الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فيتالي نعومكين: الاستعراب هو دراسة للمجتمع الروسي أولا

فيتالي نعومكين: الاستعراب هو دراسة للمجتمع الروسي أولا
30 مارس 2011 20:10
رغم أن الاحتكاك مع دول البلقان إجمالا قد بدأ مبكرا منذ عهد عمر بن الخطاب، إلا أن البداية الفعلية للاستعراب الروسي قد بدأت في عهد القيصر بطرس الأكبر في القرن الثامن عشر، عندما أمر بنسخ الكتابات العربية المحفوظة في مدينة بولغار الإسلامية والمتبقية من العصور الإسلامية فيها. وفي عام 1716 في عهد القيصر نفسه صدرت في روسيا أول ترجمة للقرآن الكريم باللغة الروسية. ثم كانت أول مدرسة ترجمة لتعليم العربية للمستعربين قد أُنشأت بتوجيهات منه فتأسس أول قسم لتدريس اللغة العربية في خاكروف فقازان ومن ثم موسكو. غير أن الاستعراب الروسي بمعناه العلمي الحديث قد شهد انطلاقته الأولى عام 1818 حيث تأسس المتحف الآسيوي في بطرسبورج تابعا للأكاديمية الامبراطورية للعلوم، حيث سرعان ما تحول هذا المتحف مطلع تأسيس الدولة السوفييتية إلى ما سُمّي بمعهد الاستشراق، ثم انتقل إلى مقره الحالي في موسكو العام 1950. المدير الحالي للمعهد الدكتور والمستعرب فيتالي نعومكين ورئيس الأكاديمية العلمية الروسية، خرّيج جامعة القاهرة حيث تتلمذ على أيدي أساتذة مصريين وفلسطينيين في تخصصي التاريخ والعلوم، وهو مشارك في تحرير وتأليف عدة كتب من بينها “تاريخ الشرق” و”آسيا الوسطى وعبر القوقاز: العرقية والصراع” و”الدراسات الشرقية الروسية” وسواها، حلّ ضيفا على معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته الأخيرة بوصفه مشاركا في البرنامج الثقافي لجائزة الشيخ زايد للكتاب. وقد كان لـ”الاتحاد الثقافي” هذا الحوار معه: ? مع انهيار المنظومة السوفييتية أصاب الوهن الاستعراب الروسي، لقد طال ذلك لقرابة العشرين سنة. الآن بعودة روسيا الفدرالية قطبا في عالم بات متعدد الأقطاب، فهل استعاد الاستعراب الروسي اهتماماته بالمنطقة العربية أو شيئا من هذه الاهتمامات؟ ? لأقل بدءا إن علم الاستعراب الروسي لم يكن مبنيا في اهتماماته على شكل الدولة، بل على تقاليد عريقة تمتد لقرون سابقة على نشأة الاتحاد السوفييتي، إنما في العصور الحديثة بات الاستعراب يعتمد على وجود مدرسة استشراقية وكليات، وعلى جسور ثقافية ترقى إلى النصف الأول من الألفية الأولى، وعلى عائلات تنقل هذه المعرفة من جهة إلى أخرى، حيث يبلغ عدد المسلمين العشرين مليونا. وابتداء من أوضاع التفكك وبداية الضعف مطلع التسعينات من القرن الماضي، وبالرغم من انخفاض الاهتمام فإن نهضة ما بعد البيروسترويكا، وعودة اتصال مسلمي روسيا بثقافتهم ودينهم الإسلاميين، جعل على الدولة أن تستمر في مساعيها الاستعرابية وتقاليدها منذ بداية التسعينات. ومع بروز روسيا قطبا في عالم متعدد الأقطاب ازداد دور روسيا الاستعرابي، وعادت إلى الشرق مرة أخرى، فتوسعت شبكة تدريس اللغة العربية وعادت الجامعات إلى تدريس اللغة العربية وما يتعلق بالمشرق العربي عموما. فإلى جانب جامعة بطرسبورج، وغيرها في كثير من الأقاليم الإسلامية، هناك سبع جامعات خاصة تدرس العربية. أضف إلى ذلك أن هناك علاقات مسيحية أيضا تربط روسيا بالمنطقة. بالفعل، فقد كان أول كتاب طبع في روسيا عن رحلة إلى العتبات المقدسة في فلسطين في القرن الحادي عشر، فوصفها بدقة متناهية آخذا مقاييس المباني والأبواب بدقة متناهية ما يدل على الاهتمام بالعتبات المقدسة، بل إن هناك جزيرة عبارة عن دير مسيحي على ساحل المتوسط قبالة شواطئ يافا قد سميت كل معالمها بأسماء مناطق العتبات المقدسة، حيث حدث هذا الأمر منذ أكثر من 600 عام حين زار عدد من الرحالة الروس المشرق كله تقريبا وتحديدا سوريا ومصر ولبنان. من المعروف أيضا أن هناك العديد من المعالم الدينية وغير الدينية تعود ملكيتها للكنيسة الروسية قد بيعت لدولة الاحتلال، مثل كنيسة المسكوبية التي تحولت إلى معتقل رهيب. للأسف، لقد حدث هذا لأمر بالفعل. فقد تخلى الرئيس السوفييتي خروتشوف عن البعض من الممتلكات. وهي في الواقع أكثر بكثير مما يتخيل البعض. إنما تم استعادة جزء منها. العلمانية والوسطية ? هل تتوقع دورا مستقبليا للاستعراب الروسي في التأثير على المنطقة؟ ? الاستعراب في نهاية التحليل علم قائم بذاته وليس سياسة، لكن من حيث المبدأ لعب البعض من المستعربين والمستشرقين الروس دورا سياسيا في الدولة. خذ مثلا رئيس الوزراء الروسي السابق فهو مستعرب حقيقي ويتقن إدارة علاقاته الدبلوماسية عبرها، فضلا عن الكثير من المستعربين الذين يتبوأون مناصب عليا في الدولة. ? ماذا عن الأثر الذي تركته بعض الأحداث والتفجيرات التي حدثت في السنوات الأخيرة في روسيا وكيف تحلل هذا الأمر؟ ? لقد تركت أثرا سلبيا بالفعل للأسف، على الحياة بصفة عامة، إذ يبدو أن هناك صراعات داخلية بين المسلمين أنفسهم بطوائفهم المتعددة والمختلفة في الآراء وهناك تفسيرات لتدخلات خارجية وجماعات تلعب دورا ما وفقا لتفسيرات أيديولوجية متطرفة، مثلما أن هناك مجموعات أخرى مرتبطة بمصالح من نوع ما قد تكون تجارية أو ما هو أشبه بذلك وتجد في الإسلام أو حتى المسيحية ولاء لتجارب دينية أو دفاعا عن خيار ديني بعينه سواء أكان سلفيا أم متطرفا مرتديا بذلك لبوس الدين. شرعت الحكومة الروسية مؤخرا في افتتاح قنوات تلفزيونية وفضائيات في المناطق والأقاليم الإسلامية تدعو إلى الاعتدال. ? يبدو في الأمر مفارقة، إذ أن الدستور الروسي هو دستور علماني لا يجيز التدخل في ديانات الأفراد؟ ? حقا، فعلى المستوى السياسي ليس من الضروري أن تتدخل الدولة في الشؤون السياسية بسبب علمانية الدستور، لكن من جهة أخرى ينبغي دعم الاعتدال والوسطية بين كل الطوائف وكل الأديان كنشر التعليم وتشجيع الجامعات الإسلامية وغير الإسلامية. سأضرب لك مثلا، ففي موسكو هناك مركز لتشجيع الاعتدال تقوم بتمويله دولة الكويت، لكي يعمل إلى جانب جهود أخرى على تثقيف الناس في روسيا على الاعتدال والتسامح، إذ إن هناك مجموعات تدعو إلى الكراهية والعداوة. مستقبل الاستعراب ? من موقعك كمدير لأكبر معهد للاستشراق في بلادك، إلى أي حدّ أنت متفائل بمستقبل هذا العلم؟ ? أنا متفائل بحكم التقارب الذي يتطور باضطراد بين روسيا والعالم العربي، وذلك رغم المصاعب الحقيقية حيث ينشغل الشباب بالأمور التجارية في مجتمع عالمي هو مجتمع استهلاكي بامتياز. إنما في الوقت نفسه هناك الكثير من الشبان الروس الذين يقبلون على دراسة اللغة العربية وثمة منافسة بينهم، وذلك رغم الآثار السلبية التي تحدثنا عن منذ قليل إذ إن هناك أيضا تجربة رائعة في التعايش بين المسلمين والمسيحيين تمتد لقرون طويلة. وبالتالي فالاستعراب هو جزء منا وهو دراسة للمجتمع الروسي ذاته قبل أي مجتمع آخر بسبب ما تشتمل عليه روسيا من أقاليم إسلامية كما ذكرت. ? سؤال أخير، من أين بدأت انشغالاتك بالاستعراب؟ ? حقيقة الأمر إن اهتماماتي العلمية والشخصية كثيرة، لكنني بدأت حياتي العلمية بدءا من القرون الوسطى حيث حصلت على شهادة الدكتوراة من جامعة القاهرة مدافعا عن التصوف في الإسلام، بل عند الإمام الغزالي تحديدا. ثم بدأ اهتمامي ينتقل إلى التاريخ والسياسة المعاصرة، وبحكم إنني أرأس أكبر معهد استشراقي حكومي في روسيا فما زلت مهتما بالكتابة عن الإسلام والبلدان الإسلامية. وذلك فضلا عن أن لدينا مجموعات من الباحثين الأركيولوجيين الذين يعملون في تنقيب الآثار في عدد من البلدان العربية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©