الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

..العرض لا يزال مستمرا

..العرض لا يزال مستمرا
30 مارس 2011 20:07
تُرى ما الذي جعل من الفن الحديث “حديثا”؟ وما الذي يجعل فنّا (الآن، وهنا) فنا ينتمي بكليّته إلى ما يسمّى بما بعد الحداثة؟. واقع الأمر أنه ما من إجابة راهنة في النقد التشكيلي العربي تجيب على نحو متفَّق عليه على مثل هذا السؤال، ربما في الغرب ذاته أيضا الذي أطلق بوادر ما بعد الحداثة منذ نهاية العقد الثاني من القرن العشرين مع مارسيل دوشامب وسواه عندما جعل من المهمل والعادي بل والمُلقى في الشارع وتلك الأشياء التي توسم بالقذارة والانحطاط مادة خاما صنع منها عملا فنيا حمل توقيع الفنان عليه، غير ان النقد الغربي قد جعل من ذلك “مدارس” فنية ذات طابع أكاديمي درست ما يجري على السطح أكثر مما أنه قد حدّد بعمق طبيعة تلك المدارس الفنية بل صنع حواجز نظرية بينها أصبحت مادة دراسية يتلقاها الطلبة في الأكاديميات. غير أن العمل الفني في جوهره، وبمعزل عن فكرته وموضوعه، كان وظلّ واستمر موقفا جماليا ومعرفيا من العالم وما يجري فيهن إنما سمته الأساسية أنه يخصّ الفنان أولا ثم المتلقي ثانيا ما جعل التفاعل مع العمل الفني من عدمه أمرا فرديا عند الأخير أيضا. وهذه الموجة في النقد التشكيلي الغربي اتسعت كثيرا لتؤثر فيما بعد وحتى الآن تاركة أثرها في طرفي العملية الفنية ثم لتسهم في إطلاق العنان لبابل من اللغات الفنية والنقدية التي تركزت غالبا في دراسة التلقي الفني وظرفه ودور الحصيلة الثقافية الشخصية والذائقة الخاصة في تقبّل هذا العمل الفني أو ذاك بطريقة ما أو حتى رفضه. ربما أن الإشارة إلى ما سبق كان ضرورة من أجل إحداث نوع من التفاعل الفردي الخالص مع أعمال بينالي الشارقة الدولي العاشر الذي افتتح مساء السادس عشر من هذا الشهر ويستمر حتى السادس عشر من الشهر المقبل وقد جمع كل هذه اللغات الفنية معا في قلب الشارقة ليجعل من فن ما بعد الحداثة مشهدا فنيا عاما يتفاعل مع البيئة والمحيط وهي المنطقة التي تُعرق بمنطقة التراث. إن الفكرة الأساسية التي يقوم عليها البينالي لدورته هذه هي “استعارة الفيلم” بوصفه “حبكة” للبينالي لكنها لا تفصح بشكل كلّي وكامل عن “فكرة” محددة الملامح تجمع بين الأعمال الفنية بل إنها تحاول استفزاز التلقي باتجاه هذه الاعمال لاكتشاف ما هو جامع بينها جميعا. وهذه “الفكرة” غير الصافية للبينالي العاشر قد تكون وُلدت من رحم ذلك الجمع بين فنون متعددة من النوع الذي يصعب الجمع بينها على جاري العادة أو بحسب ما هو متّفقٌ عليه على ما عهدنا من جمع بين فنون مختلفة. إن “الحبكة” التي هي استعارة الفيلم في حد ذاته هي أيضا متفرقة وغالبا ما تشير إلى “حبكة” في عمل فني واحد يرتبط غالبا بالفيلم وليس بالعمل التشكيلي، لكن البينالي بمعارضه وعروض أفلامه التي ترافق عملا فنيا او تجاوره أو تحاوره أو تنتمي إلى فن الفيديو والسينما هي