Wednesday 24 Apr 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المرأة التي تحدَّت بورقيبة

المرأة التي تحدَّت بورقيبة
30 Mar 2011 20:12
صدرت مذكرات راضية الحداد باللغة الفرنسية تحت عنوان: “حديث امرأة” وهي شهادة امرأة ناضلت طيلة فترة عملها السياسي للنهوض بالمرأة التونسية في السنوات الأولى لبناء الدولة التونسية الحديثة، وهي أول امرأة نائبة بالبرلمان التونسي وترأست الاتحاد النسائي التونسي عام 1958، أي بعد عامين فقط من استقلال تونس. ويتصدر الكتاب هذه الأيام واجهات المكتبات التونسية بعد قيام الثورة رغم أن مؤلفته توفيت، وهذا الاهتمام مصدره الرجوع إلى فكر بورقيبة ومسيرته بانجازاتها واخطائها بعد أن عمل الرئيس المخلوع زين العابدين بن على امتداد 23 عاما من حكمه البوليسي، على طمس كل ما له صلة بالزعيم الراحل الحبيب بورقيبة. ومن مفارقات التاريخ أن بن علي الذي قام بانقلاب على بورقيبة، ان المظاهرة الصاخبة التي انتظمت بشارع يحمل اسم الحبيب بورقيبة في العاصمة التونسية، هي التي أزاحته من الحكم مما دفع بالكثيرين إلى القول إن بورقيبة أخذ ثأره من الرجل الذي خانه وانقلب عليه فجر يوم 7 نوفمبر 1987. أحداث ومواقف ولدت راضية الحداد عام 1922 في عائلة بورجوازية محافظة، وقد توفيت عن سن تناهز 81 عاما، وشاركت في الكفاح التحريري وانتخبت عضوا باللجنة المركزية للحزب الحاكم من 1968 الى 1972. بدأ نضالها قبل الخمسينيات، وتواصل على امتداد ثلاثين عاما، من بينها عشرين عاما تحت لواء الحزب الحاكم. تقول في كتابها: “إن الشخصية الرئيسية في مذكراتي هي شخصية بورقيبة، وأردت أن أعبر عن رأيي تجاهه دون أن أصل إلى حد إصدار حكم نهائي في شأنه”، مضيفة في فصل آخر: “مع مرور الزمن فإن بعض الأحداث التي عشتها كانت تبدو لي هامة أصبحت مع مرور الأيام عند تأليفي لكتابي مجرد نكت وهوامش، في حين أن أحداثا أخرى أثبتت الأيام أنها تاريخية في الوقت الذي كان أكثر الناس يمرون عليها عند حدوثها مرور الكرام”. وجاء الكتاب شهادة تاريخية على مسيرة حافلة، ولعل أهم ما فيه الكشف عن أسباب وخلفيات وانعكاسات خلافها السياسي مع الرئيس الرحل الحبيب بورقيبة، كما كشفت عن المناورات التي وصفتها بـ”الخسيسة والضرب تحت الحزام والدسائس” التي تم تدبيرها لها، وهي تروي قصة لقاء عاصف لها مع عبدالله فرحات مدير الديوان الرئاسي وقتها. قالت له ـ وفق ما جاء في الكتاب ـ وهي في مكتبه عندما أدركت أنه يريد أن يدفعها نحو تقديم استقالتها من رئاسة منظمة الاتحاد النسائي: “أنت تريد استقالتي؟ ولكن من أنت؟ وبأي صفة، وبأي حق تطلب مني ذلك؟ إني منتخبة من مؤتمر، ووحده المؤتمر قادر أن يقيلني”. كما أوردت راضية الحداد الحادثة التالية إثر حصول خلاف بينها وبين بورقيبة: ففي يوم 3 ديسمبر 1976 عند سفرها الى باريس لملاقاة ابنها الطالب تم منعها من السفر وتم حجز جواز سفرها. تقول: “لقد امتلكني غضب شديد الى درجة أني أخذت أصرخ أمام رجال الشرطة والسياح المتجمعين في المطار: إما أن تعيدوا لي جواز سفري أو أن تاخذوني الى السجن، ولكن لن أعود إلى بيتي بدون أن يكون جواز سفري معي. إن سرّاق أموال الشعب يسافرون بكل حرية وأنا تمنعونني. إن هذا البلد أصبح سجنا حقيقيا”. وتضيف: “لقد أصاب رجال الأمن الارتباك ولم يعد يعلمون ماذا يصنعون وأي موقف يتخذون وهم يطبقون التعليمات الصادرة إليهم ممن هم أعلى منهم رتبة، ولكن كيف يطبقون التعليمات والمسألة باتت فضيحة، ووجدت السلطة نفسها أمام وضع محرج إذ لم تتوقع رد فعلي ذلك. قضيت الليلة كلها بالمطار وأعادوا لي جواز سفري في نفس المكان الذي تم فيه حجزه مني”. الأحوال الشخصية وتروي راضية الحداد في مذكراتها أنه لم تكد تونس تحصل على استقلالها الداخلي، حتى تأسس “الاتحاد القومي النسائي التونسي” أول منظمة وطنية نسائية تونسية في يناير 1956، وكانت هي أول رئيسة لهذا الاتحاد.. تروي راضية الحداد ما حصل يوم 13 اغسطس 1956، وإعلان