الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما الثقافةُ العربيّة الْمُثْلَى؟

ما الثقافةُ العربيّة الْمُثْلَى؟
16 سبتمبر 2009 23:15
ليس ضرورةً أن تنموَ الثقافة «بإعادة تأويل الأصول والأسس» وحدَها، وإلا فإنها ستصبح ضربا من الاجترار الخالص؛ بل إن الثقافة، وليس من هدفنا، هنا والآن، إعطاء تعريف جامع مانع لها، هي من المفاهيم التي عُرِّفت تعريفاتٍ كثيرةً جدّاً دون أن يستأثر أيٌّ منها بالتفوّق على غيره فينالَ من المفكّرين التسليمَ به، والإذعان له. ذلك بأنه لا شيءَ، في رأينا، أعقدُ تركيباً، ولا أعسرُ فهْماً، ولا أدقُّ مدلولا، ولا ألطف معنى، ولا أغمض فحوىً، ولا أدعى إلى اختلاف الهوى، ولا أَولى بالْمُوَارَبةِ والمجادلة، والْمُدَاهاة والْمُخاتَلة، كمفهوم الثقافة!... فهو، في رأينا، قد يكون أعقد من مفهوم الفلسفة ذاتِه. ذلك بأن الفلسفة نفسَها، في بعض مفاهيم الثقافة الحديثة التي تنزع نحو التوسّع، تنضوي تحت مفهوم الثقافة. فالثقافة هي الأدب، لأن الأدب أفكار وتصوير للقيم المعنويّة التي تحملها، ولأن الأفكار اسْتِيحاء من المجتمع والحياة، ولأن الحياة هي الثقافةُ ومُضْطَرَبُها الفسيح الذي لا ينبغي أن تركُض إلا فيه، ولا تنزَع إلاّ إليه. من أجل ذلك ليس ينبغي أن ننطلق بمفهوم الثقافة من هذا المنطلق القاصر الذي قد يجعلها مُحْرَنْجِمَةً حول الأصول الأولى التي لا ينبغي لها أن تكون إلا تراثا بالضرورة. وإلا أصبحت الثقافة مجردَ اجترار للماضي، وانطواء على الذات المتشرنقة، لا أداةَ خلق وإبداع. إن أيَّ ثقافة أصيلة كبيرة يجب أن تستمد أصولها من ماضي الإنسان وحاضره معاً، في معاناته وشقائه، وفي سعادته ومسرّاته... وكلّ ثقافة تمرُق عن هذه السبيلِ لا تَنِي أن يخترمَها الموتُ اختراماً، ويَحِلَّ عليها الذبول فتَخِرّ متهاوِيَة. إنّ الثقافة، لدينا، في الحقيقة لا تبرح تضطرب بين بين، فهي ليست في مسارها الراهن مجرد اجترار لماضٍ ثقيل، ولكنها ليست، في الوقت ذاته، إبداعاً عظيماً يتخذ من الماضي مجرد نقطةِ ارتكاز لانطلاقة سريعة وقوية. وذلك في رأينا أمر طبيعي، إذا ذكرنا الظروف التاريخية العصيبة التي خرج منها العربُ، في المشرق والمغرب، حيث تعرّضت معظم الأقطار العربيّة لاستعمار غربيّ حاول أن يمسخ الشخصيّة العربيّة مسْخاً... ولذلك لا أحدَ يُنكر الآثار العميقة التي تركها هذا الاستعمار الغربيّ، فانعكست على سلوكنا وتفكيرنا وكتاباتنا وحياتنا جميعاً. فلا نحن اليوم قادرون على السلوك الثقافيّ الذي كان أجدادنا يسلكونه، حذْوَ النعلِ بالنعل، ولا نحن في الوقت نفسه، قادرون على الانْسلاخ من ماضينا الطويل، وتقمُّص السلوك الثقافيّ الغربيّ الذي لا هو منّا، ولا نحن منه، فقد أتمثّل هذه العلاقة في قول الشاعر العربيّ القديم: أيّها السّائلُ عنْهُمْ وعَنِي لستُ من قيسٍ ولا قيسٌ مِنِي! إنّنا نريد للثقافة العربيّة أن تكون نبيلةَ المضمون، إنسانية النزعة، تحرّرية الغاية، فلسفيّة الرؤية، عميقة المخبر، جميلة المظهر... ثقافة كأنها وجهٌ آخرُ للحياة التي نحياها، وللمحبّة التي تلتعِج في جوانحنا، وللحرية التي تسري في عروقنا، وللجمال الذي نتعشّقه، وللحب الذي نتذوّقه، وللظلم الذي نرفضه، وللاضطهاد الذي نمقته، وللعدل الذي نَنشُده... ثقافة كأنها النورُ الغامرُ الذي يُنير لنا سبيلَ الغد المفعَم بالأمل، الزَّاخر بالتفاؤل، الحافل بالحب، المتطلّع إلى الحق والخير والجمال.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©