السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السودان وحكايات الفساد

31 مارس 2011 00:11
الشباب اليوم محط الأنظار في كل عالمنا العربي، والحكومات تنظر إليهم هم و"الفيسبوك" مصدر الخطر السياسي القادم، والشعوب تنظر إليهم وإلى حركاتهم وتنظيماتهم ونشاطاتهم الجياشة مصدر الأمل والرجاء في تغيير الحال المايل في أوطانهم. وليس في ذلك غرابة، فمنذ عرف العالم العربي الثورات والانتفاضات في مطلع القرن العشرين، كان شباب ذلك الزمن هم طليعة حركة الثورة والنضال ضد الحكم الاستعماري، الذي جثم على الوطن العربي بعد الحرب العالمية الأولى. وشباب ذلك الزمن الذين قادوا الثورات والانتفاضات الوطنية. كان الشباب هم الطلائع والرواد الذين رفعوا رايات الثورات وقدموا الشهداء، وسيسجل التاريخ أن شباب العرب في القرن العشرين، هم الذين أشعلوا نار ونور الثورة القائمة الآن التي بدأت حركتها في تونس وبعدها مصر وما سيسبقها من ثورات وانتفاضات من أجل التغيير وإعادة بناء الوطن الذي شاخت حركة الأحزاب فيه وتوقفت فيه عجلة التطور والتقدم. وليس السودان الوطن وشبابه استثناء من ذلك، فعقب اجتماع حاشد عقده البشير رئيس حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم مع كوادر الحزب من الشباب وصف بأنه اجتماع للتنوير والمصارحة، ورشحت عنه أخبار أن الشباب كانوا صريحين وصادقين في حوارهم وأسئلتهم والتعبير عن أفكارهم. وأعلن البشير أنه سيصدر مرسوماً جمهورياً بتشكيل مفوضية خاصة لمكافحة الفساد، ووعد بأن الحرب على الفساد لن تستثني أحداً، وأنه عازم على أن يجتث الفسـاد من جذوره. ويبدو مما سرب من أخبار أن الشباب قد تحدثوا مع رئيس حزبهم بما يدور في المجتمع السوداني من اتهامات وحكايات وأساطير عن الفساد الذي يراه الناس قد تمكن من المجتمع وصار القاعدة وليس الاستثناء. ولم يبدُ غريباً على الناس أن يصرح الرئيس علناً بالحرب على الفساد وأن يلتزم بتشكيل مفوضية خاصة لمكافحته، ذلك أمر لم يعد خافياً على الناس ويكفي مراجعة تقارير المراجع العام (المعين بقرار جمهوري)، ناهيك عما يراه الناس بأعينهم من شواهد الفساد ونهب المال العام والإفراط في البذخ في "مصاريف" الحكومة وما يعلموه عن الصفقات والعطاءات، التي أصبحت مدار حديث الناس العامة والخاصة منهم. فالناس ما زالوا يتساءلون ويريدون إجابات شافية للطرق والوسائل التي خصصت به وبيعت شركات ومشروعات القطاع العام وآخرها "سودانير" وبدايتها مصلحة التلفونات. وما بينهما ما هو معروف في المجتمع السوداني ومنشور في الخارج.. لكن "سعادة" الناس وإعجابهم "بشجاعة" الرئيس الذي ألزم نفسه أن يعلن الحرب على الفساد (وهو دون شك يعرف أن قضية الفساد تأتي بالنسبة لشعبه على رأس قائمة مطالب التغيير والعدل)، لم تكتمل كما كان يجب أن يحدث لها. فبعد صدور قرار الرئيس بأيام، أعلن كبير مستشاريه للأمن القومي والرجل الذي ظل قابضاً على جهاز أمن الثورة والبلد أن قضية الفساد في السودان ليست في السودان، وهي لا تشبه ما عرف وسيعرف عن بلاد أخرى استشرى فيها الفساد حتى أشعل الثورات الشعبية التي أطاحت برؤساء وأنظمة كان الناس يحسبون سقوطها مستحيلاً. لماذا؟ يقول كبير مستشاري الرئيس الأمني إن حكومة وقيادة الإنقاذ رجالاً ونساء أطهار منزهون عن الفساد والإفساد، وهم كأهل بدر، أو كما سماهم يوماً صحفي وكاتب إسلامي مصري (إنهم كالصحابة). وفي قول المستشار الأكبر إنه ربما كانت هنالك "حالات فساد" في الجهاز الحكومي، ولكن ذلك قاصر على المستويات الدنيا، وربما بعض الوسطى ولكنها لا تطال القادة والوزراء والحكام الأطهار الأتقياء المنزهين على الفساد والإفساد! لذلك لم يكن غريباً أن يكتب كاتب إسلامي وأكاديمي محترم في الصحف في تعليقه على بشرى الرئيس بإعلان الحرب على الفساد أنه سينظر ليرى مَنْ مِن الرجال سيشكل الرئيس مفوضية لمكافحة الفساد، لأن الجواب يُعرف من عنوانه! وكثير من السودانيين غيره يقولون إن مؤسسة الفساد الذي استشرى في عهد الإنقاذ قد أصبحت اليوم أقوى وأكبر من كل المؤسسات الرسمية المكلفة بمكافحة الفساد، ومن كل المسؤولين الأطهار الأتقياء الذين يفخر بهم مستشار الرئيس للأمن القومي، لقد ضربت مؤسسة الفساد المجتمع السوداني وأصبح لها "حزبها" الذي هو أقوى الأحزاب اليوم. وامتدت جذوره وعضويته وشملت أعضاء كباراً من غير السودانيين الذين شجعتهم وأغرتهم سياسات الحكومة ليحيلوا السودان إلى مزرعة يمارسون فيه كل أنواع وأشد أنواع الفساد. وسننتظر مع المنتظرين، كي نرى إلى أين ستصل المفوضية المكلفة؟ وهل سيستطيع ذراعها أن يصل إلى قمة هرم مؤسسة الفساد؟ عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©