الأعمال الغالبة على ما يقدمه البينالي حيث لا تزال عروض هذه الأعمال يجري تقديمها في مواقع مختلفة من الشارقة القديمة. بمعنى ان هذه “الحبكة”، التي تضمن الكلام عنها في بعض مطبوعات البينالي كلاما بدا غامضا وغير مفهوم على وجه التحديد، إلا عند الانتهاء من تقديم عروض الأفلام في اليوم الخير من البينالي، ما يعني أنه حتى إعادة ممارسة التجارب الجمالية للتلقي، أي إعادة النظر في العمل الفني جماليا لكثر من مرة، لن تكون مفيدة في إدراك طبيعة من أي نوع من “الحبكات” هي “حبكة” البينالي العاشر وذلك من وجهة نظر التلقي الفني الخالص وليس من وجهة نظر خاصة، ما يعني أن طرائق التلقي المتعارف عليها قد باتت كلاسيكية وتحتاج من المتلقي إلى تجديد أدواته، لكن المر ليس رهنا بالتلقي وحده بل أيضا بما يجري تقديمه من عروض فيلمية وطبيعة اختيار للأفلام وأسباب هذا الاختيار وفقا لامتيازات فنية محددة من المفترض أنها في آخر الأمر تصبّ في “الحبكة” ذاتها ولو عبر التأويل، فالمسؤولية الفنية هنا يتحملها الطرفان وليس طرفا واحدا قد تُلقى عليه اللائمة في إفساد الحبكة او الإعلاء من شأنها. وللحق فإن في هذا المر “مغامرة فنية” تُحسب لإدارة البينالي. لكن جوهر فكرة التلقي في الحداثة وما بعدها قد جعلت من تقبّل العمل الفني عبر التفاعل مع البيئة والحيط اللذين يوجد فيهما وكذلك رفض هذا العمل أمرا نسبيا، بمعنى أن ما يتقبله البعض بوصفه عملا فنيا قائما بذاته قد يرفضه آخرون لأسباب أخرى. وجوهر فكرة التلقي هنا ليس أمرا مرتبطا بالذائقة ومكوناتها الخاصة والعامة او بالتطور المتسارع للفنون وتداخلها مع بعضها البعض فحسب، بل أيضا فإن ما يترك أثره ملحّا هو ذلك التعدد في وجهات النظر والاختلاف في الرؤى حول الدور الاجتماعي للفن في المجتمعات الراهنة وكيفية التفاعل معها في فضاء خارجي أو داخلي من قبل الجمهور، بالتالي فإن فكرة الحداثة وما بعدها أو حتى توصيف هذه الفكرة ليس حكرا على الفنان أو الناقد الفني وحدهما بل بات للمتذوق أيضا رؤيته الخاصة في ما يرى من جماليات في محيطه أو عندما ينظر إلى لوحة أو فيلم في بينالي الشارقة العاشر. إنها ديمقراطية فنية وليست أميّة بصرية حتى لو كانت غير قادرة على تفسير او شرح فكرتها أو التنظير لها مثلما يفعل الصانع سواء كان فنانا ام ناقدا، ما يعني أن على أيٍّ منهما أن لا يهمل موقفه لأنه في آخر الأمر هو موقف جمالي. غير أن جولة ولو عابرة في أروقة وردهات متحف الشارقة للفنون حيث البنية الأساسية من الأعمال والمعارض التي يشتمل عليها البينالي، تكشف للمرء أن هذا البينالي لا يقدم فكرة الحداثة الفنية وما بعدها بكل اطيافها المتواجدة في العالم راهنا، بل إن هذا ما لا يمكن لأي بينالي أن يقدمه في دورة واحدة، فضلا عن أنه ليس مطلوبا من هذا البينالي. فكما لو أنه ارتضى بتقديم نماذج وفقا لرؤية ما هدفها خلخلة الفكرة السائدة عما هو متعارف عليه (حيث من المبكر قول