الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفن الشاهق

الفن الشاهق
27 مارس 2013 20:25
درج كثير من دارسي تاريخ الحضارة الإنسانية على استجلاء أشكال هذا التطور وتحولاته، من خلال دراسة تطور أشكال العمران وفنونه المختلفة عبر التاريخ، والحضارة الإسلامية التي كانت واحدة من الحضارات الإنسانية الهامة، والتي امتدت على رقعة جغرافية واسعة من العالم، استطاعت إلى جانب الاستفادة من المنجز العمراني في البلاد التي سادت فيها، أن تنهض بالتطور العمراني وفنونه بصورة كبيرة وواسعة تدل على عظمة تلك الحضارة، وهو ما استقطب اهتمام الباحثين والدارسين العرب والأجانب، الذين راحوا يستقصون جماليات وأسرار تلك النهضة وفنونها، التي ما تزال أوابدها الأثرية شامخة، تروي سيرة تلك الحضارة، وثرائها وعبقريتها. كتاب «الفن والعمارة الإسلامية» لمؤلفيه شيلا بلير وجوناثان بلوم واحد من تلك المؤلفات الهامة التي تعنى بدراسة فنون العمارة الإسلامية على امتداد جغرافيات البلاد التي حكمتها من المحيط الأطلسي وحتى السهوب الآسيو أوروبية. بلاد الإسلام الشرقية يركز الباحثان في الجزء الأول من الكتاب على الدور الذي لعبته إيران وبلاد الإسلام الشرقية في العصور الإسلامية المبكرة، في فن العمارة الإسلامي، على الرغم من الآثار التي خلفتها غزوات المغول للمنطقة، والتي جعلت إيران من جهة أخرى تتصدر المشهد الثقافي والإبداعي في العالم الإسلامي، ما جعل النماذج الإيرانية تتحول إلى مرجع أساس لكل الفنون البصرية حتى عام 1250. أما على الصعيد العمراني، فإن التصميم االإبراني الرباعي للإيوانات المطلة على فناء مفتوح، قد أصبح منتشرا في أغلب البلاد الإسلامية. وقد عمد الباحثان إلى تقسيم حقب تاريخ العمارة جغرافيا بحسب أقاليم الفن الإسلامي، وهي إيران وآسيا المركزية، سوريا ومصر، وشمال إفريقيا. إن الملاحظة الأولى التي يسجلاها حول الفن الإسلامي هي الاستخدام الغزير للألوان، في الكسوات اللامعة حول البناء أو في الحفر والترصيع أو المشغولات المعدنية، بينما تتميز الفنون المتأخرة بتبادل الأفكار والأشكال والتصاميم بين الفنون المختلفة، ومنها فنون العمارة، التي تميزت في كل حقبة بسمات مميزة وخاصة، كما كان الحال في العصر العباسي الذي انتشرت فيه الأساليب الزخرفية في قصور سامراء التي ظهرت في القرن التاسع، وانتشرت في مدن أخرى كالقاهرة وبلخ، ورغم ذلك كان هناك تشابه المبادئ التنظيمية والمواد الأولية المستخدمة والأساليب العمرانية، ولكن مع ندرة في تكرار الموتيفات. يقسم الباحثان تاريخ الفن في إيران وآسيا الوسطى إلى مراحل ترتبط بتاريخ الأسر الحاكمة في تلك البلاد، وفي مقدمتهم أسرة الإلخانيين التي بنت جوامع تتألف من إيوانين أو أربعة إيوانات بقيت منتشرة حتى لمدة عقود طويلة في إيران. أما العمارة التي سادت في المرحلة التالية فتمثلت في الاهتمام ببناء الخانات، حيث كان المهندس العمراني في تلك الفرة مولعا بالتجريب وفي ابتكار طرق جديدة لكسر الحنيات الجانبية وتوسيع منطقة العبور، لكنه بعد الغزو المغولي ظهر الاهتمام بتسقيف الفضاءات المستطيلة، ومن أجل تخفيف العتمة المترتبة الناجمة عن ذلك، لجأوا إلى استخدام سلسلة أقواس متقاطعة. فنون الزخرفة لم تكن النماذج الزخرفية في القرنين الثالث والرابع عشر متنوعة الأساليب كما كانت سابقا، فقد تميزت بكثافة المعجون الأبيض الذي يخلط التفاصيل مع بعضها البعض، كما تمَّ استبدال تقنية الزخرف المزجج الباهضة الثمن بتقنية الطلاء التحتي المزجج والأرخص من حيث الكلفة، وقد ترتب على هذا التحول في التقنيات المستخدمة استخدام طلاء أقل مهارة وأكثر نمطية، إضافة إلى أن التصاميم أصبحت أقل تفصيلا والرسومات أقل إتقانا بالرغم من