الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

مع «فن الترويض».. «الأسرة» تتصدر المشهد

مع «فن الترويض».. «الأسرة» تتصدر المشهد
22 ابريل 2018 20:24
تحقيق: أمين الدوبلي أبوظبي (الاتحاد) وسط تجارب لم يكتب لها النجاح، ومشروعات تتوقف قبل أن تبدأ، وأحلام تموت في منتصف الطريق، ومحاولات لا تعرف إلا البقاء في الظل، وسط كل هذه الأجواء التي تعبئ سماء الرياضة العربية بالإحباط من وقت لآخر، تشرق شمس الجو جيتسو لتضع الرياضة العربية فوق أول سطور العلم والدراسة والتخطيط والاحتراف. الجو جيتسو ليست مجرد لعبة نحتفل بأبطالها وإنجازاتها وانتشارها وشعبيتها، لكنها مشروع وطن وثقافة أجيال وصناعة مستقبل. نعم.. هنا يصنع الأبطال وهنا ترى ملامح الغد وهنا المدارس تغرس الأمل .. وهنا لا شيء للصدفة فالرؤية واضحة.. وأيضاً النتائج سريعة. وهنا نحن على القمة. المدرجات الخالية في الملاعب.. والمقاعد المهجورة في الصالات.. والمشهد الخاوي من مضمونه في ميادين واستادات الرياضات المختلفة.. قضية تناولتها وسائل الإعلام، وبحثتها الاتحادات والأندية.. وجرت المحاولات لحلها لكن دون جدوى.. مهما كانت شعبية اللعبة في الإمارات، فالمشهد واحد، الإثارة غائبة، والأسرة تتحفظ في كثير من الأحيان أن تقترب من الملاعب خوفاً من الخروج عن النص.. لكن في الجو جيتسو الوضع مختلف تماماً، الأسرة كاملة العدد في صالة مبادلة أرينا الأب والأم والأطفال أيضاً، كلهم في بطولة أبوظبي العالمية لمحترفي الجو جيتسو.. وفي بطولات التحدي والسوبر وكأس رئيس الدولة والعين الدولية و«أم الإمارات» للفتيات وأبوظبي جراند سلام.. في كل مناسبة هم حاضرون في قلب المشهد متفاعلون.. يشجعون.. يدعمون أبناءهم وبناتهم، ويقومون أحياناً بدور المدرب في أعطاء التعليمات بحماس. الأسرة في الجو جيتسو تفعل ما هو أكثر من ذلك، فبعضهم يتعاقد مع المدربين والمدربات بشكل خاص، والبعض يتولى توصيل أبنائه إلى صالات التدريب.. وكلهم سعداء بما يفعلونه، ومستمتعون بالحضور في المدرجات.. الجو جيتسو صنعت حالة مختلفة في عقلية المجتمع، وبعد أن مارسها 120 ألف لاعب ولاعبة في تجربة لم تتجاوز 10 سنوات، ارتبط بها أكثر من 400 ألف شخص أو بما يوازي نصف المجتمع، لأن كل لاعب وراءه أسرة، وكل أسر تشعر بأنها تفعل شيئاً ثميناً بتقديم أبنائها وبناتها إلى الجو جيتسو.. وهنا يكمن السر.. فالجو جيتسو وفقاً لحديث أساطيره، مثل ماركوس بوشيشا ولوسيو رودريجيز وهينزو جرايسي وجوزيه جونيور، من أكثر الرياضات قدرة على التغيير في الإنسان والمجتمع، فمنهم من كان منطوياً خجولاً منزوياً، وأعادته إلى قلب المشهد ليكون نجماً ساطعاً، ومنهم من كان مريضاً مهدداً بالموت وعاد إليه الأمل في الحياة، ومنهم من كان متردداً ألهمته الثقة والتفاؤل والسعادة والتواصل مع الجميع. الأسرة هي أحد أضلاع الإبداع والتميز في التجربة الإماراتية التي تعد الأفضل في العالم، ولهذا فإنها دائماً وأبداً هي محور تقدير واهتمام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كلما تحدث عن مشروع الجو جيتسو في الإمارات، حيث