الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اختراقات المسرح الإماراتي

اختراقات المسرح الإماراتي
28 مارس 2013 11:49
تتحرك أيام الشارقة المسرحية في دورتها الثالثة والعشرين على خشبة إنسانية تليدة تخضع للعب باهر للضوء المتحرك ما بين خفوت وسطوع وتلوينات شتى، في سبيله للكشف عن جموع بشرية تمارس أدوارها المفترضة، عبر فصول تمثيلية متوالية تمتد بين أزمنة الماضي وحاضر الأيام ومستقبلها، وهي تتحرك بين موجودات وإشارات مكانية امتازت بتنوع مظاهرها واستخداماتها، طبقاً لموضوع كل عرض من العروض العاكسة لسمات الإنسان ووقائعه الحياتية المرتبطة بزمان ومكان متجددين وفقاً للطروحات والرؤى التأليفية والإخراجية التي تتقاطع مع جنبات الحياة أو ترمز لقضاياها الملموسة والمتجذرة في الوجود البشري على امتداده وتنويعاته اللامتناهية. يظل المسرح مرموق الموقع والمكانة بين مجموعة فنون الأداء، بوصفه أحد الرهانات الحية التي تخلق ذاتها، عبر حبكة صارمة وخبرات إبداعية وتنفيذية وجب تمتعها بالقدر المعقول من الممارسة والمهارة الساعيتين في سبيلهما لإقامة اللعبة التمثيلية الكاملة الأدوات والمستحوذة على جمهورها، منذ بزوغ ضوء الإطلالة الأولى، وحتى إسدال الستار أو إظلام الخشبة مروراً بفصول من شأنها صنع عوالم متعددة تحمل خصوصيتها ومفرداتها وعناصرها الناسجة لشكل رامز أو تعبيري، ربما يحاكي الواقع أو يجرده في لوحات حركية تتكامل في وجودها بوجود الأصوات والموسيقي والسينوغرافيا، وما إلى ذلك من ضرورات واجبة الحضور، كيفما عنَّ للمخرج القائد الأول لمجريات أمر الخشبة وسيد خريطتها وباعث وجودها أمام جمهور مترقب. أفكار وعروض أما عن الأيام فهي تستمد ألقها من دعم كبير ومتواصل من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي يُعرف عنه عشقه الكبير للمسرح، والذي تحدث سابقاً عن خلود هذا الفن الجاد قائلاً: «ويبقى المسرح ما بقيت الحياة..»، وهي مقولة خالدة تدلل فيما تدلل على احترام وتقدير عميقين لهذا الفن الجامع القادر على الارتقاء بالإنسان وتحريكه من مناطق الثبات ليتجه بثقة وبراعة وإتقان نحو مخابئ الأحلام ومعينها الذي لا يجف ولا ينضب مهما طال الزمان وتبدلت الأحوال. وقد برهنت أيام الشارقة المسرحية التي تنظمها إدارة المسرح بدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة خلال الفترة من 17 إلى 27 مارس الجاري على نهوض المسرح المحلي ونزوعه نحو الإنسان، وذلك من خلال 15 مسرحية محلية ودولية، من بينها 10 عروض تتنافس على جوائز الأيام وهي: «شهيد التين»، «رابتر»، «طوفان»، «التريلا»، «سيد القبو»، «مساء الورد»، «زيت وورق»، «نهارات علول»، «خلطة ورطة»، «أنت لست كارا».. إلى جانب عرض الافتتاح من لبنان وعنوانه «الديكتاتور» وأربعة عروض أخرى يتم عرضها خارج المسابقة الرسمية، وهي: «مشاجرة رباعية»، «المشهد الأخير من المأساة»، «ندب السموم»، و»ممثل مخرج خشبة». وربما عكست لنا هذه المجموعة من أسماء وعناوين