الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أهداف واعدة.. وأفكار كامنة

أهداف واعدة.. وأفكار كامنة
27 مارس 2013 20:23
ربما يكون أهم حدث ثقافي تشهده دولة الكويت صيف هذا العام، ما يتمثل في إطلاق الدورة الثانية للمهرجان السينمائي لدول مجلس التعاون لدول الخليجي، في الفترة الممتدة ما بين 5 إلى 11 مايو المقبل بتنظيم من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، لهدف التقاء صناع السينما الخليجية في عاصمة خليجية عربية ومناقشة سؤال السينما والإبداع. وبحسب اللجنة العليا المنظمة للحدث، فإن تنظيمه يأتي في إطار التقدير الخاص الذي تحظى به السينما كفن جماهيري له مكانته في المشهد الثقافي والفني العالمي، وما لها من تأثير معرفي وإعلامي على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة. كما يأتي الحدث تأكيداً للدور الابداعي لأبناء دول مجلس التعاون الخليجي، وإبرازاً لإسهاماتهم وإنجازاتهم وتجاربهم السينمائية النّامية المتطورة نحو تحقيق سينما محلية خالصة. فإقامة مهرجان للسينما الخليجية بصفة خاصة تعد ضرورة قصوى لدعم مسيرة الفن السابع، وتشجيع الرواد الذين غرسوا الحجر الأول في صرح الإبداع السينمائي نحو مزيد من العطاء وصقل التجربة بمواصفات عالمية. وقد يكون أهم ما في هذه المنظومة لجانب تطوير مفهوم (الثقافة الجماهيرية)، أن فعاليات هذا الحدث لن تكون ربحية بأي مقياس تراه المهرجانات السينمائية الأخرى، ويتم تنظيمه وتحديد موعده والدعوة إليه، بالتعاون والتنسيق مع الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ويصبح تقليدا فنيا سنويا يقام في هذه الفترة من كل عام في إحدى دول المجلس (الدورة الأولى من المهرجان انعقدت في العاصمة القطرية الدوحة في الفترة ما بين 23 الى 29 مايو العام الماضي)، وذلك استجابة لما نصت عليه الاستراتيجية الثقافية الخليجية من رؤى وأهداف تسعى دول المجلس إلى تحقيقها، ودعما لمسيرة الفن السابع في منطقة الخليج، وتشجيعا للرواد والشباب المبدعين على بذل المزيد من العطاء، إضافة إلى إبراز نتاجاتهم وتجاربهم السينمائية ذات الصلة بالإنسان وعادات وتقاليد وتراث وهوية المنطقة، وتعزيز الشخصية الخليجية من منظور ابداعي ملتزم. في الواقع أن كل هذه المعطيات الجميلة، يضيف إليها القائمون على شأنها المزيد من جرعات التشجيع والدعم، في إطار توجيه نحو دعم خاص للسينما التي باتت تحظى في منطقة الخليج العربي بمكانة رائدة، سواء من خلال سلسلة المهرجانات السينمائية التي يتم تنظيمها سنويا بمواصفات دولية في مختلف دول المجلس، أو من خلال المثابرة والعمل الدؤوب لكي يصبح هذا اللون من النشاط الثقافي منصة إبداعية لتسليط الضوء على إسهامات وإبداعات جيل الرواد والشباب الخليجي الطموح في حقل التعبير السينمائي الحر فكرا ومعنى. وقد يكون من أهم ما في هذه المنظومة الفكرية، هي الرؤيا الواعية لرسالة السينما، تأكيدا على دورها كفن وعلم وصناعة في إثراء وتعميق (ثقافة المنطقة)، ودورها الإيجابي في تعزيز القيم الاجتماعية والتقاليد السامية للمجتمع في دول مجلس التعاون الخليجي، ومن ثم الاهتمام بوجه خاص على تكريم نخبة من الرواد الخليجيين الذين أسهموا في تطوير مفهوم السينما في بلدانهم. وإلى هنا، فالكلام في غاية الروعة والجمال وأناقة التعبير، ولكن ماذا عن التفاصيل؟ تضم هذه الاحتفالية السينمائية جملة من المنافسات، يتصدرها مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، ومسابقة الأفلام الروائية القصيرة، ومسابقة الأفلام التسجيلية الطويلة، ومسابقة الأفلام التسجيلية القصيرة، في حين تنافس أفلام الصور المتحركة ضمن مسابقة الأفلام القصيرة. ويسمح لكل مشارك في هذه الدورة من المهرجان بدخول المنافسات والحقول بأكثر من فيلم سينمائي. وربما من الجميل الإشارة هنا إلى بعض التسهيلات التي تقدمها اللجنة المنظمة للمشاركين، بعد إعلانها بأنه يحق لكل بلد من بلدان مجلس التعاون، ترشيح أربعة أفلام، يمثلها فيلم واحد في منافسات ومسابقات المهرجان المختلفة، بمعدل فيلم واحد بكل قسم من أقسام المسابقة، فيما تشرف على كل مسابقة لجنة مكونة من خمسة أعضاء ممن يمتلكون الخبرة في مجالات السينما والفنون البصرية المختلفة، من أبناء دول المجلس والوطن العربي، في إطار لجان تحكيم متخصصة مهمتها التقييم، وإعلان النتائج غير القابلة للمناقشة. هذه هي مسابقات المهرجان التي وإن كانت لا تخرج كثيرا عن المنافسات المهرجانية في المنطقة على أقل تقدير، باستثناء فرص المشاركة بأكثر من عمل سينمائي، ما يتيح الوصول إلى الجوائز بسهولة، أو قد ييسر فرصة الوصول إليها في أكثر من جانب. وكما يبدو فإن قيمة هذه الجوائز ستكون حافزا لمجالات توسيع رقعة المشاركة، إذ خصص للفائز بجائزة أفضل فيلم روائي طويل (50 دقيقة فما فوق) مبلغ 15 ألف دولار، وجائزة أفضل فيلم روائي قصير (دون 50 دقيقة) 10 آلاف دولار، وجائزة أفضل فيلم وثائقي طويل (40 دقيقة فما فوق) 12 ألف دولار، وجائزة أفضل فيلم روائي ـ تسجيلي قصير (دون 40 دقيقة) 9 آلاف دولار، وجائزة أفضل إخراج 7 آلاف و500 دولار، وجائزة أفضل ممثل وممثلة، وتصل الى 5 آلاف دولار لكل منهما، وجائزة أفضل تصوير وثائقي 5 آلاف دولار، وجائزة أفضل تصوير روائي 5 آلاف دولار، وجائزة أفضل موسيقى تصويرية أصيلة 3 آلاف دولار. وينبغي هنا الإشارة إلى أهمية الجائزة الأخيرة في مجال تشجيع الموسيقيين على التأليف الموسيقي للسينما، حيث يتصدر هذا النوع من الجوائز جملة من منافسات مهرجانات السينما العالمية وبخاصة كان وفينيسيا. ويلفت الانتباه في مجال الجوائز تخصيص جائزة لأفضل مونتاج بقيمة 5 آلاف دولار، وجائزة أفضل سيناريو بقيمة 5 آلاف دولار، ونعتقد أن انتباه إدارة المهرجان لتخصيص جائزتين للمونتاج والسيناريو على غاية من الأهمية في أهم مجالين في صناعة السينما، وقد لا يلتفت لهما كثيرا إلا في المنافسات التخصصية التي يشرف عليها نقاد محترفون. ومن الأشياء اللافتة في تنظيم هذا الحدث، ما أعلنت عنه اللجنة المنظمة التي أسندت لنفسها أحقية عرض الفيلم الذي يجري اختياره للمنافسة بواقع ثلاث مرات للجمهور قبل بدء انطلاقة الحدث الفعلية، للأعضاء المنسبين