أحمد مراد (القاهرة)
تابعي جليل، يعده أصحاب الطبقات من الطبقة الأولى من جيل التابعين في اليمن، من أكثر الناس زهداً وورعاً وأشدهم في الحق.
هو ذكوان بن كيسان اليمني الحميري، ولد في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، أمه من أبناء فارس، وأبوه من واسط، وكان مولى بحير الحميري، وسمي طاوساً لأنه كان طاوس القراء.
تتلمذ طاوس على أيدي عدد من الصحابة، حيث روى عن زيد بن ثابت وأم المؤمنين عائشة وأبي هريرة وزيد بن أرقم وابن عباس وابن عمر وابن عمرو رضي الله عنهم، وقيل إنه أدرك خمسين من الصحابة، وتلقى على أيديهم العلم الشرعي والحديث النبوي.
مدحه وأثنى على علمه العديد من العلماء والأئمة، فقال عمرو بن دينار: حدثنا طاوس ولا تحسبن فينا أحداً أصدق لهجة منه، وقال ابن حبان: كان من عُباد أهل اليمن ومن سادات التابعين مستجاب الدعوة، حج أربعين حجة، وقال عنه الذهبي: الفقيه القدوة عالم اليمن الحافظ كان رأساً في العلم والعمل، وكان شيخ أهل اليمن وبركتهم ومفتيهم، له جلالة عظيمة، وكان كثير الحج، وقال النووي عن طاوس: هو من كبار التابعين والعلماء والفضلاء الصالحين، ثم قال: واتفقوا على جلالته وفضيلته ووفور علمه وصلاحه وحفظه وتثبته، وقال حنظلة بن أبي سفيان: ما رأيت عالما قط يقول: لا أدري أكثر من طاوس.
أقوال مأثورة
ومن أبرز أقواله المأثورة: ما من شيء يتكلم به ابن آدم إلا أحصي عليه حتى أنينه في مرضه، وقال: البخل أن يبخل الرجل بما في يديه، والشح أن يحب أن يكون له ما في أيدي الناس، وقال لابنه: يا بني صاحب العقلاء تنسب إليهم وإن لم تكن منهم، ولا تصاحب الجهال فتنسب إليهم وإن لم تكن منهم، واعلم أن لكل شيء غاية، وغاية المرء حسن عقله.
وقال أبوعبدالله الشامي: استأذنت على طاوس لأسأله عن مسألة فخرج علي شيخ كبير فظننته هو، فقال: لا، أنا ابنه قلت: إن كنت ابنه فقد خرف أبوك، قال: تقول ذاك؟ إن العالم لا يخرف، قال: فدخلت فقال لي طاوس: سل وأوجز، وإن شئت علمتك في مجلسك هذا القرآن والتوراة والإنجيل، قلت: إن علمتنيها لا أسألك عن شيء، قال: خف اللهَ مخافة لا يكون شيء عندك أخوف منه، وارجه رجاء هو أشد من خوفك إياه، وأحب للناس ما تحب لنفسك، قلت: وهذا جماع كل خير في الدنيا والآخرة ومما اتفقت عليه شرائع الله في القرآن والتوراة والإنجيل غير المحرفين.
وقال عطاء: جاءني طاوس فقال لي: يا عطاء إياك أن ترفع حوائجك إلى من أغلق دونك بابه، وعليك بطلب حوائجك إلى من بابه مفتوح لك إلى يوم القيامة طلبك أن تدعوه ووعدك الإجابة.
قال ابنه: قلت لأبي: أريد أن أتزوج فلانة، قال: اذهب فانظر إليها، قال: فذهبت فلبست من صالح ثيابي وغسلت رأسي وأتيت، فلما رآني في تلك الهيئة قال: اقعد لا تذهب، كأنه خشي أن يدلس عليها وأحب أن يذهب بثيابه وبهيئته.
صدق دائم
بعث محمد بن يوسف أخو الحجاج إلى طاوس بـ700 دينار وقال لمبعوثه: إن أخذها منك فإن الأمير سيكسوك ويحسن إليك، من أجل أن يؤكد عليه أن يقبلها منه فخرج بها حتى قدم على طاوس، فقال: يا أبا عبدالرحمن هذه نفقة بعث الأمير بها إليك، قال: ما لي بها من حاجة، فأراده على أخذها فأبى أن يقبل طاوس، فرمى بها في كوة البيت ثم ذهب فقال: أخذها - من أجل أن يأخذ الجائزة - فلبثوا حينا، ثم بلغهم عن طاوس شيئاً يكرهونه، فقالوا: ابعثوا إليه فليبعث إلينا بمالنا، فجاءه الرسول فقال: المال الذي بعث به إليك الأمير، فقال: ما قبضت منه شيئاً، فرجع المبعوث فأخبرهم، فعرفوا أنه صادق، فقال: انظروا الذي ذهب بها فابعثوا إليه، فبعثوه فجاءه وقال: المال الذي جئتك به يا أبا عبدالرحمن، قال: هل قبضت منك شيئا؟ قال: لا قال: هل تعلم أين وضعته؟ قال: نعم، في تلك الكوة، قال: انظر حيث وضعته، فمد يده فإذا هو بالصرة قد نسجت عليها العنكبوت، فأخذها فذهب بها إليهم.
توفي طاوس في المزدلفة قبل التروية بيوم سنة 106 هجرية، وعمره 94 سنة.
عدد اليوم