المسرحيات المشاركة بداية قسطاً واضحاً من شغف العروض بطرح عدد من القضايا الجمعية والذاتية في الوقت نفسه، لكن يظل هناك على الدوام ذلك الخيط الإنساني الحالم، الذي هو نفسه الرابط المشترك بين هذه النوعية من المسرحيات الجادة والباحثة عن تأكيد استحقاقها بالعرض، إلى جانب سعيها لقنص نصيبها من الجوائز التنافسية، التي يتم الإعلان عنها في الختام بواسطة لجنة تحكيمية مختصة يرأسها د. جان داود من لبنان، وتضم في عضويتها د. مصطفى رمضاني من المغرب، ود. خالد جلال من مصر، ود. خليفة الهاجري من الكويت، والمهندس وليد الزعابي من الإمارات. فيما تسعى هذه القراءة الموجزة للوقوف على صور المسرح وتحري الرؤي والطروحات المرتبطة بمعظم العروض المسرحية المحلية المشاركة في المسابقة الرسمية، والتي تعكس في مجملها الكثير من آليات العمل، إلى جانب ما يتمتع به المؤلفون والمخرجون والممثلون المشاركون في تلك العروض المسرحية من قدرات محفزة على التجاوب مع موضوعات المسرحيات المقترحة من ناحية وحاجات جمهور المشاهدين من الناحية الأخرى. يذكر أن هذه العروض التي تحتضنها الأيام في عامها الثالث والعشرين قد تأتت نتيجة لجهود حثيثة بذلت من قبل كل من مسرح دبي الشعبي، مسرح خورفكان، مسرح الفجيرة، مسرح عجمان، مسرح بني ياس، مسرح دبي الأهلي، المسرح الحديث في الشارقة، مسرح أم القيوين، مسرح الشارقة الوطني، وهي مجموعة من الفرق المسرحية التي تشكل القسم الأكبر من عموم الخارطة المسرحية بالدولة، ولعل ذلك سيتيح أمامنا فرصة جيدة لرصد راهن المسرح الإماراتي والتعرف كذلك على العديد من السمات المميزة للمشغل المسرحي في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو المشغل التواق للتعبير بآليات ووسائل عمل ناهضة عن كثير من الفلسفات والأفكار المتعلقة بقراءة جوانب الحاضر واستشراف آفاق المستقبل. ثأر علول في مسرحية «نهارات علول» التي أخرجها حسن رجب عن نص للمسرحي الإماراتي المتميز والقدير مرعي الحليان، برزت شخصية علول الحالم وزعيم الحرافيش الذي حاول الثأر لشرفه، لكن حارس القصر ينجح في قنصه برصاصة، تتحرك داخل جسده حتى نهاية المسرحية، دون أن تتسبب بموت البطل، وهو ما يفسره رفاقه من الحرافيش والفقراء بالكرامة أو المعجزة، التي تدفعهم نحو ممارسة قريبة من طقوس المجاذيب والصوفية المحاولين جهدهم في السير بركاب درويشهم المبروك كي يشغلوا الفراغ العلوي بما هو جاد وحقيقي، وحين يصل إلى القصر خبر علول وشأنه مع تلك الرصاصة المتجولة في جسده يتم القبض عليه ومحاكمته صورياً أمام مجموعة الحرافيش، ومن ثم إعدامه، لكنه كمخلص يظل حياً ولا يموت شأنه شأن غيره من الأحرار والنبلاء والقادة الشعبيين الذين يفتحون بموتهم الجسدي سبلاً للحرية والخلود. وقد وظف المخرج ببراعة مجموعة من الدمى وإطارات الظل المستطيلة وقطع الاكسسوار المتحولة ببساطة إلى مقاعد وحواجز وقضبان سجنية، في صالح إثراء الصورة المسرحية، التي امتزجت بها الحقيقة والخيال، وتضافرت