مجلة الأحوال الشخصية، إذ بمجرد حصول تونس على استقلالها التام (مارس 1956) بادر الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية، بإصدار مجلة الأحوال الشخصية، فكانت منعرجا تاريخيا في حياة المرأة والأسرة التونسية، إذ أقرت المساواة بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات، وألغت منذ صدورها تعّدد الزوجات، واعتبر الفصل 18 من المجلة المذكورة التزوج بثانية جنحة يعاقب عليها بالسجن والتغريم أو بإحدى العقوبتين. وهذا القانون الذي يلغي تعدد الزوجات لا نظير له في أي دولة عربية أخرى، أما الطلاق فهو لا يتم إلا في المحكمة، وهو ما يمثل حماية للمرأة والأسرة، فلا وجود في تونس للطلاق التعسفي ولا يمكن للرجل أبدا أن يرسل لزوجته بورقة الطلاق، ويمكن للمرأة أن تتقدم بقضية لطلب الطلاق وتتحصل عليه من دون تقديم مبررات، فالعصمة هي بيدي الرجل والمرأة على حد سواء، فإذا رغبت المرأة التونسية في إنهاء العلاقة الزوجية فالقانون يمنحها ذلك حتى ولو رفض زوجها الانفصال عنها، على أن تتحمّل هي في هذه الحالة دفع غرامة مالية له ومصاريف التقاضي. اتهامات ومواجهات المؤلفة كانت ضمن من تمردوا من داخل الحزب الحاكم على الرئيس بورقيبة وطالبوا بإصلاحات من داخل الحزب، وهي في الوقت نفسه تعترف: “إن الثقة التي منحني إياها بورقيبة والحرية الكبيرة التي تركها لي في عملي، يسرت لي كثيرا عملي في اتحاد المرأة التونسية”. وهي تروي الحادثة التالية، تقول: “في نهاية شهر يوليو 1973 اتصلت بمكالمة هاتفية من مدير البروتوكول برئاسة الجمهورية يدعوني لحضور “مجلس الجمهورية”، والذي سينعقد في قصر قرطاج، ولأني لم أكن وقتها أتحمل أية مسؤولية في الدولة، فقد ظننت أن في الأمر خطأ، ولكن وسيلة بن عمار زوجة الرئيس ألحت عليّ بالحضور. بدا بورقيبة خطابه الذي خصصه لموضوع مقاومة الفساد لدى بعض المسؤولين في الدولة، معلنا أمام الملأ أنه بلغ الى علمه حالات عديدة، وكان وهو يخطب يضرب بأم جمعه بقوة على المكتب الذي كان أمامه، ثم عرج على امتلاكي منزلا تعمد وصفه بأنه قصر، مؤكدا أني أثريت بغير وجه شرعي، وقد تعمد دعوتي لهذا الاجتماع لإهانتي والتشهير بي”. ولما التقت به علقت على اتهامه لها بالكسب غير المشروع قائلة: “إن المنزل الكائن بـ”مقرين” ليس ملكي بل هو على ملك والد زوجي، وأنت تقول إنه قصر، والحقيقة إنه بيت في حالة يرثى لها”، مضيفة أن بورقيبة تراجع ليقول لها: “أنا لا أتهمك، ولكن هذا ما تم نقله لي”. ثم تورد ما دار بينهما من حوار عجيب لا يمكن للقارئ أن يتخيله بين رئيس دولة وامرأة كلفها برئاسة أول منظمة نسائية بعد استقلال البلاد. تقول: “اخذت اصرخ: سيدي الرئيس إن يدي نظيفتان، وإن أي نظام إذا أخذ يرتكب في المظالم فإنها نهايته”. أجابها بورقيبة: “قل لي يا بنتي هل كنت يوما ظالما لك؟”. ثوري وبراغماتي وفي مذكراتها كشفت راضية الحداد عن الكثير من المناورات التي دبرها لها البعض لتحطيمها وتلويث سمعتها وتلفيق تهم باطلة لها، على غرار الاستيلاء على أموال عمومية باتحاد المرأة الذي كانت ترأسه، وتمت محاكمتها وحكم عليها بالسجن مع تأجيل التنفيذ. ورغم كل ما لحقها من بورقيبة من أذى بسبب خلافات سياسية بينهما فإنها تقول في كتابها: “إني معجبة إعجابا كبيرا بثقافته، وإني أعترف رغم طبعه السلطوي، فإنه كان دائما يستمع الى ما أقوله له، وإنه عمل بالملاحظات وبآرائي طيلة الوقت الذي تعاونت فيه معه، إنه استشارني في المجالات التي هي من مشمولاتي واختصاصي، كما حصل أن تراجع عن قرارات أو تصريحات بعد أن أبين له ضررها أو عندما أكشف له النوايا الحقيقة لمن نقلوا اليه معلومة خاطئة”. وتصفه بأنه سياسي براغماتي وثوري وله ثقة كبيرة في شخصه، وإنه وطني حتى النخاع، وواقعي ولكن تقدمه في السن والأمراض التي ألمت به ومناورات الحاشية جعلته في قطيعة مع تامة مع واقع البلاد في آخر عهده”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©