الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يرصد تاريخ الجمل وتطور استخدامه ومستقبله في المنطقة

يرصد تاريخ الجمل وتطور استخدامه ومستقبله في المنطقة
16 سبتمبر 2009 23:02
كتاب «الجمل والعجلة» للمؤلف ريتشارد بوليت يعد مرجعا هاما في تاريخ الجمل وتطور استخدامه ومستقبله في الشرق الأوسط والخليج العربي، ويعمد بوليت من خلاله إلى تبيان الكيفية التي صار بها الجمل مستخدما بصورة رئيسة في الشرق الأوسط بدلا من العجلة رغم توفرها، ويقصد بالعجلة هنا العربات ذات العجلتين أو التي تجرها العجلات أو الثيران أو البغال أو الأحصنة. ابتكار ذكي يشير بوليت بداية إلى «أن العجلة هي من أذكى الابتكارات البشرية، والجمل هو أحد أقل مخلوقات الله رشاقة ومع ذلك فإن استخدام الجمل هو الذي كان سائدا في المنطقة الممتدة من أفغانستان وحتى بلاد المغرب العربي، وذلك لعشرات القرون وفي ذات السياق يقول الكاتب «إن تاريخ المركبات المدولبة والعجلات في شمال أفريقيا على وجه الخصوص مذهل بسبب وفرة أدلة الأشكال المصورة من وسط الصحراء الكبرى التي تثبت استعمال المركبات التي تجرها أحصنة هناك في وقت ما من الماضي السحيق، كما تم استعمال هذه العجلات في سورية الرومانية، وفي مصر أيضا في حقبة الرومان حيث كانت العجلات الحربية لها مكانتها، كما استخدمت أيضا في بلاد فارس، حيث أثبتت الطرق الممهدة الطويلة استخدام تلك العجلات هناك وحتى بدايات القرن الأول الميلادي إلى أن أخذت في الاختفاء بعد ذلك». قدرة تنافسية يستعرض بوليت الأسباب التي أدت إلى جعل الجمل يحل محل العجلة مع بدايات القرن الثالث الميلادي، موضحا أن ذلك يرجع لقدرته التنافسية اقتصاديا مع المركبات المدولبة التي كانت لا تزال سائدة آنذاك، وكذلك مقارنة بالعربات التي تجرها الثيران، ومن المميزات الخاصة التي تميز بها الجمل عن الثور الذي يتمتع هو الآخر بقوة جسدية هائلة ودرج على استخدامه مع العربات لقرون عديدة فيحصر تلك المميزات في: 1- الجمل يمكنه حمل أو جر ضعف الكمية. 2- أسرع ويمكنه قطع مسافة أكبر. 3- يمكنه قطع من 20 إلى 25 ميلا دون توقف. 4- يستطيع القيام برحلات أكثر في سنة وخلال مدة حياته. 5- يستطيع قطع أرض جاراً عربة غير مدولبة. 6- لا مشكلة لديه في خوض الأنهار، حيث ينبغي تفريغ حمولة العربات. 7- يعمل ويعيش مدة أطول بأربعة أضعاف. 8- يمتلك قدرة أكبر على الامتناع عن الغذاء والماء. 9- العربات عرضة للتحطم والانقلاب أو العطب. 10- وزن العربة الإضافي الثابت يصل إلى طن على الأقل. طرق ممهدة لا تقتصر المميزات الكثيرة للجمل على مقارنته بالثيران فقط، ولكنها تنسحب أيضا إلى حد كبير على سائر حيوانات الجر من الحصان والبغل والحمار، خاصة وأن تلك الحيوانات ترتبط أكثر باستعمال العربات والوزن الذي يستطيع أي من تلك الحيوانات جره مرتبط إلى حد كبير بحالة العربة وتصميم أدوات الجر السائدة، بينما تقطع عربات الثيران الرومانية 6 أميال فقط في اليوم مقارنة بـ15- 20 ميلا لجمل الحمل. كما أن تكلفة العربة وأدوات الجر حتى في أدنى حد لها، كانت أعلى بكثير من تكلفة رحل الجمل، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى أخشاب، ومن أهم العوامل التي أدت إلى غلبة الجمل في مضمار الحمل واستخدامه كوسيلة نقل أساسية، هو أن «العربات كانت تحتاج إلى طرق ممهدة، والتي كانت في الغالب تمهد من جانب الحكومة الامبراطورية الرومانية لأهداف عسكرية» تدجين الجمل يعرج الكاتب إلى الحديث عن التأخر في استخدام الجمل والذي بدأ منذ القرن الثامن الميلادي متسائلا: لماذا لم يتم استخدامه قبل ذلك، خاصة في ظل المميزات الاقتصادية النسبية الكثيرة له مقارنة بغيره من وسائل النقل والجر؟ وبغية الإجابة يستعرض تاريخ وأصل تدجين الجمل، مشيرا إلى أنه في عام 3000 قبل الميلاد كان الجمل ثنائي السنام قد انقرض أوكاد ينقرض في أفريقيا، وربما لم يكن معروفا كحيوان بري في الشرق الأوسط وآسيا الصغرى. وكان الجفاف يأخذ مجراه أيضا في كل من شمال أفريقيا والشرق الأوسط، بينما كانت الصحراء العربية قاحلة تماما، ربما تكون الجمال التي لم تتأقلم مع الحرارة قد ماتت أو هاجرت. بيئة جديدة أما الجمل الأحادي السنام فقد تطور من الجمل ثنائي السنام الذي لم يستطع التأقلم مع الحرارة، حيث جهزت الجمال ذات السنام الواحد نفسها للانتقال إلى بيئة جديدة خالية من الضواري كشبه الجزيرة العربية الحارة. ويوضح الكاتب أن «دراسات علم الآثار الحديثة أثبتت وجود أكثر من طريقة للعيش مع الجمل، والاستفادة من حلبه وركوبه أو تحميله بالسلع أو تناول لحمه أو ربطه إلى محراث أو عربة، أو المتاجرة به من أجل السلع والزواج، أو عرضه في حديقة حيوانات، أو تحويل جلده إلى أحذية ووبره إلى معاطف». ويشير إلى أنه من خلال متابعة أنماط الاستعمال المختلفة لشعوب تربي الجمال يمكن فهم عملية تدجين وانتشار الجمل بأفضل طريقة. رَحل الجمل ينتقل الكاتب إلى ابتكار رَحل الجمل وعلاقته بنهضة العرب «ما بين سنتي 500 و100 قبل الميلاد تم ابتكار رَحل جمل غير التاريخ الاقتصادي والسياسي، والاجتماعي للشرق الأوسط، هذا النوع من الرَحل أخذ أسماء متنوعة». ولكن الكاتب هنا آثر أن يدعوه رَحل شمال شبه الجزيرة العربية تيمنا بما يبدو واضحا أنه مكان ابتكاره. ويصفه: «يتألف من قوسين كبيرتين أو عصوين كرحل على شكل رقم سبعة، توضع إحداهما على غطاء أمام السنام والأخرى على الغطاء نفسه أو خلف السنام. تتصل قوسا الرحل على طول الجانبين إما بعضها متقاطعة أو متوازية، ويشكل ذلك كله هيكلا صلبا مربع الشكل يرتفع نحو الأعلى مع السنام في الوسط، يوضع فوق هذا الهيكل وفوق السنام لبّاد يجلس عليه الراكب، ولا يكون ثقله على السنام، وإنما موزعا عن طريق الهيكل على قفص الحيوان الصدري عند استعماله كرحل حمل، يتم تقسيم الحمولة إلى نصفين متماثلي الوزن وربط كل منهما إلى أحد جانبي الرحل. نهضة العرب يشير الكاتب إلى أن من أهم عوامل النهضة الحضارية في شمال شبه الجزيرة العربية والمرتبطة بالجمل، هو قدرة مكة على إخضاع القبائل المحيطة التي تربي الجمال وتستطيع الإغارة على القوافل؛ لسلطتها. فضلا عن أن أهل مكة استطاعوا تنظيم التجارة بحيث أضحت كل قبيلة تجني من التعاون مع القوافل التي تجتاز أراضيها أكثر مما تجنيه من الإغارة عليها والتخفيف بالتالي من الحجم الكلي للتجارة. ويخلص الكاتب إلى أن «ابتكار وانتشار رحل شمال شبه الجزيرة العربية مرتبط تماما بنهضة البدو مربي الجمال كقوة سياسية، فالهيمنة السياسية للعرب ارتبطت بالتكامل الاجتماعي والاقتصادي بين الصحراء والمناطق الزراعية، وإظهار أن الجمال توفرت لذلك السبب لكميات كبيرة وبأسعار معقولة في بلد مستقر حتى أضحت تنافس بنجاح النقل المدولب وأخرجته أخيرا من مجال العمل». الفرس والرومان يشير الكاتب أيضا إلى أن حقيقة التكامل الاجتماعي والاقتصادي للعرب أظهرت أنه حالما امتلكت القبائل العربية قوة عسكرية ومالية، امتدت هذه القوى خارج حدودها، وهو ما حدا بكل من الحكومتين الرومانية والفارسية إلى تقديم الأموال للقبائل العربية على أطرافها لحراسة حدود الصحراء وحتى تضمن، من دون شك ألا تقوم تلك القبائل بغزو قرى لا يمكنها الدفاع عن نفسها، وما من شك أن هذه الأموال فضلا عن النهضة التجارية التي عاشها العرب آنذاك بفضل القوافل التجارية المعتمدة على الجمال، أثرت بشكل واضح وفعال في إيجاد نهضة حضارية لتلك المنطقة لم تشهدها من قبل. مع باقي صفحات الكتاب نقف على أهمية استخدام الجمل في منطقة الشرق الأوسط، من خلال الدراسة المعمقة التي قام بها بوليت واستندت إلى كثير من المراجع التاريخية والفنية والتقنية والوراثية واللغوية والبيولوجية مستكشفا تأثيرات الجمل على اقتصاد المنطقة وتطورها الاجتماعي والثقافي منذ العصور الوسطى وحتى تاريخنا المعاصر.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©