خلالها علائق ومكونات التشكيلات الحركية المدهشة التي حاولت الإفادة من التنوع بين حركات فردية وأخرى ثنائية إلى جانب الحركات الجماعية اللافتة والتي بدت ككتل تعمل على تحقيق التوازن الشكلي بين جانبي المسرح. وقد وفق الممثلون في آداء أدوارهم المرسومة وبخاصة بطلي المسرحية بدور الساعي وجاسم الخراز، كما تميز في العرض أيضاً مجموعة الحرافيش والممثلون جمال السميطي وأحمد ناصر ويوسف الكعبي، إضافة إلى مرعي الحليان وحميد عبدالله وباسل التميمي. بريختية «التريلا» أما مسرحية «التريلا» التي جمعت بين المؤلف والمسرحي الكبير إسماعيل عبدالله والمخرج الشاب محمد الحملي فجاءت مستلهمة لأجواء رواية «زويك» للتركي عزيز نيسين، وكاسرة للإيهام بين الخشبة والصالة، طبقاً للمنهج البريختي الذي يقتضي بكشف أوراق اللعبة أمام الجمهور دون الحاجة لحجب المشهد المسرحي وراء ستار مانع للرؤية. لذا فمنذ الوهلة الأولى لولوج الجماهير إلى المسرح يجدوا أنفسهم قد انزلقوا إلى حيز اللعبة المسرحية، من خلال ديكور ممتد من عمق الخشبة إلى داخل الصالة، إضافة إلى انتشار مجموعة من المدمنين المتجولين في الصالة وقد غيبوا بشكل واضح عن الوعي، بينما قام البعض منهم بتوزيع لفافات صغيرة على عدد من الجمهور لإثارة فضولهم وخلق حالة مبكرة من التواشج بين عالم المسرحية وعالم الواقع. وقد ناقش العرض في إطار كوميدي قضايا جوهرية تتقاطع مع راهن بعض البلدان العربية، حيث يتم استغلال حاجة الشعوب البائسة في الوصول للأهداف الغير مشروعة وبلوغ المناصب والوصول إلى السلطة، وكذلك جني الأموال الطائلة بطرق ميكيافيلية تتمحور في نطاق المتاجرة بالعقائد والمواد المخدرة، حيث يتم في كل حالة من الحالتين السلفتين تغييب الوعي واستلابه بما يجعل مجموعة البشر منساقين بلا دراية أو تفكير نحو تصيد وتبجيل أحد الأفاقين القادرين على فرض سطوتهم وهيمنتهم على البسطاء من الضحايا والمغيبين والذين يرمز لهم العرض المسرحي بشخصية جمعان. وقد اكتملت الصورة المسرحية لهذا العرض بدخول التريلا من عمق المسرح إلى منتصف الخشبة، لينجح المخرج في استخدام سطحها العلوي في خلق مساحة مدهشة تصلح لحركة بعض الممثلين وتوثبهم لأعلى المستويات الرأسية الممكنة بحسب معمارية المسرح وارتفاع شباك المناظر. وتأتي حكمة المسرحية ومفادها على لسان عبود حين يقول باللهجة المحلية الإماراتية: اللي نحن فيه يشبه لعبة القمار.. صدق يوم قالوا المحروق والمنكوي بنار القمار ما يشبع.. وكلما انكوى زياده يلعب زياده.. عشان ايعوض خسارته وينقذ نفسه .. وجماعتنا مع إنهم عارفين ومتأكدين إن جمعان كذاب.. لكنهم خايفين إنه يطلع مرة صادق.. وساعتها بيخوزقهم خوازيق لها أول ما لها آخر.. وكلما خوزقهم ابكذبه يلعبون وياه أكتر علشان ايعوضون فرق الخوازيق.. يمكن تصدق كذبته الجديدة.. يا سبحان الله.. الإنسان كلما اتخوزق أكثر كلما زاد إيمانه بالكذب! السجن النفسي أما مسرحية «مساء الورد» للمؤلف والمخرج المسرحي العراقي