للمهرجان والصحافة، ولا نعرف مدى أهمية هذا الإجراء، إن كان في مصلحة الفيلم وصانعيه، أم في صالح الذائقة الجماهيرية، زد على ذلك تركيز هذه الدورة بوجه خاص على (مكافحة القرصنة)، إذ تسعى إدارة المهرجان لاتخاذ كافة الاحتياطات الممكنة لمكافحة القرصنة، إذ ستوفر الحماية اللازمة لكل نسخ الأفلام والمواد الأخرى محفوظة الملكية أثناء وجودها بالمهرجان، وسيكون حق الوصول الى هذه المواد مقصورا على أعضاء اللجان الذين تم اختيارهم من قبل إدارة المهرجان فقط، وهذا في التقدير شيء جميل وملفت للانتباه أن يتصدر هذا المهرجان قائمة مهرجانات المنطقة في تبني مراقبة القرصنة، والمحافظة على حقوق الملكية الفكرية، وهو أمر لا يستدعي التقدير في هذه المنظومة المهرجانية الناشئة من حيث التقاليد، ومن حيث الفكر الطليعي والنظرة المسؤولة الى قيمة ورسالة وهدف الفن السابع. نقول تترقب الأوساط السينمائية بشغف كبير انطلاقة هذه التظاهرة السينمائية الخليجية الوليدة والطموحة في آن واحد، فقد سبق لدورة الدوحة أن نجحت بقوة في تكريس مفهوم حوار التجارب من خلال لقاء صناع السينما الخليجية تحت مظلة تبادل الخبرات، وتعزيز مفهوم السينما الطليعية المستقبلية، في ظل تنامي الاهتمام بالإنتاج السينمائي في عمق المنطقة الخليجية التي أصبحت إحدى مناطق الجذب الثقافي والسياحي، وجذب صناع السينما في العالم من خلال جملة المهرجانات التي تقيمها هذه الدول، على أمل أن يسجل هذا الحدث علامة بارزة في مسيرة المهرجانات الأخرى، بصورة تجعل منه متمايزا، ليس على صعيد الجوائز، ولكن على صعيد فن التجارب، وتعميق الفكر الانساني من خلال الفيلم المعاصر، بالنظر إلى قراءة أولية في معطيات الدورة الأولى التي نجحت في التأسيس والتعزيز لفكرة الإسهام في تطوير صناعة السينما بالمنطقة الخليجية والعربية ككل، وبالتالي فنحن نطمح أن تتجاوز هذه الدورة والمهرجان على وجه العموم مرحلة أن يكون شبيها بما حوله من مهرجانات، على الأقل أوليا في مجال البحث في مستويات مختلفة لها علاقة بالفن السابع، وعلاقة أكثر قوة بمفهوم (الثقافة المستقلة)، التي تنجح عادة في بناء حوار التجارب الحقيقي بين المشتغلين في هذا القطاع الحيوي المؤثر، حيث نأمل أن يكون (جمهور السينما) الذي خطفته السينما الأجنبية وسينما الانترنت وثورة المعلومات، هو مركز اهتمامنا الأول. كيف نعيده الى صالة العرض، وكيف ننمي معرفته وذائقته السينمائية، وكيف نعرفه بما يدور حوله من خلال الفيلم النظيف والممتع بتفاصيله وموضوعه وطريقة صقله تقنيا وحرفيا ؟ مع تعدد المهرجانات السينمائية الشبيهة، هناك مدعاة للتفاؤل في هذه الدورة التي تحتضنها دولة الكويت، فليس المهم أن نقيم المهرجان، فإقامته أمرا بات محسوما، لكن المهم كيف ننظر إلى السينما الحقيقية، وكيف نتعامل مع الفيلم ومع حركة النقد المواكبة له، كيف نصنع الروح والحالة السينمائية، من خلال الفكر والتنظير والحديث عن قيمة الفن السابع والأفلام التي تحاول تحقيق حلم الجميع بسينما خليجية بمواصفات عالمية؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©