حسن ومرقص مباراة سينمائية انتهت بفوز الجميع

فكرة الفيلم للفنان عادل امام الذي احترف اقتحام الملفات الشائكة منذ سنوات وتحمس لها النجم العالمي عمر الشريف بعد ان صاغها السيناريست يوسف معاطي في معالجة كوميدية ساخرة لا تخلو من دلالات عميقة· حسن ومرقص اخراج رامي امام وبطولة عادل امام وعمر الشريف ولبلبة ومحمد عادل امام وهناء الشوربجي والموهوبة الشابة شيري وحسن مصطفى وعزت ابوعوف ويوسف داوود وادوار وضياء الميرغني ومحمد متولي ومحمد شرف وقد تم طبع الفيلم في 99 نسخة عرض! يدخل الفيلم مباشرة في صميم الموضوع ويطرح بصوت مسموع كل ما يجييش في صدور كل جانب ويأخذنا الى احد مؤتمرات الوحدة الوطنية وتشير لوحة في الخلفية الى انه المؤتمر الواحد والخمسون في دلالة الى البعد التاريخي للموضوع حيث يتصافح الرهبان والقساوسة مع مشايخ الاسلام امام الكاميرات بينما نجد كل فريق يهمس لصاحبه بان ما في القلب في القلب· ويهمس احد القساوسة لزميله: احنا لو قعدنا ميت سنة في البلد دي مش حناخد حقنا لا عارفين نبني كنيسة ولا حتى نصلح دورة مياه في كنيسة بدون تصريح يأخذ سنة· ويرد زميله القس: قوللي كام وزير مسيحي في الحكومة؟ قبلات واحضان واللي في القلب في القلب· وعلى الجانب الاخر لا تختلف المشاعر حيث نجد شيخين يتهامسان: احنا اللي مضهطدين· كل ما نبني جامع يبنوا كنيسة·· ثلاثة ارباع فلوس البلد معاهم· هما سايبين حاجة ما بيشتغلوهاش· مديرين بنوك ورؤساء مجالس ادارات الشركات الاستثمارية الكبيرة كلهم أقباط· ضد التطرف ويتحدث الواعظ الشهير الاب ''بولس'' ـ عادل امام ـ الذي يؤكد في كلمته معارضته للفكر المتطرف وضرورة التسامح والتعايش بسلام مع الآخر ويقول ان بعض المسيحيين يثيرون الفتن والضغائن بين ابناء الامة وهم ليسوا مسيحيين وليسوا مصريين وانما هم اعداء الكنيسة والوطن· وتدوي القاعة بالتصفيق· لكن ''جرجس'' ـ محمد امام ـ يشعر بالخوف والقلق على والده ''بولس'' بعد هذه الكلمات الجريئة· وعقب المؤتمر يقود ''جرجس'' السيارة وبجواره والده الاب ''بولس'' ويحذر الابن والده من الكلمات التي ألقاها في المؤتمر لكن الاب يؤكد له انه قال ما يؤمن به وفي لحظات ينتبه الاثنان الى صوت صافرة في السيارة ويشعر الابن بالخطر ويطالب والده بسرعة النزول من السيارة والجري مسرعا وفي لحظات تنفجر السيارة خلفهما وينجوان بأعجوبة· وتنتقل الكاميرا الى احد الاحياء الشعبية بالقاهرة حيث نرى ''الشيخ محمود'' ـ عمر الشريف ـ يؤم المصلين في الجامع وبعد الصلاة يتوجه الى محل العطارة الخاص به ويتوافد عليه اهل الحي لشراء ما يلزمهم وفجأة تصل سيارة شرطة ويتوجه احد الضباط مباشرة الى ''الشيخ محمود'' ويسأله عن شقيقه الهارب ''اسامة''· ويؤكد ''الشيخ محمود'' انقطاع الصلة بينهما منذ فترة· وبعدها نجد ''الشيخ محمود'' وهو يتلقى العزاء في شقيقه ''اسامة'' وبعد انقضاء العزاء يتوجه له اثنان من الملتحين ويصارحانه بأن شقيقه كان هو القائد والمعلم لهم وانه كان أمير الجماعة وأوصى له بالإمارة من بعده· لكن ''الشيخ محمود'' يرفض ويؤكد لهم أنه رجل مؤمن ويؤدي فروضه ولكنه لا يحب الانتماء الى جماعة دينية وتحمل كلماتهم نبرات التهديد والوعيد ويؤكدان له ان هذا فرض عليه ويطاردانه ويترددان عليه في محل العطارة وفي منزله لكنه يصدهم بحزم· ويبدو ان الانتقام جاء سريعا حيث ينفجر محل العطارة بكامله· وبينما يرفض ''الشيخ محمود'' اتهام احد تعترف زوجته ''زينب'' ـ هناء الشوربجي ـ وابنته ''فاطمة'' ـ شيري ـ بانهما تشعران بالخطر منذ شهور وان حياتهما مهددة· وتقر الجهات الأمنية بأن حياة ''الاب بولس'' واسرته في خطر وكذلك ''الشيخ محمود'' وعائلته ويتم الاتفاق على خطة امنية لحماية الاسرتين· ووفقا للخطة الأمنية ينتقل ''الاب بولس'' ـ عادل امام ـ وزوجته ''ماتيلدا'' ـ لبلبة ـ وابنه ''جرجس'' ـ محمد عادل إمام ـ الى احدى قرى محافظة المنيا· وتتغير اسماؤهم ليصبح ''الاب بولس'' ''الشيخ ''حسن العطار'' و''ماتيلدا'' تتحول إلى ''زينات'' المحجبة و''جرجس'' الى ''عماد'' وهناك يتعرضون لمفارقات كوميدية عديدة حيث يتصادف تشابه اسم ''حسن العطار'' مع اسم احد الأولياء ويلتف حوله أهل القرية ويقودهم ''الشيخ بلال'' ـ حسن مصطفى ـ ويطلبون منه الفتوى في أمور دينهم ثم تتصاعد الضغوط حتى يقرر ''بولس'' السفر مع اسرته الى الاسكندرية بعد أن أخطر أجهزة الأمن ليقيم بمنزل صديقه ''وليم'' ويفاجأ الجيران ومعظمهم مسيحيون بان الساكن الجديد مسلم· اما ''الشيخ محمود'' فقد انتقل للسكن في الشقة المقابلة ''للاب بولس'' ولكنه تخلى عن لحيته وحمل اسم ''مرقص'' وتحولت زوجته ''زينب'' الى ''تريزا'' بعد ان خلعت الحجاب وابنته ''فاطمة'' الى ''مريم'' وتتصادق الاسرتان وتنمو العلاقات الانسانية بصورة عميقة حتى يقررا افتتاح مخبز مشترك ووسط دعاوى الطائفية واستنكار اهالي الحي من المسلمين والاقباط يزداد الترابط وتنطلق شرارة الحب بين ''عماد'' و''مريم'' وكل منهما يتصور إن الآخر ينتمي الى ديانته الحقيقية حتي يتصارحا بالحقيقة وفي نفس الوقت يكون الحقد قد ملأ قلب ''هاني'' ـ ادوارد ـ الشاب المسيحي ابن تاجر المجوهرات بالحي لما يلاحظه من ميل عاطفي بين ''مريم'' و''عماد'' ويشيع في الحي ان ''مريم'' المسيحية احبت ''عماد'' المسلم وتندلع النار بين المتطرفين من الجانبين ويحرقون المخبز ويشعلون النار في منزل ''مرقص'' و''حسن'' وفي مشاهد انسانية مؤثرة نجد ''ماتيلدا'' تخرج الى الشارع بقميص النوم ويسرع ''الشيخ محمود'' ليضع سترته فوقها أما ''بولس'' فلا يتردد امام صوت استغاثة ''فاطمة'' ووالدتها ويدخل وسط النيران لانقاذهما ويخرج الجاران وكل منهما يشكر الاخر لما فعله مع اهله وتتشابك الايدي بقوة بينما المتطرفون من كل فريق يواصلون الفوضى وتوجيه اللطمات الى ''الاب بولس'' و''الشيخ محمود'' ولكن الايادي تظل متشابكة ليعبرا المأزق معا· عن التنفيذ الفكرة العبقرية التي اختارها عادل امام نجح السيناريست يوسف معاطي في معالجتها بأسلوب فني بعيد عن المباشرة لمس ببراعة الكثير من المناطق الشائكة في العلاقة بين الأقباط والمسلمين· اما الاداء فقد تألق عادل امام وعمر الشريف ليقدما مباراة ممتعة وامام مقدرة ولياقة عادل امام الكوميدية استولى النجم العالمي عمر الشريف بحضوره الطاغي وحرفيته على المشاعر باداء سلس وبذكاء كان يفجر الضحكات بنظرة وإيماءة· ولفتت شيري الانظار في اول بطولة سينمائية لها· واكد محمد امام انه يحمل خفة ظل وراثية بلا افتعال· وادت لبلبة شخصية ''ماتيلدا'' باقتدار· واضاف ادوارد لرصيده الفني من خلال شخصية ''هاني'' وتميز الفنان الكبير حسن مصطفى بتلقائيته المعهودة في شخصية ''الشيخ بلال''· واجتاز رامي امام تجربة مهمة تضعه في مصاف كبار المخرجين خاصة مشاهد المجاميع المتعددة والتفجيرات· ولعبت الموسيقى التصويرية لياسر عبدالرحمن دورا مؤثرا في الحالة الوجدانية التي صنعها الفيلم واختار بعناية جمل موسيقية من التراتيل القبطية والابتهالات الاسلامية· وكانت الاضاءة التي وظفها ببراعة مدير التصوير احمد عبدالعزيز احد عناصر المتعة البصرية· واستطاع المونيتر ماجد مجدي ان يحقق الايقاع المتوازن والملائم للاحداث· وكانت لمسات ناهد نصر الدين شديدة الذكاء في اختيار الملابس التي عكست المستوى الاجتماعي للشريحة المتوسطة التي تنتمي لها كلتا الاسرتين· ويبقى ان فيلم ''حسن ومرقص'' يعد اول فيلم عربي يتناول بعمق ودقة اشد التفاصيل في ازمة التعايش مع الآخر والمهم ألا يحاول كل طرف ان يسيء قراءة الرسالة النبيلة التي يدعو لها وألا تكون هناك دعاوى قضائية تطالب بوقف عرضه كما حدث في الكثير من افلام عادل امام