الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الخطأ.. كلبٌ عوَّاءٌ أيضاًً

الخطأ.. كلبٌ عوَّاءٌ أيضاًً
25 مايو 2017 03:30
الشاعر والكاتب الإماراتي عبد العزيز جاسم، استطاع منذ قصيدته الشعرية الأولى في الثمانينيات أن يفرض فرادته الشعرية في تأملها الحر، وشغفها الفكري الحاد بوعيها المعرفي والنقدي، وسؤالها الإنطولوجي العميق، وإخلاصها العنيد ليقظة الضمير في بحثه الشعري عن خلاص لإنسانية مطحونة بقلق الوجود، وشك اليقين، وجموح اختراق النمط. تجربة عبد العزيز جاسم، لا يمكن فصلها في سفرها الإنساني المجنَح، عن تجربته الفكرية بأبعادها الفلسفية القائمة على التحليل والاستنتاج بروح الشاعر الثاوية الغاضبة بألم نادر على ما آلت إليه روح الإنسان من «تشيئ «وتشظي»، وجسدت مؤلفاته الشعرية والفكرية محاولة دونكيشوتية لإعادة تصويب اعوجاج جسد الحياة، والدفاع عن براءة الإنسانية في تفتحها البكر. هذه الشذريات مستمدة من أعماله الشعرية (الجزء الأول)، ومن مؤلفه الفكري /‏‏‏ الفلسفي «جحيم نيوتن»، وكتابه «الكلمات وأثر التنادي» الصادرة مؤخراً عن دار التنوير- بيروت. إن ولادتنا هي محطة ترانزيت لطيفنا القادم من أرض البراءة القصوى، إلى أرض التاريخ المرَّ والزمن الفظ. *** لقد عبرنا كالملاحين بين ضفتي الأبد والأزل، من دون أن نعرف السباحة أو الإبحار. إننا قادمون بجرسنا الذهبي وبنشيد صلصالنا، حيث نتأهب كالجدول الرقراق لدخول العالم. *** وحدها أغنية مولدنا الأولى، هي من تعلمناها بمفردنا من دون معلم ولا مُرشد. إنها ثمرتنا السماوية التي وهبت لنا من دون مقابل، بل هي نورنا المستحق والمنشود. *** فيما يتعلق بالحياة، فهي بمعنى من المعاني، ليست إلا إبرة حادة من الجهتين، قبض بالراحتين ومن الطرفين، ثم يتم الضغط في اتجاهين متضادين، حتى تعبر الإبرة من كل كف. *** سيظل نيتشه هو الحد الفاصل بين عصر العقل المحض منذ أفلاطون وحتى هيغل، وبين عصر الشِّعر الذي لا تكتمل بدونه الحقيقة الفلسفية أبداً. *** الألم يقظة، رنين جرس يوقظ القوة الثاوية في أعماقنا، ويجعلنا في موعد الاستحقاق. الألم كذلك، تذكرة ميلاد. *** الطين هو تاريخ العالم وأرشيفه المندثر، هذا العالم الذي يبدو أنه لم يقل كلمته الأخيرة بعد. *** المنفى كان شرط الوجود وقرين المعرفة. والمنفى كان سبب الموجود وقرين العارف. *** البواطن درس المعنى، وطن الذات والعالم المجهول، وهي الفضاء الأنطولوجي للمنفى. *** نحن نغرق ونموت لأننا نغرق ونموت، ونحن ننجو ونحيا لأننا ننجو ونحيا، لكننا في الحالتين نتحول ونتغير ونصبح شيئاً آخر. *** سؤال الهوية في العمق هو سؤال وجودي يحيل إلى ترقِّي الروح الفردية والجماعية ثقافياً، أو ذوبانهما وانحلالهما وفنائهما معاً. *** لا الثقافة في رسالتها وإنسانيتها ونبلها الحقيقي، ولا الدين في نقاء قيمه الروحية وسلامة نياته السماوية، لهما علاقة بانفجار لحظات الإبادات في العالم، بل الإبادات تحدث بالضبط عندما يتم خطف الاثنين معاً. *** النقد هو معول إيقاظ ذهبيّ يهدّم إرادة الخطأ، ويقلب قشرتها بهدوء وعلى أسس منهجية وعلمية وتأملية. *** إن العظمة