إدخال الرسم الصيني وموتيفاته في تلك التصاميم. وقد ظهرت الطريقة الإيرانية في استخدام الأزرق الغامق في طلاء الأواني والآجر وتذهيبهما وطلائهما بطبقة المينا. أما بالنسبة لفن الكتابة فقد ظهرت المخطوطات المصورة والمزينة على امتداد قرون في العالم الإسلامي، حيث بلغ درجة كبيرة من التقدم والفن والازدهار لاسيما بعد الحملات المغولية على إيران، في حين أن تجليد المخطوطات كان في بداية عهده، ويعد جمال الدين بن عبدالله الموصلي أشهر الخطاطين في القرن الثالث عشر، وكانت أعماله نادرة وتحظى بإعجاب فائق، وقد تتلمذ على يديه ستة خطاطين تتلمذ على أيديهم أشهر خطاطي العالم الإسلامي، الذين استخدموا الكتابات الزخرفية على وسائط مختلفة. لقد استغرق إنجاز المصاحف المخطوطة في تلك الفترة سنوات طويلة جعلتها تظهر بالغة الروعة، حيث استخدم فيها إلى جانب خط الثلث المذهب التزيين الذي استخدم فيه طيف واسع من الألوان. ويذكر الباحثان أن بغداد عرفت تزيين المخطوطات قبل الغزو المغولي لها، كما كان الحال في مخطوطات أخوان الصفا، إذ تميز التصوير في تلك المرحلة بالحفاظ على الإرث التقليدي ثم انتقل من هناك إلى إيران في نهاية القرن الثالث عشر، حيث ظهر في هذه المخطوطات المزج بين وسائل التصوير التقليدية والمستحدثة، كما هو الحال في مخطوطة البيروني(الآثار الباقية). يتابع الباحثان الرصد التاريخي لفنون العمارة في العهود التالية مشفوعة بالرسوم والصور الدالة على طبيعة هذا الفن ونماذجه المختلفة، سواء فيما يتعلق ببناء المساجد أو الأضرحة والمدارس الدينية، أو فنون الخزف وتزيين المخطوطات. وينتقل البحث في الفصل التالي إلى دراسة فن العمارة في مصر في عهد المماليك البحرية والتي جرى فيها ترميم أعداد هائلة من الأبنية في فلسطين وسوريا ومصر . ومما يلحظلاه بداية هو تميز عمارة المسجد المملوكي من حيث المنارة المنفردة والمشيدة على البوابة الرئيسية المقابلة للمحراب والقبة الضخمة التي تغطي البائكات التسع الواقعة أمام المحراب، والتي تفضي إلى الفناء. ويرد الباحثان بناء المنارة على هذا الشكل إلى العصر العباسي في القرن التاسع، بينما استفاد المماليك في بناء القبة الضخمة من الغنائم التي كسبوها من قلعة الصليبيين في يافا. العمارة في مصر بعد الشرح التفصيلي لفن العمارة في عهد المماليك الأول لاسيما بناء المساجد والأضرحة الخاصة بملوكهم والمزارات والقصور الفخمة، ينتقلان لدراسة فن العمارة في عهد المماليك الشركس الذين كان العمران الخاص ببناء الأضرحة هو الأشهر لديهم، إضافة إلى بناء الأسواق والخانات إثر عهود الفوضى التي شهدتها سوريا. أما في مصر فقد جرى بناء مناطق سكنية تضم مخابز وحمامات وطواحين وخانات ومجمعا تسويقيا وكان لهذا التوسع أثره في بتشييد عمارة متسقة منعزلة. لقد تأثر العمران في تلك الحقبة بالاضطرابات السياسية وكان في أغلبه عمرانا دينيا استطاع أن يصمد مع الزمن في حين لم يبق من قصور المماليك شيء يذكر. ويصف الباحثان العمارة في مصر بأنها كانت سكنية شيدت فوق مؤسسات تجارية وكانت تتألف من طابقين خصص الطابق العلوي منها للنوم . ويتحدثان في النهاية عن الفنون في مصر وسوريا في عهد المماليك يفردان لها فصلا خاصا، يظهر فيه تسيد فن العمارة على الفنون الأخرى إلى جانب الشمعدانات التي ظهرت في مرحلة مبكرة من تاريخهم واحتلت مكانة مهمة في دوواوينهم ، إلى جانب المشغولات اليدوية والقطع المخصصة للاحتفالات والمراسيم الملكية والأبواب الفاخرة ومشبكات النوافذ والصناديق الخاصة بحفظ أجزاء المصحف والمنتوجات الزجاجية، والنسيجية، في حين حافظت المخطوطات القرآنية على موقعها الريادي بين تلك الفنون.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©