الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هندوراس واستمرار الأزمة السياسية

هندوراس واستمرار الأزمة السياسية
19 سبتمبر 2009 00:00
تعقدت الآن الأزمة أكثر في هندوراس بعد خطوة واشنطن الأخيرة التي ربما تكون قد أعاقت الطريق أمام مصالحة وطنية في ذلك البلد الواقع بأميركا الوسطى، فقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية مطلع الشهر الجاري وقف مساعداتها التي كانت تقدمها لهندوراس، فضلا عن فرض عقوبات إضافية على أعضاء الحكومة الانتقالية وأنصارها، والهدف هو ممارسة المزيد من الضغوط على الحكام الجدد وإجبارهم على استدعاء الرئيس المخلوع، مانويل زيلايا، بعدما أطيح به في 28 يونيو الماضي من قبل الجيش بتعليمات من المحكمة العليا والبرلمان بسبب محاولاته الترشح لولاية أخرى ضداً عن الدستور الذي يمنع ذلك. ومنذ الإطاحة بالرئيس انطلقت مفاوضات تدعمها الولايات المتحدة ويقودها رئيس كوستاريكا، أوسكار أرياس، للتوصل إلى تسوية بين الحكومة الفعلية في هندوراس والرئيس المخلوع، ولكن يبدو أن المباحثات تعطلت ولم تفض إلى نتيجة ملموسة ما حدا بالكونجرس الأميركي الذي يستعد لاستئناف دورته التشريعية بعد فترة الإجازة الصيفية إلى التحذير من أن صبره بدأ ينفد. وهذه الإجراءات كلها تبقى معقولة ومنطقية لو لم تتخذ وزارة الخارجية خطوتها الأخيرة بسحب دعمها للانتخابات الوطنية المقرر عقدها في 29 نوفمبر المقبل والتي خطط لها منذ فترة طويلة، والمشكلة أن الموقف الأميركي المستجد من الانتخابات لا تقتصر أضراره على الولايات المتحدة ومكانتها في أميركا اللاتينية، بل تمتد أيضاً إلى مستقبل الديمقراطية في المنطقة. فقد أعلنت واشنطن عملياً أن الانتخابات الجديدة تعوزها الشرعية إذا لم تتراجع الحكومة الحالية وتسمح للرئيس زيلايا بالعودة إلى البلاد، والحال أنه بدون انتخابات ديمقراطية وشفافة لن تستطيع هندوراس الخروج من أزمتها الحالية، ولن تتمكن الأطراف المتصارعة من حل خلافاتها، ولأن الانتخابات القادمة حُسم موعد تنظيمها منذ فترة طويلة كما اختير مرشحوها وفقاً لآليات ديمقراطية أفرزتها الانتخابات الداخلية للأحزاب، وبما أن الرئيس زيلايا غير مؤهل أصلا للمشاركة في الانتخابات بموجب الدستور فإن الاستحقاق القادم كان سيمثل فرصة جديدة لهندوراس لطي صفحة الخلافات ولتبدأ عهداً جديداً برئيس منتخب وحكومة شرعية منبثقة من صناديق الاقتراع. لكن بدلا من ذلك ضيقت واشنطن على نفسها الخيارات بإعلانها عدم دعم الانتخابات. فقد بات معروفاً اليوم عدم فعالية العقوبات التي تستهدف القادة المتمسكين بالحكم ولنا في السوابق التاريخية خير مثال إذ لم تسجل أي من العقوبات المفروضة على كوبا أو هايتي أو جنوب أفريقيا، أو حتى إيران، نجاحاً يشجع على استنساخها في حالات أخرى. وأكثر من ذلك يبدو أن الموقف الأميركي ساهم فقط في تعنت الحكومة في هندوراس، إذ بعث وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة رسالة بتاريخ 3 سبتمبر الجاري إلى وزارة الخارجية الأميركية يتعهد فيها بعدم عودة زيلايا، والواقع أن أميركا تستطيع فرض ما تشاء من عقوبات وخفض ما يحلو لها من معونات دون أن يعني ذلك الانتصار في الأخير، وهو ما يدفعني إلى الاعتقاد بأن واشنطن حشرت نفسها في زاوية ضيقة. ولذا يتعين على الولايات المتحدة التفكير في التداعيات الأوسع لتعطيل انتخابات كانت مقررة سلفاً بدعوى أنها غير شرعية، هذا في الوقت الذي تثير فيه الأزمة المستمرة في هندوراس أسئلة جوهرية حول ما إذا كانت شرعية الانتخابات، مهما كانت حرة ونزيهة وتشرف عليها هيئات مستقلة وذات مصداقية، تعتمد على شرعية الحكومة التي تنظمها، فلو كانت الانتخابات غير شرعية في هذه الحال فقط لأن الجهة المشرفة عليها لم تنبثق عن صناديق الاقتراع لما أمكنت تسوية الأزمة في نيكاراجوا عام 1990 عندما نظمت ديكتاتورية دانيال أورتيجا انتخابات حرة، ولما أمكن أيضاً حل مشكلة الحكم في تشيلي عبر انتخابات أنهت نظام بينوشيه الديكتاتوري مع أنها جرت بموافقته. فإلى أين يتجه الآن الوضع في هندوراس بعد هذه الخطوة الأميركية؟ الحقيقة أن الحكومة الحالية إذا تراجعت وسمحت بعودة زيلايا إلى الحكم فإن المقامرة الأميركية تكون قد نجحت، ولكن إذا لم يعد الرئيس المخلوع قبل الانتخابات، فإن الوضع سيتعقد أكثر، إذ يمكننا تأجيل الانتخابات والانتظار حتى رجوع زيلايا، إلا أن ذلك سيضر بالمؤسسات الديمقراطية في هندوراس وفي الوقت نفسه سيمدد الأزمة إلى أجل غير مسمى، كما أن اللجوء إلى القوة لإرجاع الرئيس والاستعانة بالجيش الأميركي ستترتب عليه خطورة زعزعة الاستقرار في المنطقة وتأليب الرأي العام في أميركا اللاتينية ضد الولايات المتحدة، ليبقى الخيار الأفضل ربما هو التراجع عن تصريحاتنا الأخيرة بشأن عدم الاعتراف بالانتخابات وتركها تمر دون مشاكل لنعلن في الأخير أنها كانت حرة ونزيهة، وهذا هو أكثر الخيارات واقعية. إيريك فارنزوورث نائب رئيس مجلس الأميركيتين بواشنطن ومستشار سابق في البيت الأبيض ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان سيانس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©