الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بنية المسرح

بنية المسرح
30 مارس 2011 20:14
في سياق الحديث عن المسرح الإسباني في عصره الذهبي وعلاقته بالآداب الغربية، وحاجتنا إلى الإفادة الواعية من تجربته، نجد أن المسرح الإسباني سبق نظيره الأوروبي في التركيز على بعض التقنيات الفنية التي تبنتها الحركة الرومانتيكية فيما بعد، خاصة فيما يتصل ببنية العمل المسرحي ذاته، حيث اعتمد على الفصول الثلاثة، وكان الشائع وقتها هو الفصول الخمسة. غير أنه ابتداء من “ثيربانتيس” وحتى من قبله بقليل أخذ الكتاب يقتصرون على ثلاثة فصول فقط. ولم يكن هذا مجرد مسألة تقسيم للأحداث أو توزيع للمناظر فحسب، بل كان يخضع لمنطق وظيفي وجمالي محدد، فمن المعروف أن تطور الحكاية أو ما كان يسمى في لغة النقد المسرحي بالخرافة وانتقالها من العرض إلى العقدة ثم إلى الحل هو الذي يحدد مدى ما يتميز به الهيكل الدرامي من إحكام وضبط. وكلما توافقت الفصول مع مراحل النمو المسرحي أمكن للمشاهد أن يحتفظ بالتوتر اللازم للمتابعة، على أساس أن توافق الفصول وحب الاستطلاع والتشويق مع تصاعد إيقاع الأحداث ضروري لمعرفة ما ستنجم عنه المواقف المتشابكة على التوالي. أما الفترات الواقعة بين المشاهد والفصول فهي التي تسمح بافتراض مرور الزمن مهما كان طوله، وهي التي تسمح كذلك بتصور التغير في مكان الحوادث وتنقلاتها، وقد جاءت مؤثرات الإضاءة، وتقسيم فضاء المسرح بالأدوات الآلية فيما بعد لتعطي حرية أكبر في المسرح المعاصر مع الاحتفاظ بوهم المحاكاة الواقعية. غير أن بساطة الإمكانات التي لدى أهل هذا الفن في العصور الماضية كانت تتطلب منهم تصورا واضحا وحلولا عملية لهذا الجانب الوظيفي بتأثيراته الجمالية. على أنه لم يكن من المعتاد حينئذ تقسيم الفصول إلى مشاهد أو مناظر، بل كان المؤلف يكتفي بالإشارة إلى خروج إحدى الشخصيات أو دخولها في النص ذاته، مما أدى إلى عمليات التوزيع عند طبع المسرحيات على مناظر لتسهيل الأمر على القراء. وهذا ما يحدث الآن تقريبا في المسرح الحديث الذي لا يتوزع على مشاهد أو مناظر، بل يتولى المخرج بوسائله التقنية ضبط الحركة على المسرح متبعا إرشادات المؤلف ومحافظا في الدرجة الأولى على إيقاع الأحداث بالنسق الذي يرتضيه. وقد كانت هناك خاصية أخرى لافتة في المسرح الإسباني تتعلق ببنيته أيضا وهي الطابع الاقتصادي الغالب عليه، بمعنى أن المؤلف يهجم في الفصل الأول من المسرحية على الحدث الرئيسي مباشرة دون مقدمات كثيرة أو تمهيد طويل، فيفاجأ المشاهد عند بدء العرض بالموقف الرئيسي الذي ستبنى عليه الأحداث والتطورات اللاحقة، وعليه أن يتبعها بانتباه شديد، وكان هذا الاقتصاد في المقدمات يخدم العمل الدرامي ويخفف عنه “بالوزن الميت” الذي يثقل على الحركة المسرحية. وفي تقديري أن المسرح العربي مطالب كي يسترد حيويته بالالتزام بهذا المبدأ الاقتصادي الذي ينقذه من الترهل وفقدان الرشاقة لأن ما لا يزيد من تصاعد الموقف يضر بإيقاعه ويشتت انتباه المشاهدين. drsalahfadl@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©