يشيد سموه دائماً بالدور الكبير لها في دعم المشروع، ويحرص سموه على استقبال الأسر مع أبنائهم أصحاب الإنجازات، والشد على أيديهم، وتشجيعهم وتحفيزهم على الوقوف خلف الأبناء لتحقيق المعادلة المنضبطة في الاستثمار بالأجيال الجديدة. قدرة «فن الترويض» على التغيير في المجتمع والأفكار لم تتوقف عند حضور الأسرة في المدرجات، ولا الوقوف مع أبنائهم ودعمهم في الذهاب إلى صالات التدريب، ولا التعاقد مع مدربين لهم من أجل رفع مستواهم، ولكن المسألة تجلت أكثر من ذلك في ظاهرة يلمسها كل إنسان في مجتمع الإمارات، هي انتشار اللعبة الواسع في قطاع الفتيات، وتحطيم حواجز التردد، فالبنت الإماراتية التي غابت عن المشهد الرياضي تماماً، وكانت تظن أن ممارسة الرياضة أمر لا يتفق مع العادات والتقاليد، وإن مارستها فخلف الأسوار، انطلقت وحطمت حاجز الخوف مع الجو جيتسو، ومارست رياضتها بجرأة وإقدام وشجاعة في الصالات وأمام الكاميرات، بكل ثقة، وأصبح عدد الفتيات في الإمارات الممارسات لهذه الرياضة في المدارس فقط يقترب من 30 ألف فتاة، تدعمها الأسرة، وهي رياضة ليست عادية، بل قتالية فيها كل ألوان التحدي والإصرار والعزم والإصرار، وقد لفت هذا المشهد انتباه من اقتربوا من التجربة، فالمدرب الإيطالي فابيو نوفر يؤكد أنه زار الإمارات من قبل كثيراً، كما زار عدداً من الدول العربية والخليجية، ويعرف جيداً كيف أن الرياضيين في هذه المنطقة يعزفون عن ممارسة الرياضات القتالية ويفضلون الرياضات الأخرى، وعندما زار أبوظبي واطلع على مشهد الجو جيتسو، تأكد أن هذه اللعبة غيرت أفكار المجتمع، وحفزت أبناءه على التقدم إلى الإمام لتولي زمام المبادرة في تعلم رياضة قتالية عنيفة أحياناً. وقال: هذا ربما يبدو طبيعياً بالنسبة للبنين، أما المفاجأة الحقيقية التي أدهشتني فهي تلك المتعلقة ببنت الإمارات التي أصبحت بطلة عالم، ففي بطولة العالم الأخيرة للناشئين والشباب كانت بنات الإمارات مقاتلات بمعنى الكلمة، يدافعن بكل قوة عن حظوظهن في التتويج، وينجحن ويقدمن الفنون الرفيعة في هذه الرياضة بثقة كاملة، وهذا المشهد دليل قاطع على أن الكثير من المفاهيم يمكن لها أن تتغير، والكثير من القناعات يمكن لها أن تتبدل، وما رأيته في مونديال الناشئين والشباب نموذج حي يؤكد أن الجو جيتسو لديها القدرة على التغيير، هذا بالنسبة للأفكار والقناعات والعادات، وإلى جانب ذلك فهي تملك القدرة على التغيير في سلوكيات الإنسان أيضاً، وتحقيق التوازن في شخصيته، وضبط تصرفاته في وقت لا يغيب عنه أن شبح التكنولوجيا والهواتف الذكية يهدد الأجيال الجديدة، ويستحوذ على كل أوقاتهم، وربما يعزلهم عن المجتمع، بما في ذلك الأب والأم والأسرة الصغيرة، ويضعف لديهم القدرة على التواصل مع الآخرين، وكذلك أدوات التواصل نفسها، ولكن في الجو جيتسو علاج لكل هذه الظواهر السلبية، ففيها الصحة البدنية، والاندماج في المجتمع لأنه لا بد أن تتدرب مع مدرب ومع منافسين أيضاً، وتعلم أصحابها كيف يعملون في فريق، وكيف يتحملون الضغوط بثبات ويصبرون على تحمل الحركات للخروج منها، وعندما رأيت الاهتمام