محمود أبو العباس فقد بحثت عن إنسانية الإنسان، في ظل هيمنة وقسوة سجن نفسي وأفكار طاغية وأشباح لمكلومين وسجناء فكر وأحلام يتبادلون حضورهم مع الأبطال الرئيسيين على خشبة المسرح بين الصوت والظل والتجسيد الكامل، في سبيلهم لإنتاج محاورة تمثيلية شبهها المخرج بالورشة نظراً لعدم وجود تسلسل واضح للأحداث المكتنفة بغموض نسبي وجو غلب عليه السوداوية وشح الإضاءة لتجد أضواء الشموع سبيلها لإضاءة الأمل في النفوس المتهالكة والمحبطة. وقد جاء توظيف قطع الديكور بديعاً في المشهد الختامي للمسرحية، حين تحركت القطع حول الأب السلطوي كدوامة سريعة الحركة أمكن لها أن تذوب أفكاره وهواجسه البادية كسياج صارم يلف أحلام أبناءه. وقد أفرز هذا العرض المسرحي موهبة وطاقة إبداعية لريم زهير الممثلة الواعدة التي أدت دور الطفلة بمهارة وإتقان فائقتين، جعلت الجمهور يتعاطف معها ويصدقها لنجاحها في الأداء وتقمص الشخصية الحانية موقدة الشموع. معنى الشهادة من العروض المحلية التي احتضنتها الأيام أيضاً عرض «شهيد التين» للمؤلف عبدالله صالح والمخرج محمد سعيد السلطي، والتي دارت حول الشهادة، وهي ما يصفها المؤلف في مقدمته للعرض قائلاً: «الشهادة ما شي أحسن عنها إذا الكل شارك فيها بحب.. الشهادة لابد أن تكون صادقة لوجه الله مب نيشان نعلقه على صدورنا نتغنى به». أما السلطي مخرج العرض فقال عن هذه المسرحية أنها ثالث أعماله الإخراجية في المسابقة، موضحاً أن فكرة العرض قد استفزته ليخوض غمار الرحلة حيث تمتزج بها ـ ووفقاً لتعبيره ـ الدمعة بالبسمة لتتكون الفرجة المسرحية. وقدم المخرج والمؤلف الإماراتي عبدالله زيد مسرحية «رابتر» بكلمة موجزة ومقتضبة تحدث خلالها عن تلك الآلة الحديدية التي تحمل على متنها أناس في داخلهم ألم وعلى وجوههم تجاعيد الزمن، ممن تلقفهم الدهر ولا نعرف ماذا ستفعل بهم الأقدار، حيث يجتمعون في مكان ما ويتفرقون لسبب ما. بينما حملت مسرحية «طوفان» للمؤلف حميد فارس والمخرج صابر رجب حساً اجتماعياً أوجزه مؤلف العرض بقوله : ما هو زلزال ولا لعب يهال، يجلع البذرة من وصت لرحوم.. يخطف النظر من مقلة العيون.. يبس اللبن ويصهر أضروع.. طوفان.. طوفان يرمل وييتم ويفرق صلة لرحوم..دخلوا عيالك وأزلوا بيبانكم فضلوا الكيك ولدروب. أما مسرحية «سيد القبو» لمؤلفها جمعة علي ومخرجها د. حبيب غلوم فقد اتجهت نحو باطن الأرض لترصد صورة من جشع الإنسان واستغلاله، حيث لم يتم الاكتفاء بعد بما يصنعه الأفراد والشركات من متاجرات رخيصة ومتدنية بأرواح الناس وأحلامهم في سبيلهم لحصد مكاسب رخيصة ووهمية. ورصدت مسرحية «زيت وورق» من تأليف علي جمال مشاهد مؤثرة للصراع على السلطة حيث تغيب أسماء الشخوص ويبقى المكان والزمان مشرعين على التأويل والتحرك وفق رؤية المشاهد الذي يدفعه ذلك النوع من المسرحيات لإعمال ذهنه والتفكير في ما هو أبعد من خشبة العرض التي تحلت بمشاهد سينوغرافية شديدة الإتقان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©