الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الألمان يهربون من التسمية السيئة السمعة

الألمان يهربون من التسمية السيئة السمعة
16 سبتمبر 2009 23:07
يأتي هذا الكتاب في موعده وهو للمؤلف الباحث والمتخصص المعروف في الدراسات الإسلامية د. رضوان السيد. وعنوان الكتاب «المستشرقون الألمان.. النشوء والتأثير والمصادر» والكتاب يذكرنا بأن ألمانيا بمستشرقيها تعرف الإسلام.. تاريخا وحضارة منذ وقت مبكر، وأن حادث مقتل الدكتورة المصرية مروة الشربيني داخل إحدى المحاكم الألمانية مؤخرا هو حادث فردي، لا ينم عن توجه المجتمع هناك. في خدمة الدولة رضوان السيد لبناني درس بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر ثم أتم دراساته العليا بألمانيا، ولاحظ هو، ومن قبله لاحظ آخرون مثل المصري د. عوني عبدالرؤوف والمستشرق الألماني «فرتز شتبات»، أن كتاب إدوارد سعيد عن الاستشراق ركز نقده الشديد على الاستشراق الفرنسي والانجليزي، ولم ينتقد الاستشراق الألماني، وفسر سعيد ذلك بأنه ركز على تجربة الاستشراق وارتباطها بالمؤسسة الاستعمارية ولذا استبعد الألمان، وهذا ما يأخذه عليه رضوان السيد، الذي يلفت الانتباه الى أن ادوار سعيد لم يكن على علم بدور المؤسسة الاستشراقية في ألمانيا وعلاقتها بالدولة، خاصة بعد توحيد ألمانيا عام 1870، كانت لدى ألمانيا أطماع استعمارية في أفريقيا وآسيا ومناطق الدولة العثمانية ومن هذا المنطلق كانت لها علاقات قوية بالدولة العثمانية، خاصة في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى. واستعانت الدولة الألمانية بالمستشرقين والمستعربين منذ ان توجهت نحو «الرجل المريض»، أي الدولة العثمانية، وبعد الحرب العالمية الأولى وقع نقاش حاد بين المستشرقين الانجليز والفرنسيين والهولنديين من جانب والألمان من جانب آخر، اتهم فيه الألمان بأنهم ينافقون دولتهم ويسيرون خلف سياساتها. والمستشرق الهولندي «مارتن هارتمان» خدم سياسات بلده في إندونيسيا وصار مدرسا بالمعهد الاستعماري بهامبورج في المانيا وأصدر كتابه «رسائل رحلة الى سوريا» ورسائل غير سياسية من تركيا سنة 1911 ودعا فيهما الى مساندة السياسة الفرنسية في سوريا وبلاد الدولة العثمانية تأسيسا على أنها تقوم بعملية تحديث في مواجهة الأساليب العثمانية التقليدية، لكنه عاد بعد أربع سنوات فقط ليشيد بالدولة العثمانية ويعتبر نداء الجهاد الذي أصدره شيخ الإسلام في اسطنبول ملزما لجميع المسلمين في العالم، حتى أولئك الذين لا يخضعون للسيطرة المباشرة للسلطان العثماني، وكان سر هذا التحول أن ألمانيا كانت تخوض الحرب الى جوار الدولة العثمانية ضد الانجليز والفرنسيين. وقد رد المستشرق «كارل هينرش بيكر» ـ ألماني ترجم إلى العربية بعض دراساته عبدالرحمن بدوي ـ مدافعا عن وطنية المستشرقين الألمان وضرورة وقوفهم إلى جانب دولتهم في الحرب وأن ذلك لا يمس أمانتهم العلمية وأن الموضوعية العلمية، لا تعني بالضرورة العداء للمسلمين ولا الخصومة معهم، وأن الموقف الشخصي الوطني أو القومي أو التبشيري، لا ينبغي أن يؤثر على رؤية الاستشراق للحضارة الإسلامية «العالمية النزوع والتوجه». بين المعرفة والتبشير ويعتمد د. رضوان السيد القرن الثامن عشر باعتباره نقطة انطلاق الاستشراق الألماني، صحيح