السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تركيا... النفاذ إلى أوروبا عبر البلقان

26 مارس 2013 23:08
مايكل برينبوم البوسنة تحاول تركيا التي غزت البلقان قبل خمسة قرون العودة مجدداً إلى المنطقة، لكن هذه المرة من خلال أساليب ودية وطرق سلمية، فقد فتحت تركيا جامعتين في العاصمة البوسنية سراييفو، التي ما زالت تزخر بعبق التأثير العثماني القديم، ولم تتخلص بعد من الثقافة التركية، بحيث من المفترض أن تستقبل الجامعتان سيلا من الطلبة الأتراك في بلد ما زال يترنح من مخلفات الحرب العرقية التي اندلعت بين الصرب والمسلمين قبل عقدين من الزمن. ولم تقتصر الاستثمارات التركية على المناطق ذات الغالبية المسلمة مثل البوسنة، بل امتدت أيضاً إلى كرواتيا وصربيا، حيث أغلب السكان ينظرون إلى الأتراك كغزاة، لكن تركيا وفي محاولتها للتواجد بالمنطقة ساعدت في تقدم المباحثات بين الأعداء السابقين في البلقان، هذا التوسع الملحوظ في النفوذ التركي بمنطقة البلقان منح الأتراك قدرة على النفاذ إلى أوروبا في وقت تتراجع فيه احتمالات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، كما ترغب هي في ذلك. وعن هذا التغلغل التركي في البلقان يقول «أمير زوشيك»، مدير مكتب وكالة الأناضول التركية في سراييفو: «يعمل القادة الأتراك على بعث امبراطورية عثمانية جديدة، لكنها امبراطورية مسالمة، فتركيا التي كانت في السابق قوة إقليمية تحاول العودة مجدداً إلى المنطقة». وفيما كان التواجد التركي في البلقان كامناً طيلة الأربعين سنة التي خضعت فيها المنطقة ليوغسلافيا الشيوعية، التي رفضت التأثيرات الثقافية والدينية التركية، إلا أنه انطلاقاً من تسعينيات القرن الماضي وبعد انهيار يوغسلافيا بدأت المساعدات التركية تتدفق على البوسنة لإعادة بناء وترميم المآثر العثمانية القديمة التي كانت هدفاً لتدمير تحركه اعتبارات إثنية. واليوم من الصعب إغفال التواجد التركي في البلقان، بحيث يزور المسؤولون الأتراك على نحو مستمر البوسنة، هذا بالإضافة إلى السفارة الكبيرة التي يتم بناؤها بالقرب من حي عُرف خلال الحرب العرقية، «بزقاق القناصة» لأن القناصة الصرب كانوا يعتلون أسطح البنايات لاستهداف البوسنيين المسلمين الذين يتوجهون إلى أعمالهم كل صباح، وفي شوارع المدينة تظهر اللوحات الإعلانية الكبيرة التي تعلن عن رحلات مخفضة السعر من وإلى تركيا بكلفة لا تتعدى 74 دولاراً للرحلة المزدوجة، كما أنه خلال السنة الجارية نظم حفل أوبرا في العاصمة يؤرخ لحياة السلطان العثماني الشهير، سليمان القانوني، الذي عاش في القرن السادس عشر. لكن الدليل الأسطع على التواجد التركي المتصاعد في البلقان تمثله الجامعتان اللتان فتحتا أبوابهما أمام الطلبة الأتراك، ففي الجامعة الدولية بسراييفو يكون على الطلبة الذين يدلفون إلى داخل ردهات الجامعة المرور من تحت النظرة الفاحصة لتمثال السلطان العثماني محمد الذي أدخل الإسلام إلى البوسنة في العام 1463، وتحظى الجامعة بدعم قوي من رجال أعمال أتراك مقربين من حزب رئيس الوزراء التركي، رجيب طيب أردوجان. ومنذ انطلاق الدراسة في الجامعة خلال عام 2004 تزايد عدد الطلاب ليصل إلى 1500 طالب على أمل أن يتضاعف خلال المرحلة المقبلة إلى خمسة آلاف طالب التي يمكن للجامعة استيعابهم، وتُدرس المساقات والمواد باللغة الإنجليزية مع تركيز الجامعة على المواد العملية مثل إدارة الأعمال والهندسة، لكن كلا من الطلبة الأتراك والبوسنيين يؤكدون أن جزءاً كبيراً من جاذبية الجامعة يكمن في ما تتيحه من تبادل ثقافي، بحيث يكون على كل طرف تعلم لغة الآخر. ويشرح نائب رئيس الجامعة، محمد هاجيبديك، المسلم البوسني، سبب الإقبال على الجامعة، قائلا «ينجذب الأتراك إلى الجامعة لأنهم يعتقدون بأن البوسنة ورغم كل مشاكلها سينتهي بها المطاف جزءاً من الاتحاد الأوروبي، وهو ينظرون إلى البوسنة كجسر بين تركيا والاتحاد»، مضيفاً أن الأتراك «يحبون البوسنة لأنها تجمع بين طابعها الأوروبي ومسحتها العثمانية، فالثقافة والأهواء تركية بكل تأكيد». ومن جانبهم ينظر الطلبة البوسنيون إلى النمو الاقتصادي التركي باهتمام بالغ، لا سيما في ظل نسبة البطالة العالية في البوسنة التي تحوم حول 46 في المئة، وهي نسبة أعلى بكثير مما هو موجود في تركيا. أما الجامعة التركية الثانية التي تستضيفها سراييفو فهي جامعة «بورتش» الدولية التي فتحت أبوابها في عام 2008 وترتبط برجل الدين التركي المعروف «فتح الله جولن» الذي يدير حركة دينية وتربوية من الولايات المتحدة، ويتحدث المسؤولون بالجماعة عن رغبتهم في نسج علاقات قوية بين تركيا والبلقان، ورغم الطابع الديني المحافظ للجامعة، إلا أنها تعتمد، وعلى غرار نظيرتها الأخرى، منهاجاً علمانياً. ويأتي هذا التوسع التركي في منطقة البلقان في وقت ينحسر فيها حلمها بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لا سيما في ظل المخاوف التي أعلنتها أوروبا الغربية، وعلى رأسها ألمانيا، من أن فتح الباب أمام انضمام تركيا للاتحاد قد يغرق أوروبا بملايين الأتراك الباحثين عن العمل، فيما شكك مسؤولون أوروبيون من أن انتماء تركيا إلى أوروبا أصلا، لكن البوسنة توجد بالقطع في قلب أوروبا حتى ولو كانت أسواق سراييفو القديمة وأزقتها الضيقة ومحالها التجارية المتقابلة تذكر بأسواق اسطنبول. لذا يمثل الحضور المتنامي لتركيا في البلدان الأوروبية التي كانت ذات يوم جزءاً من الإمبراطورية العثمانية وسيلة للتعويض عن إقصائها من ولوج الاتحاد الأوروبي. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©