المرافقة للموسيقا، ولكل الفنون الأخرى، هي في أنها تعلمنا وتمنحنا الحرية والتحرر والحياة والحب والسَّكينة والرحمة والصلاة والتسامح. *** عدو الحياة والكائنات الأول، ليس الموت وحده كما نظن، وإنما الزمن أيضاً، الذي لا يلتفت إلى الوراء مطلقاً ويقود كل شيء نحو النضوب والانحلال والنهايات. *** يبدو الإرهابي في صورته المكبرة على أنه أقرب إلى المسخ من الإنسان، بل هو أشبه بـ«بهيمة جامحة، تبدو مشحونة بنشوة دنيئة» قاتلة. إنه المثال الأكثر بشاعة وقبحاً ورعباً لمصاصي الدماء وزومبيات كل العصور. *** تتجسد فلسفة السلام الدائم، بوصفها أملاً عظيماً منشوداً ورافعة إنسانية كبرى، تصنعها إرادة البشر والأمم فيما بينها، ولا توهب من الطبيعة مطلقاً. *** الموت في طبيعته، يمشي عكس التيار، عكس الريح والعواصف، عكس إشارات المرور والموانع، عكس الشرائع والقوانين، عكس الأخلاق والفضيلة والمشاعر، بل أكثر من هذا، عكس اتجاه الحياة ذاتها. *** - أنا لمْ أبحثْ عنْ تاجٍ ولا ذَهَبٍ، بل عن هواءٍ مَحْفُوظٍ في لِحَاءِ اليَنابيعِ، بحثت. لَمْ أبحثْ عنْ قاتِلٍ ولا مَقْتُولٍ، بل عن حياةٍ خاليةٍ من جميعِ المَحَاذِيْر. *** - لقد بقيتُ أميناً على كراهيتي للزواحف، ولكل ما يزحف على وجه الأرض، وعشقت رفيف الطيور وتغريدها وهجراتها وسموّها. لهذا أجدني أبتعد وأنأى بنفسي، كطير الأعالي تماماً، كي لا تتلوث حواسي ويتسخ سَمْعي وأخسر نفسي. *** - هذه المرأة التي تسافر بي وأسافر بها، وتغتذي منِّي واغتذي منها، وأهيم بروحها وتهيم بروحي، وتعصر ذهني وأعصر كلماتها، وأشقى بها وتشقى بي؛ هي ببساطة، اسمها: الكتابة! *** - من أجل أن نجتاز بحر الآلام بسلام، لا بد لنا من حب أكبر من الحياة. ********* - الحب المتعاظم، وليس النرجسية الزائفة والمريضة، هو ما نحتاج إليه الآن لمكافحة قبح البشر وفضح شرور العالم. ************ - لا ترتهن لقفل ولا لخريطة، ولا حتى للظل الذي كنته، ولست بالتأكيد بحاجة للنمل يرعى في فمك. *** - وسِّعْ عليك منفاك، تَسَعُ نَفْسكَ ويَسَعكَ العالَم. ضيِّقْ عليكَ منفاك، تصبح قبراً والعالَم يصبح شاهدة قبرك. *** - الخطأ دجال يحلو له تقديم نفسه للبُلْهِ، على أنه هو الحقيقة ولا شيء سواه. ولكن أمام الحكماء تراه يمسح أحذيتهم. *** - لا يعيش الإنسان لكي يكفِّر عن خطأ لم يرتكبهُ، بل يعيش لكي يرتكب أخطاءً جديدةً تدُلّهُ إلى تخوم الحقيقة. الإنسان، أولاً وأخيراً، هو حقيقة أخطائه! *** - إن تسمِّية الشيء المسمّى سلفاً، لا تعني أي شيء. إنها ترداد ببغائي لما يُقال. الخروج من تابو التسمِّية، وتحطيم نظام الاسم والفعل؛ ثم العودة المرفرفة لأصل الشيء في ذاته، هي المعرفة على أصولها، بل هي أيضاً الإبداع في المطلق. *** - المعرفة ليست أن نَعْرِفَ ما يُعْرَف وأن نطفو على السطح كالأخشاب، بل أن نَعْرِفَ ما لا يُعْرَف وأن نرفع الألماس من الأوحال. *** -لا تستوي المعرفة مع الأغلال، ولا يتقدم العارف من دون حرية يستحقها. الحرية شرط المعرفة، شرط الحياة، شرط آدميتنا، وكل ماعداها دخان وغبار. *** - العارف ليس مَنْ شَدَّ وثاقهُ بوطنٍ، وجلس يهذي كالمعتوهِ تحت خيمتهِ. العارف من رفع الوطن إلى مستوى المعرفة، إلى مستوى الحلم، إلى مستوى الحياة ذاتها، واستطاع حَمْلهُ معهُ إلى أقصى العوالم وأكثرها مشقَّة للعقل والروح. *** - ليس المنفى حالة وقتية وآنية، تنتهي بانتهاء المسبب في وجودها. إنها بالأحرى مشروع حياة كاملة، تبدأ من الولادة وحتى الممات. *** - الوطن ليس جغرافيا ولا اسم فحسب، الوطن سؤال مفتوح وتمكين من حقّ السؤال والمساءلة والاستنتاج. *** - الأرض كتاب، والكلمات جغرافيا، وكل كتاب أرض وجغرافيا. *** - ما فائدة الجري وراء سرابٍ كاذبٍ لا يُورثنا سوى العماء والبلاهة؛ بينما الينابيع الصافية تسيلُ في دواخلنا ولا نراها. *** - الجهل والوهم وقود الخطأ، والخطأ وقود التجربة، والتجربة وقود المعرفة، والمعرفة وقود السفر، والسفر وقود المجهول، والمجهول وقود الإبداع، والإبداع وقود الحقيقة. فانظر، في أيّ واحدةٍ منها، أنتَ تُقيم؟ *** - لا تعاتب الكلب لأنهُ نبح عليك، بل عاتب أُذُنكَ التي أصغت إليهِ، وعقلكَ الذي أدخله إلى رأسكَ. الخطأ كلب عوَّاء أيضاً! *** - إذا مات الشعر فعلاً، واضمحلت المخيلة البشرية، وانقرضت القصائد واختفت من التداول؛ فإن البشرية حتماً ستتوحش وتتحجّر، وتعود لزمن القرود والكهوف من جديد، أما بالنسبة لي، فلن أكون موجوداً، حتّى أشهد ذلك اليوم. *** - الشاعر، ابن اللّغة، حارثها، سيدها وعبدها أيضاً، فإنه لا يكتفي بمجرد رؤية الإشارات أو الأشياء فحسب، بل إنه في العمق يدخل في غورها، ويحس بها من الداخل، ويحيا حياتها بنفسه، ويلامس لاوعيها الدفين بمهارة واقتدار. *** - الشاعر كائن إشاري بامتياز. فهو من رأسه حتّى أخمص قدميه، عبارة عن أوقيانوس من الإشارات التائهة والمضطربة والغامضة. *** - الكتابة الشعرية تهيؤ للسفر، قدرة على الطيران، ذهاب إلى مرفأ أو مطار أو ميناء، أو اجتياز صحراء أو محيط أو الهبوط ببرشوت في أرض غريبة. *** - خفة الشاعر تكمن في لغته، لغة حرة، طازجة، تنط كالرغيف من التنور توا، متخففة من أشيائها وثقلها، متخففة من عالم الكلام الهلامي وترجيعات صدى المتاحف البارد، لغة سرانية مدهشة لا تستجيب إلا بمقدار تحقق شعريتها في قصيدة. *** - صراع الشعر مع الشاعر يستمد قوته من أرض الأصوات، والأصول الضائعة للأشياء في الكون، ففي هذه الأرض وعليها وعبرها تولد لغة الشاعر، اللغة الثانية للعالم على لسانه، وليس لغة ما هو عامي ويومي ومبتذل. *** - لعبة الشعر هي الحياة، وخلق العالم، وابتعاث ما هو ميت ومنسي ومجهول في أوجار الأصول، وإعادته إلى الحياة من جديد. *** - الثقافة حصالة أسرار، شجرة رمزية عتيقة وارفة ومعرشة، تخفي بين ثناياها كنوزاً راكمتها الخبرات البشرية عبر القرون، وفي جميع المجتمعات البدائية والمتحضرة، وحق للنخب المتنورة والمنتسبة إليها كشف ينابيعها وأسرارها لعموم المجتمع البشري. *** - الدور المنوط بالثقافة اليوم هو دور تاريخي وحضاري وأممي وإنساني، يهم البشرية كافة في كفاحها ضد أشكال العنف والفقر والظلم والتمييز العنصري، والتطرف الديني، نحو نشر ثقافة السلام بين الأمم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©