الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ستشدانندن في أعماله الشعرية يرفض الظلم ويتوق إلى الحرية

18 سبتمبر 2009 01:39
عندما يقوم فنان بترجمة عمل يتناول ذات الفن الذي يعمل به، لابد وأن تكون الترجمة على أعلى قدر من الدقة والإتقان، فضلا عن كون اختيار المترجم يتم بعناية فائقة انطلاقا من الخبرات التي يحملها. هكذا كان الحال مع كتاب «كيف انتحر مايكوفسكي وخمسون قصيدة أخرى» للشاعر الإماراتي الدكتور شهاب غانم، الذي نقل هذا الكتاب من الهندية إلى العربية، وهو عبارة عن مختارات من أشعار الشاعر والأديب الكبير ك. ستشدانندن. ويرى غانم أنه أحد أهم شعراء الهند المعاصرين على الإطلاق، خاصة و أنه يجمع في أعماله بين فنية القصيدة العالية ومحتواها الإنساني في أغلب الأحيان. البعد عن الطلاسم يلفت غانم إلى أن «قصائد ستشدانندن حفلت بالصور المبتكرة والمفارقات المدهشة كما في قصائده:الصندوق- الدهليز- رجل معه باب- التأتأة. كما نجد المعاني الإنسانية التي ترفض الظلم وتتوق إلى الحرية مثل قصيدته «إننا نغني بين الخرائب» التي أهداها إلى محمود درويش. و»الحضارة» التي يدين بها الوحشية التي أبيد بها الهنود الحمر. و»ليلة في بوبال» التي تكشف عن أحد الوجوه القذرة للرأسمالية المتوحشة. و»كيف انتحر مايكوفسكي». و»تينامين 1994» التي يدين فيهما قسوة وفجاجة الأنظمة الشيوعية. ويشير غانم إلى أن «ستشدانندن شاعر عميق وحداثي بامتياز ولكن شعره واضح وبعيد عن الغموض، ويعد شعرا حقيقيا يدعو إلى التأمل ولا يتخفى وراء خوائه بالطلاسم». نهضة شعرية يطل غانم على الشعر المعاصر في كيرالا باعتباره مسقط رأس ستشدانندن، ويقول: «إن الحركة الرومانسية دخلت على الشعر هناك في القرن التاسع عشر، وأحدثت نهضة شعرية، فبرزت قصائد أسان المتأثرة بتعاليم بوذا والمصلح الاجتماعي نارايناجورو في تصويره للحب والحياة. ثم برز فالاثول، الذي كان يكتب في أعقاب الكفاح للتحرير من بريطانيا متأثراً بالميثولوجيا والتاريخ والطبيعة . وقد أغنى اللغة بتعابيره الجديدة وجاء بعده إديبيلي بيلا وشنجمبوتزا كريشنا بيلا، وهذا الأخير ألهب خيال القراء بصور الحب واليأس الرعوية التي ما زال تأثيرها ظاهرا على الشعر المعاصر». ويضيف غانم: «استمرت الحركة الرومانسية قوية على أيدي الشعراء أمثال شنكرا كوروب وأديسيري نايار وراما فارما وباسكرن والشاعرة شوجاثا كوماري. وفي الستينات من القرن الماضي وجد كثير من الشعراء أن الرومانسية لم تعد كافية لمعالجة قضايا الحياة المعاصرة، خاصة في المدينة، وظهر التمرد على الرومانسية عند شعراء أمثال أيابانيكر وكاكاد، ثم جاء بعدهم أمثال كادامانيتا راماكريشنان وآتور رفي فارما، وستشدانندن.. وقد أتى الشعراء بصور واستعارات وأشكال جديدة، مثل المرثاة القصيرة والشعر الحر وقصيدة النثر، كما أدخلوا سخرية وهجاء تناقضات الحياة المعاصرة». الشعر الثوري وفي السبعينيات كثر الشعر السياسي الثوري النزعة، وابتدعت استعارات وأساليب جديدة تحت تأثير الحركات الاجتماعية في الهند وأميركا اللاتينية وأفريقيا وأوروبا وبرز أمثال ستشدانندن وسانكارا بيلاي، ثم شعراء أمثال فينايا شاندران وأيابن. ويزيد غانم، بات اليوم الشعر هناك يهتم بقضايا العصر مثل اضطهاد المرأة واضطهاد الريفيين الفقراء وتلوث البيئة والرفق بالحيوان وتمجيد الطبيعة والثقافات المحلية وظهر شعراء عديدون يتناولون مثل هذه القضايا من منظور التحرر من قيود الايديولوجيا. الجبروت والطغيان يعود غانم إلى الحديث عن ستشدانندن واصفا شعريته «إنها ليست مجرد تلاعب بجمالية اللغة ولكنها عين دائمة الحذر تتابع مجرى الأحداث في العالم على جميع الأصعدة، لافتاً إلى أن تلك الميزة تجعل من شهرة قلعة فكرية وأخلاقية تقاوم كل أنواع الجبروت والطغيان، ويؤكد أن نظرة خاطفة في مساهماته الأدبية التي تحتوي على ما يناهز 60 مؤلفا في الشعر والنقد والمسرح وترجمة الشعر من كافة أنحاء العالم، تثبت أنه شاعر حافظ على إنسانية الشعر والأدب دون تنازلات..وأن ستشدانندن ينتمي إلى ذلك التراث الشعري الفذ الذي ينسجم فيه العقل مع القلب إلى حد زوال كل التناقضات بينهما شعريا ومنطقيا، الأمر الذي أدى إلى التكامل الرائع بين أعماله الشعرية والنقدية». عواصف فكرية واكبت كل العواصف الفكرية والسياسية التي هزت العالم منذ ستينات القرن العشرين حياة ستشدانندن، وكان موقف الشاعر من كل هذه التطورات السياسية والفكرية قد اتصف في جوهره بالتزامه الصارم بقيم العدالة والمساواة من ناحية وبأرقى حس جمالي واصطفائية رائعة من ناحية أخرى، لنكتشف بأنفسنا مدى البراعة الفنية التي وصل إليها ذلك الشاعر، وكذا عذوبة المعاني وسمو القيم المتضمنة في شعره، ومن ذلك، قصيدة «كيف انتحر مايكوفسكي» التي جاء في بعضها: (الحب العظيم الذي أعطى أوردة حديدية للشعر الروسي تهاوى وبطاقة الحزب التي حملت الولاء لاثنين وعشرين عاما نُقعت في الدم كما نُقعت أيضا قصيدته في لينين: دم الشاعر الذي لا يروّض جرى بين المخطوطات غير المكتملة: إنذاراً لأولئك الذين نسوا رحمة الغاية في قسوة الوسيلة وأصبعا اتهامية تكبر.. وتكبر وتشير باستمرار إلى فحش السلطة ونذير شؤم لأولئك الرجال الذين يحاولون أن يكونوا آلهة على الأرض). السلام السماوي يذهب غانم في ترجمته مع الشاعر إلى قصيدة أخرى رصدت أحداث ميدان السلام السماوي في بكين في العام 1988 عندما قامت السلطات الصينية بمذبحة بشرية هناك لقمع مظاهرات الطلبة في ذلك الوقت، والقصيدة بعنوان «تينيامين، 1994» التي جاء في بعضها: (يستريح الأزواج على الدم الجاف، ويدردشون والجنود المسلحون بالبنادق يغسلون الدبابات غسلا تاما من اللحم الآدمي والدم ويقفون يحرسون الربيع العابر. وتشخر عاصفة من تحت الأرض. ويرتفع القمر مكتملا مثل عين البعث). وينهي غانم هذه الأشعار المختارة لستشدانندن، بقصيدة موجهة إلى الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بعنوان «المنبوز» يقول فيها: (لا صوت نفير ولا موسيقى قِرَب لأجلي أود فقط أن أصيح من أعلى تل كما يفعل رعاة شياهنا كي يعود خروفي التائه. لا أنهار ولا بحار لي فقط أود أن أغترف ملء يدي ماء من هذا الينبوع المقدس الذي خلقه الله كما يفعل فلاحونا لكي ينطفئ ظمأ العالم. لا قنابل ولا محاربين لأجلي؛ فقط، بينما العدو يضحك، أود أن أغني وأنا أمسك يد قريبي وأرقص في حلقة كما تفعل قبائلنا لكي يفر الأعداء الذين على الحدود في رعب).
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©