الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا اللاتينية.. تكافح الفساد

22 ابريل 2018 00:52
بعد عامين من المحاكمات والتحقيقات، لا تزال فضيحة «لافا جاتو» أو «غسيل السيارات» تحدث الفوضى في السياسة البرازيلية. ففي الرابع من أبريل الجاري، أصدرت المحكمة العليا البرازيلية حكمها في الطعن المقدم من الرئيس السابق «لويز ايناسيو دا سيلفا» لتجنب السجن ومنع الترشح لتولي المناصب مرة أخرى. ورغم التقدم الذي أحرزه في استطلاعات الرأي الخاصة بالانتخابات الرئاسية والتي ستجري في أكتوبر، فإنه لن يشارك فيها، وربما يشاهد نتائجها من السجن. وبالمثل، اضطر الرئيس «بيدرو بابلو كوتشينسكي»، رئيس بيرو، الشهر الماضي، إلى الاستقالة بعد ضبط أنصاره وهم يشترون الأصوات ضد عزله الوشيك. واتُهم كوتشينسكي بالحصول على أموال من مجموعة البناء البرازيلية «أودبريشت» قبل عقد من الزمان. وكان أحدث زعيم في أميركا اللاتينية يسقط في سلسلة من فضائح الفساد، لكن ربما ليس آخرها. ومع ارتفاع حدة الحملة الانتخابية في المكسيك، يتفق النقاد واستطلاعات الرأي في أن القضية المهيمنة بالنسبة للعديد من الناخبين هي الفساد. ويتهم كل مرشح الآخرين بالتورط في الفساد، سواء بالتواطؤ في ذلك أو التغاضي عنه. وربما سيكون الفائز هو المرشح الأكثر قدرة على إقناع الناخبين بفاعليته في مكافحة البلاء التقليدي للمكسيك. فهل بدأت الأحداث الأخيرة ضد الفساد في تهديد الديمقراطية وحكم القانون بدلا من تعزيزهما؟ هناك حجة لتبرير هذه الشكوك، لكنها حجة ضعيفة، وفي النهاية، مغلوطة. ومهما كانت عيوب ومخاطر حملة مكافحة الفساد الحالية، فهي أفضل من الوضع الراهن غير المحتمل. وفي الأرجنتين، ظهرت فضائح تشمل إدارات «كريشنر» و«فيرناندز» وتخضع حالياً للمحاكمة. وفي السلفادور وجواتيمالا وهندوراس، فإن الرؤساء السابقين إما في السجون أو قيد التحقيق أو يشتبه في تورطهم في فساد واسع النطاق. ومن المفيد أن نتذكر أن المنطقة اشتهرت لعدة عقود بالفساد واسع الانتشار. ففي عام 1992، قدم رئيس البرازيل «فيرناندو كولور دي ميلو» استقالته قبل اتهامه بالفساد، وتم اكتشاف ملايين الدولارات في بنك «ريجز» في واشنطن «مودعة باسم ديكتاتور تشيلي السابق «اوجستو بينوشيه»، ويشتبه في أن الرؤساء المكسيكيين الذين حكموا البلاد في فترات تعود لأربعينيات القرن الماضي قد خبؤوا ثروات هائلة. وكل هذا مر دون عقاب، لكنه لن يتكرر بعد الآن. والقضية الآن ليست ما إذا كانت الحملة ضد الفساد في أميركا اللاتينية ستستمر أم لا، ولا ما إذا كانت تمثل تغييراً كبيراً في الإجراء التشغيلي المعياري للمنطقة، بل تتمثل فيما إذا كان انعدام الثقة في الحكم الديمقراطي الذي أتى بهؤلاء الفاسدين، أكثر ضرراً من الخطيئة الأصلية نفسها؟ في البرازيل، حيث مارس القضاة المستقلون تأثيرا مباشرا على عملية الانتخابات، ألم يفتحوا الطريق أمام المتعصبين المتطرفين مثل المرشح المحافظ «يائير بولسونارو» وفي نفس الوقت جعلوا البلاد غير قابلة للحكم؟ وهل الدعوات إلى إنشاء لجنة تقصى حقائق مدعومة دولياً حول انتهاكات الفساد وحقوق الإنسان في المكسيك هي عرض يثبت أن المجتمع المدني قد ضاق ذرعا بالفضائح التي تتلاشى أمام نظام العدالة الضعيف في البلاد؟ الحقائق على الأرض هي أنه باستثناء دولة أو دولتين –أوروجواي وتشيلي وربما كوستاريكا– لم تسلم أي دولة في أميركا اللاتينية من عشرات فضائح الفساد. ولم تعمل المؤسسات القائمة وحدها على نحو فعال. وفيما يتعلق بمحاربة الفساد الذي أكسب المنطقة سمعة سيئة حتى اليوم، فقد أثبت التعاون الدولي أنه لا غنى عنه لجلب المجرمين إلى العدالة أو على الأقل تحديدهم وإهانتهم لأجيال قادمة. وربما يكمن أفضل مثال في جواتيمالا والأرجنتين، حيث تم توجيه الاتهام للحكام العسكريين السابقين والحكم عليهم بالسجن بسبب ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. ويبدو أنه لا خيار أمامنا سوى بذل كل المحاولات للتعامل بطريقة قانونية وديمقراطية وفعالة مع غياب العقاب لصالح اعتبارات أخرى: بناء المؤسسات، والسيادة الوطنية، والاستقرار السياسي، والأداء الاقتصادي.. على المدى القصير. لقد كانت التطورات التي حدثت خلال السنوات الماضية في جميع بلدان المنطقة إيجابية وتبعث على الأمل. وبالمثل، فإن نقل الفساد إلى مستوى يتخطى الحدود الوطنية والذي يجب معالجته من خلال التعاون الدولي لا يعني التخلي عن السيادة، بل هو تغيير مرغوب فيه. وفي الواقع، ربما يكون هذا هو المسار الأكثر إبداعاً وإنتاجية لمحاربة الفساد. وهو، بحكم التعريف، ظاهرة تتخطى الحدود القومية: فالأشخاص الذين يسرقون المال يخفونه بعيداً عن المكان الذي سرقوه منها. إن فضيحة أودبريشت، وأوراق بنما، وقانون الممارسات الأجنبية الفاسدة في الولايات المتحدة، والتشريع المكافئ له في الاتحاد الأوروبي.. كلها مؤشرات على الحاجة إلى مكافحة الفساد خارج الحدود الوطنية. كما أن إدراج الفصل الخاص بمكافحة الفساد في اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) الجديدة، والتي يتم التفاوض بشأنها حاليا من قبل المكسيك والولايات المتحدة وكندا، هي خطوة في الاتجاه الصحيح. بيد أن هناك الكثير مما ينبغي عمله فيما يتصل بهذا النهج الذي يتجاوز حدود الأوطان. وعلى سبيل المثال، ينبغي أن تتعاون البلدان لتبادل المعلومات بشأن الحسابات المصرفية والأصول والسفر، على وجه السرعة وبشكل كامل، وأن تخضع تأشيرات السفر والممتلكات والمقتنيات المالية لشهادة السلامة الصحية بالنسبة للأفراد والشركات، بما في ذلك الشركات الصورية. وهناك حاجة لتطبيق قوانين الضرائب بصرامة، إلى جانب الاستجابة السريعة والنزيهة لأوامر الاعتقال والتسليم، ومراقبة عمليات الاستحواذ والبيع والتبادلات. معظم هذه الإجراءات تحدث بالفعل بين الدول الغنية: أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والاتحاد الأوروبي، وهي بالكاد تبدأ بين دول أميركا اللاتينية والولايات المتحدة. وعندما يبدأ نصف الكرة الغربي في مكافحة الفساد بنفس القوة التي يشن بها الحروب على المخدرات والهجرة، فإن أموراً كثيرة ستتغير في أميركا اللاتينية. إن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، ولكنها بحاجة للمضي بسرعة أكبر. *وزير الخارجية المكسيكي السابق، وعضو في مجلس إدارة «هيومان رايتس ووتش» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©