بأنه قد بات كلاسيكيا) ومعهود في الفن بل اكتفى بالتركيز على جانب من فنون ما بعد الحداثة. وهذا الجانب من الممكن وصفه باختصار بأنه تلك المساحة التي تتقاطع فيها الفنون التشكيلية مع الفنون السمعية والبصرية وتتطوران معا ضمن “فن الصورة” عموما التي تمثل هنا نقطة الارتكاز الأساسية بينهما رغم أن الفيلم يظل محتفظا بالحكاية سواء أكانت غامضة أو واضحة أو حتى غير موجودة او ثمة ما يشي بها، أي أنّ الصورة هنا مرتبطة بسردية خاصة بها سواء تقاطعت مع الفن التشكيلي أم لا غير أنها لا تقطع الحبل معه ارتكازا على الصورة بحد ذاتها. وبما أن ما قيل يخص بينالي الشارقة العاشر تحديدا، فإن ذلك كله يجعل من الصعب إجراء أي تطبيقات عملية على أي من الأعمال التشكيلية ـ الأفلام، والتي بدت بحسب معارض متحف الشارقة للفنون منفتحة إلى حدّ بعيد على الحرية أداءً وفكرء، فيلحظ المرء انه قد لا تكون هناك رقابة مسبقة على الأعمال التي هي نتاج الموقف الجمالي للفنان الذي يوحي ـ أي الخطاب ـ بأنه لا يسعى إلى تصالح مع خطاب تراثي أو هوية ثقافية بعينها بل إن الفنان يسعى إلى التصالح مع ذاكرة خاصة هي جانب من جوانب المخيلة الفنية التي لا تمنح الفنان موضوعه فحسب بل أدواته وأساليبه في إنتاج عمله سواء استفاد من تقنيات الفن الحديث أم لا. وأغلب الظن، أن ظهور هذا النوع المشترك أو الذي تتقاطع فيه الفنون في بينالي الشارقة العاشر هو دليل حيوية وإبداع وتجديد، إنما في نماذجه التي عندما نراها ناجحة وملحوظة وقد بنت علاقات فنية بين الفرد ومحيطه ولعل هذا هذا ما يحتاج إليه الفن التشكيلي العربي. فكما أن هذا الفن يعيش عزلته الخاصة التي تعامل معها البعض من الفنانين إيجابيا فاستغلوها كي يجعلوا من جوهر العمل الفني مدار بحث وتجريب تجعله على تواصل مما يحدث في الفنون في العالم راهنا، لكن في الوقت نفسه فإن المشاركة في بينالي من طراز بينالي الشارقة العاشر تمنحه من الدوات الفنية ومرقبة الصِيَغ التركيبية ما يحفّز الفنان نفسه على إعادة النظر بأدواته الخاصة. ما يعني أن أمر تطوير الذائقة الفنية والحوار مع العمال لا يقتصر على المتذوق وحده بل إنه يجعل الفنان يفتح باب عزلته فيضيؤها قليلا بمدى تقبّل المتذوق لمنحاه التجريبي وطموحه إلى تحقيق المختلف في تجربته. يبقى القول أخيرا، أن ما هو معهود ويتمنى المرء على البينالي كسره ذلك الاعتياد من قِبَل الذائقة بأن الأعمال الفنية العربية التي تتعالق مع الفيلم ومع سياق فكرة البينالي لدورته هذه هي اعمال فنية عربية ما تزال في بداياتها وان مَنْ نقل هذا الفن إلى المنطقة العربية بتلويناته المختلفة هم الفنانون العرب المقيمون في أوروبا وأميركا تحديدا والذين أثبت البعض منهم حضورا ما جعلهم من الفنانين العالميين كما يُشاع عنهم وكذلك عن طريق آخرين ما زالوا يسعون إلى إثبات أي حضور لهم في هذا الفن هنا وهناك.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©