أن هناك من يرجع بذلك التاريخ، ربما الى القرن الثاني عشر، حين تمت ترجمة القرآن لأول مرة الى اللاتينية، لكن هذه الترجمة وما تلاها من ترجمات وجهود تدخل في مجال «التبشير» أكثر، أما البداية الحقيقية فهي حين قام الفرنسي «انطوان غالان» بترجمة قصص وحكايات ألف ليلة وليلة، والتي سحرت عددا من المثقفين في أوروبا كلها، خاصة في عصر الرومانسية الأوروبية، القرن الثامن عشر، وكان من الذين تأثروا بهذا العمل الشاعر والفيلسوف الألماني الكبير جوته، وبسبب الليالي أخذ بسحر الشرق، وقرأ فيما بعد أشعار حافظ الشيرازي عبر ترجمة لمستشرق نمساوي، وأدى به ذلك الى كتابة ديوانه المهم «الديوان الشرقي للمؤلف الغربي» والذي ترجم الى العربية اكثر من مرة، ترجمه د. عبدالرحمن بدوي ثم أعاد ترجمته د. عبدالغفار مكاوي، وهناك شخصية رومانسية أخرى ألمانية أيضا، هي الشاعر فريدريش ريكرت الذي فتن بمقامات الحريري وقام هو نفسه بترجمتها بعنوان «جولات أبي زيد السروجي». لم يكن الرومانسيون وحدهم هم الذين بهروا بالشرق، لكن هناك مدرسة أخرى هي مدرسة النقد التاريخي، والى أعلامها يرجع الفضل في وضع الجذر العلمي للاستشراق، حيث اعتبروا الأساس العلمي لمعرفة الشرق هو فقه اللغات السامية وغير السامية، ومن هنا بدأت ترجمات كتب النحو العربي والكتب الأساسية في الثقافة الاسلامية مثل «صحيح البخاري» وكتاب «الفهرست» لابن النديم و»كشف الظنون» لحاجي خليفة وغير ذلك وكان «الطريق اللغوي» هو الوسيلة كي يبتعد الاستشراق عن الجدل اللاهوتي المتعلق بالإسلام والدخول في العلم، ويحسب للاستشراق الألماني الأعمال المعجمية العربية التي ترجمت مثل «معجم البلدان» لياقوت الحموي و»السيرة النبوية» لابن هشام و»تواريخ مكة» للأزرقي وآخرين.. وكتاب «وفيات الأعيان» لابن خلكان، و»تاريخ الطبري وطبقات ابن سعد» بالاضافة الى عدة ترجمات للقرآن الكريم وهذا ما دعا فرتزشتبات في كتابه «الاسلام شريكا».. الى القول «إن الاستشراق شكل نافذة جيدة على الشرق، تم التعريف من خلالها، وطوال قرن ونصف القرن بالعرب والإسلام، وحضارته، بطرائق موضوعية وودودة في أكثر الأحيان». ويلاحظ د. رضوان السيد ان عددا كبيرا من كبار المستشرقين الألمان، بعد الضجة التي أحدثها كتاب ادوارد سعيد «الاستشراق» ما عادوا يقولون عن انفسهم إنهم «مستشرقون» بل يتحدثون كمتخصصين في الدراسات الإسلامية والأدب العربي أو الآثار الإسلامية والتاريخ الإسلامي، لكن ذلك لم يعفهم من النقد العنيف، الذي جاءهم من فريقين الأول: الذين انتقدوا الاستشراق من جذوره العلمية، أي المنهج التاريخي، وهناك آخرون اهتموا بالانثروبولوجيا الإسلامية، وانشغلوا بالإسلام المعاصر.. وهؤلاء رأوا أنه ليس هناك «إسلام واحد» يشار إليه، بل يوجد الإسلام العربي والإسلام الفارسي والتركي والآسيوي، باختصار فإن ما بين اندونسيا والمغرب على المحيط الأطلنطي هناك إسلامات متناثرة، أما داخل العالم العربي، فقد كان هناك دائما الحذر والرفض للاستشراق، وقلة فقط من الباحثين أمكن لها متابعة عمل المستشرقين، انطلاقا من ان المستشرقين مجموعة من المبشرين أو عملاء لدول الغرب الاستعمارية وفي هذا يستوي الاستشراق الألماني مع الانجليزي والفرنسي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©