء المماليك الكبار الذين شغلوا هذه الوظيفة. أما المنطقة الوسطي المتسعة، فهي مقسمة تقسيماً ثلاثياً صارماً، وإن تميزت بالتوازن الرائع. فثمة ثلاث دوائر بوسط كل منهما فارس يمتطي صهوة جواده وقد اعتمر غطاء رأس غاية في الغرابة والطرافة وربما كان هذا الفارس هو ذاته الأمير المملوكي الذي صنع الطست من أجله. وقد وضع مثل هذا المنظر على خلفية دقيقة من زخارف التوريق العربية «الأرابيسك» وتشهد زخارف هذه الدوائر الثلاث ببراعة ابن الزيني في استخدام التكفيت بالفضة للتعبير عن الظل والنور وسرج الفرس وثياب الفارس. والتكفيت هنا لم يستخدم فقط لإبراز التفاصيل أو إعطاء التباين اللوني، ولكنه وظف لإعطاء إحساس بالعمق الكامل والتجسيم الشديد. ولا يملك المرء إلا أن يبدي دهشته من دقة هذا العمل في حيزه البالغ الضيق والذي ينم عن مقدرة فنية كبيرة في رسم الخيول والتعبير عن حركتها برشاقة مع العناية بأدق التفاصيل من ثياب وأسلحة. أهمية توثيقية يرى علماء الآثار والتاريخ في هذه الرسوم أهمية توثيقية تفوق من وجهة نظرهم الأهمية الفنية لهذا الطست؛ لأن ابن الزيني سجل بدقة بالغة تباين ملابس الرجال، وتنوع أغطية الرؤوس التي يلبسونها. وفي هذه الرسوم ما يشفي غليل العلماء للكشف عن مسميات الملابس المملوكية التي تحدثت عنها بإسهاب المصادر التاريخية المختلفة. ففي هذه الرسوم ملابس تتألف من سراويل ضيقة تنتهي إلى أحذية لها رقبة طويلة، وعباءات قصيرة تتوقف أسفل الركبتين لتكشف عن أحذية لها رقاب طويلة، ولكنها متسعة بعض الشيء عن السابقة. وبعض الملابس الحربية ممثلة في الصدريات التي تحمي الصدر والكتفين. أما أغطية الرؤوس، فهي تحمل بتنوعها العديد من الإيحاءات العميقة فبعضها من عمامات متعددة الطيات، وغالباً ما ارتداها أولئك الرجال الذين يلبسون العباءات، أما الرجال ذوو السراويل فيعتمرون قبعات عريضة الحافة تنتهي بقمة مستديرة تشبه الطرابيش. واستخدم محمد بن الزيني التكفيت بالفضة للتعبير عن الوجوه والأحذية وأغطية الرؤوس وبيان بعض أجزاء العباءات، والحيوانات التي تم اصطيادها. وفي أعلى الشريط الزخرفي الأوسط يعود ابن الزيني إلى تكرار الشريط الضيق الأسفل وإن استبدل فهوده بحيوانات خرافية مجنحة لها هيئة السباع. ثم ينهي عمله الزخرفي للسطح الخارجي بزخارف نباتية متشابكة «أرابيسك» تنتهي بشكل متكرر لثمار مخروطية الهيئة. ويبدأ الصانع زخرفة الحافة الداخلية للطست بشريط ضيق فيه كلاب الصيد وهي تطارد أرانب برية، وهذه الحيوانات التي تبدو وكأن بعضها يطارد الآخر في دائرة لا نهائية طعمت جميعها بالفضة. أما داخل الإناء، فهناك جامات مستديرة تضم أشكال دروع حربية، وهي تفصل بين مناظر تصويرية يمثل كل منها فارسين متقابلين، وقد امتطى كل منهما صهوة جواده ممسكاً بسيف أو رمح. هالة الفارس المستديرة تشبها بتقاليد التصوير العربي ووفق مدرسة بغداد أحاط ابن الزيني رأس الفارس بهالة مستديرة، دلالة على أهميته وفعل الشيء نفسه في بقية الرسوم الآدمية التي نقشها على الشريط الزخرفي الأوسط للطست. وتحصر الدوائر ذات الفرسان فيما بينهما ثلاث مناطق زخرفية تتفق في أنها تمثل مناظر صيد مختلفة؛ ففي واحدة نري عدة رجال يقودون كلب الصيد أثناء انطلاقهم لرحلة الصيد، وفي أخرى نراهم عادوا من رحلتهم حاملين حصاد هذه الرحلة من بغاث الطير وكواسر الوحوش، فيحمل أحد الرجال، على سبيل المثال، فوق ظهره أسداً وقد أمسكه بكلتا يديه بعد ما لقي مصرعه. وفي منطقة ثالثة نشاهد منظر صيد، يجري فيه استخدام الرماح والسهام لاصطياد الحيوانات التي تفر في ذعر، ومعني ذلك أننا أمام قصة صيد مصورة توضح الخروج للصيد ثم الكيفية التي يمارس بها الصيد والقنص وأخيراً حصاد رحلة الصيد بأسرها.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©