الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ذهب أسود.. تحت الرمال وفوقها

ذهب أسود.. تحت الرمال وفوقها
30 مارس 2011 20:12
في كتابه “بمداد من ذهب أسود/ قصة النفط في المملكة العربية السعودية” يطرح المؤلف محمد أحمد مشاط أسئلة كثيرة لمعرفة الثروة الوطنية التي تدر على المملكة دخلها ودخل مواطنيها.. من أين أتى؟ وإلى أين يذهب؟ وأين يوجد النفط الخام جيولوجياً بالمملكة؟ وماهي أنواعه؟ أي الأنواع أفضل؟ ما هو احتياطي النفط الخام المؤكد بالمملكة؟ كم كانت المملكة تنتج منه يومياً؟ ما هي أشهر الحقول المنتجة؟ ما عدد مصافي التكرير؟ ومن أي الفرضات البحرية والموانئ يصدر؟. وما شابه ذلك. يخصص المؤلف صفحات للإضاءة على أشهر خطوط نقل النفط الخام في منطقة الشرق الأوسط. هو أنبوب يشق طريقه في الصحراء، ومدفون في الرمال أحياناً. هو خط التابلاين، أو ما كان يعرف بخط أنابيب نقل النفط عبر البلدان العربية. كان طوله 1700 كيلومتر تقريباً، وكان يعبر في طريقه أربعة بلدان عربية، ابتداء من مصدر النفط الخام في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، ثم المملكة الأردنية الهاشمية، ثم يمر على مرتفعات الجولان بالجمهورية العربية السورية، إلى أن يصل ميناء الزهراني في جنوب مدينة صيدا بالجمهورية اللبنانية. بدأ العمل لإنشائه عام 1948 وانتهى عام 1950، وكانت طاقته ثلاثمائة ألف برميل يومياً. وبعد أن أمد العالم بما يقارب بليوني برميل من النفط الخام السعودي في سبع عشرة سنة من عمره القصير، توقف العمل، وتفككت أجزاؤه، وتشلّحت أنابيبه في بعض البلدان التي كان يعبرها مساره، بسبب ما تعرضت له منطقة الشرق الأوسط من تغييرات حدودية، وسياسية كان من الصعب استمرار تشغيله فيها. خط التابلاين ويشير محمد أحمد مشاط بأن الغرض من إنشاء خط التابلاين هو تصدير النفط السعودي مباشرة إلى البحر الأبيض المتوسط لإمداد أوروبا التي كانت متعطشة للنفط الخام، فنشأت فيها سوق نفطية مربحة، في مرحلة إعادة بناء القارة التي دمرتها الحرب العالمية الثانية، فاختصرت به المسافة، وكذلك الزمن الذي يستغرقه النفط الخام لوصوله إلى أوروبا. بالإضافة إلى تكلفة الرسوم العالية التي كانت تدفعها ناقلات النفط من أجل المرور في قناة السويس. ويشير أيضاً، أنه وبرغم عمره القصير، كان أسطورة من أساطير صناعة النفط في المملكة العربية السعودية، التي سوف يكون معروفاً فيما بعد في العام 2006م، أن ارضها تحتوي على احتياطي من النفط الخام المؤكد يبلغ قدره 261.5 بليون برميل، أو ما يساوي ربع احتياطي النفط الخام المؤكد في العالم تقريباً. وسوف يكون في أرضها حقل الغوار، الذي سيبلغ ما بقي من الخام فيه نحو سبعين بليون برميل، والذي سوف يكون أضخم حقل نفط على اليابسة في العالم. كما ويقول الكاتب ايضاً، انه سيكون في مياهها الخليجية حقل السفانية، أكبر حقل نفط مغمور في العالم، والذي سيبلغ ما يحتويه من الخام نحو خمسة وثلاثين بليون برميل. عندما أنشئ خط التابلاين، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان إنتاج النفط الخام في المملكة، لا يتجاوز عشرين ألف برميل يومياً. أين ذلك من إنتاجها الحالي الذي يتجاوز تسعة ملايين برميل يومياً؟ وكيف تجري المقارنة بالأرقام القياسية الحالية؟ كما ذكر سابقاً فإن ما بقي من النفط الخام في حقل الغوّار العملاق يساوي سبعين بليون برميل. وأما نوعية خامه فهي ما يسمى بالعربي الخفيف. وتوجد في المملكة خمسة أنواع رئيسة من النفط الخام هي: خام العربي الثقيل، وخام العربي المتوسط، وخام العربي الخفيف، وخام العربي الخفيف جداً، وخام العربي الخفيف الممتاز. وتأتي هذه الأنواع من حقول المرجان، والسفانية، والغوار، والبري، والشيبة، والحوطة وغيرها. ويعرض المؤلف كيف أن المسميات متقاربة جداً، ما قد يتسبب في شيء من التضارب والغموض. ويبيّن إنه عندما نشأت هذه المسميات، في بداية مرحلة اكتشاف