الكبير بالجو جيتسو من قبل الحكومة والقيادة في الإمارات أدركت أنها الاختيار المناسب لبناء الأجيال الجديدة القوية والمتوازنة والقادرة على المساهمة في بناء نهضة بلادها. الشحي: الحلم تحقق مع «أصحاب الهمم» محمد أنس الشحي مدرس بالتربية والتعليم يقترب من الخمسين عاما، يمارس الجو جيتسو، ويؤمن بأنها مفيدة للجسم والعقل، ويمكنها أن تجمع الابن والأم والأب في ترابط واحد، مشيرا إلى أنها صنعت حالة في الرياضة الإماراتية، وأثرت في المجتمع كثيرا، وقال: أجد سعادتي بالنزال مع أبنائي، ومن خلال تجربتي رأيت طلابا كثيرين حولتهم الجو جيتسو من مستهترين إلى متحملين للمسؤولية، ولهذا لدي 4 أبناء هم عمر وخالد وراشد وحمد، ألعب معهم جميعا، وحيث أحمل أنا الحزام الأزرق، وعمر الحزام الأزرق، وخالد الأخضر، وهو بطل العالم في مونديال الناشئين كلهم يفوزون بالذهب. وتابع: ابني حمد من أصحاب الهمم لديه إعاقة ذهنية، يمارس الجو جيتسو منذ فترة في نادي العين للمعاقين، شارك في المهرجان، وفاز بالذهبية، بكيت عندما رأيته سعيدا منطلقا يحتفل بالذهب، فقد كنت أحلم من سنوات أن يكون هناك ناد أو مركز تدريب لأصحاب الهمم، يمارسون فيه الجو جيتسو، وتحقق حلمي، فأصبح نادي العين به 10 لاعبين، وحمد من بينهم، كلهم يتدربون، وأعمل معهم متطوعا، واستمتع بوقتي، وأشعر بالرضا عن نفسي عندما تحقق حلمي. وأوضح «ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إنهم فازوا وتوجوا بعشر ميداليات، متوجها بالشكر للنادي وكل القائمين عليه، وأدعو الجميع كي يفتحوا المجال أمام ممارسة الأبناء من مختلف الإعاقات هذه الرياضة؛ لأنها تساعدهم على الاندماج في المجتمع، ورأيت ذلك في تجربتي مع ابني حمد. الحمادي يبكي من أجل حضور النزالات الطفل عبد الله يوسف عبد الرحمن الحمادي «4 سنوات» حضر البطولة، يتابع النزالات من المدرجات، يتفاعل معها، إلى جانب والده يوسف الحمادي، يتابع تحركاته ويبتسم مع تفاعلاته مع النزالات، عبد الله قال إنه يحب فيصل الكتبي، ويتمنى أن يكون بطلا مثله، وسوف يتعلم الجو جيتسو بداية من الشهر المقبل عندما يكمل السنة الرابعة. يوسف الحمادي والد عبد الله قال: عبد الله هو من فرض على الحضور إلى الصالة، وظل يبكي منذ أن استيقظ في الصباح، وأصر على الحضور. وأضاف: عندما علم عبد الله أنني سأذهب إلى عملي زاد بكاؤه، رافضا النقاش أو الترضية، وظل هكذا حتى استجبت لرغبته حيث استأذنت عن الدوام وأتيت مع عبد الله إلى الصالة، وقد شعرت بسعادة، لأنني قضيت وقتا جميلا، ورأيت المدرجات ممتلئة، وعرفت أن لابني شخصية قوية، ومشروع بطل. وتابع: من يحب الرياضة بهذا الشكل، يمكن أن يضحي من أجل أن يكون بارزا فيها، والدولة تهتم بتلك الرياضة، ونحن نتابع إنجازات أبطالها. وقال: سوف أبحث عن ناد قريبا كي ينضم إليه عبد الله، وأثق بأنه سيكون له شأن كبير في هذه اللعبة، ليشارك في النسخة المقبلة من بطولة أبوظبي العالمية، ليصعد إلى منصة التتويج، ويحقق حلمه في أن يكون مثل بطلنا العالمي فيصل الكتبي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©