النفط بالمملكة، لم تكن هناك مشكلة لأن الخام المكتشف حينها كان إما خفيفاً، أو متوسطاً، أو ثقيلاً. أما بعد تحول شركة أرامكو إلى شركة سعودية خالصة، فقد تأهلت لتقوم بالاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز، خارج مناطق الامتياز التي كانت ممنوحة، ومحددة للشركة القديمة. وباكتشاف خامات حقلي الحوطة، والشيبة، ومن قبلهما خام البرّي الخفيف جداً، فقد أصبحت المسميات تكاد تكون متداخلة. وسوف تكون مشكلة لو تم اكتشاف خام خفيف جديد بكثافة نوعية جديدة. وحيث إن خامات النفط في جميع أنحاء العالم لها بصمات فريدة بحيث إن لكل خام بصمته الخاصة، التي لا يمكن أن يماثله فيها خام آخر، ففي رأي المؤلف أن تسمية الخامات بأسماء حقولها كما هو متبع عالمياً كان أولى لأنه سوف يرفع أي غموض لها. بواكير الاكتشافات تناول المؤلف في أحد فصول كتابه موافقة الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، على توقيع اتفاقية استكشاف النفط في عام 1933 مع شركة “ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا” (سوكال)، بعد عام واحد فقط من توحيد الكيان الجديد في عام 1932م تحت مسمى المملكة العربية السعودية، إذ لم يكن هناك ما يدل على أن هذه البلاد يحتوي في باطنها على كميات ولو ضئيلة من النفط. إلا أن كونها قريبة من البحرين التي ثبت وجود النفط فيها، شجع على احتمال ذلك. وبرغم ذلك فقد مضت خمس سنوات من الاستكشافات وحفر الآبار، من دون أن تصل الشركة إلى كميات تجارية منه تحفز على الاستمرارية في هذه الاتفاقية، التي ساهمت في خسارة كبيرة لملاك الشركة، من غير بارقة أمل في مردود تجاري. حتى ولو كان قليلاً. فمن أجل ذلك عرض المؤلف كيف استدعى الرؤساء التنفيذيون فيها رئيس الجيولوجيين في المملكة الى مقر الشركة الرئيسي بكاليفورنيا، لمناقشته في ما تم من عمليات، وإخباره بقرارهم إيقاف أعمال الاستكشافات. وعدم التصريح له بحفر مزيد من الآبار، نظراً للتكاليف الكبيرة، والخسائر التي تكبدوها. لكنه، في محاولة يائسة منه، استطاع أن يقنعهم بأنه على ثقة من وجود النفط بكميات سوف تغطي خسائرهم. وأوضح أنه يحتاج إلى مزيد من الحفر الأعمق للآبار من أجل العثور عليه. وما علم هو، وما علموا هم، بأنهم كانوا يمشون فوق المحيط ولا يدرون. يعتبر المؤلف بأن اكتشاف النفط بالمملكة العربية السعودية، في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، كان له أثر كبير في توطيد أركان الدولة الفتية. فقد كان توقيع اتفاقية الاستكشاف، كما ذكر بعد عام واحد من توحيدها. ولقد كان دخل النفط العامل الأساس في ثروتها النقدية، التي بدونها لا يمكن لأي دولة أن يقوم بنيانها، أو أن تنفق على مواطنيها، أو أن تؤسس هياكلها الإدارية، أو أن تستقطب موظفيها، والكوادر القادرة على إنشاء الجهاز الحكومي، والبنى التحتية التي تفتقر إليها في شتى الحالات. كل ذلك الإنفاق من ثروة النفط كان شيئاً طبيعياً، وتصرفاً عادياً طبقته معظم الدول ذات المورد الواحد. الذي يعتبر ايضاً من ضمن المسؤوليات التي تتحملها الحكومات من اجل تطوير بلدانها وتقدم شعوبها. يقول الكاتب بأن صناعة النفط السعودية تمتلك اليوم خبرات تراكمية في الاستكشاف، والتحليل، والإنتاج، وفي هندسة الاحتياطي، ما جعلها تحصل على كثير من الجوائز العالمية، وتسجل باسمها براءات اختراعات عديدة. ففي حقل الشيبة قليل هم الذين يعلمون، وأقل منهم الذين يعرفون قصة اكتشاف هذا الحقل والصعوبات التي صاحبت استغلاله. فهو أعظم حقل نفط يتم استغلاله في تاريخ آرامكو السعودية الحديث. فهو يحتوي على الخام العربي الخفيف جداً، الذي كان هناك الكثير من التحديات منذ اكتشافه في عام 1968م إلى أن اتخذ القرار باستغلاله في عام 1995م. وما تحقق كان معجزة فوق الرمال للإنسان السعودي ليس لها نظير في صناعة النفط العالمية في أي مكان آخر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©