الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصر: طريق شائك إلى الديمقراطية

27 مارس 2012
لم تختلف السلطة المركزية في مقوماتها في ماضي الدولة المصرية الذي يرجع لحكم الأسر الفرعونية منذ آلاف السنين عن الحاضر من امتلاك الثروة والنفوذ وقوة الجيش الذي كان مميزاً في فترة حكم هذه الأسر. ولم يكن هذا التصور غائباً عن مؤسس الدولة المصرية الحديثة محمد علي باشا الذي بدأت تجربته سنة 1805 باختيار النخبة المجتمعية له ثم انقلابه عليها لينفرد بتأسيس الدعائم الواقعية لنفوذه وقوته ليكون حاكماً شرعياً على القطر المصري، لفترة امتدت حتى سنة 1848 ثم ظهر تأثيرها بعد ذلك في فترة حكم أفراد أسرته التي انتهت بقيام ثورة يوليو 1952. هذه التجربة استطاعت أن تخلق سلطة سياسية مركزية حديثة تتمحور عليها أسس الحكم داخل القطر المصري وما استلزم ذلك من صدور تشريعات وقوانين تعمل داخل دولاب العمل الحكومي في المؤسسات الجديدة المستحدثة، سواء في الجيش أو في النظام القضائي أو حتى النظام التشريعي الذي بدأ بمجلس النواب في عام 1866 وما تبعها من إنشاء دساتير كانت تعبر بشكل ما عن السلطة المركزية للدولة ، والتي تطورت في مراحل لاحقة بشكل كبير داخل دستور 1923، بإبراز الحقوق والواجبات المتبادلة بين مؤسسات الحكم والأفراد داخل المجتمع. ومثل هذه التطورات صبت في دولاب الحكم ومركزيته الذي شرعن الحكم عن طريق هذه القوانين والمؤسسات وعمليات احتكار القوة بأشكالها المختلفة مظهراً هيمنة وقوة الدولة المصرية أياً كان من يحكم سواء ملك أو رئيس جمهورية مثلما سارت آليات الحكم في فترة ما بعد ثورة يوليو، واستمرار نفس النهج في الإصرار على مركزية السلطة والاستئثار بالقوة في شكل الثروة والجيش بنفس النهج الذي بدأ به محمد علي حكمه تأكيداً على مركزية الدولة في شكل نخبتها الحاكمة. وباتت عملية التمحور حول مركزية الحكم في المجتمعات التي لم تكن فيها قيم المؤسساتية وتداول السلطة من الأمور الطبيعية، حيث من يمتلك السلطة يستطيع أن يحكم وأن تسير قاطرة الحكم على قضبانه رغم ديكتاتوريته. ومن هنا فدولاب الحكم أياً كان شكله في ظل غياب المؤسساتية وحكم القانون وقيم الديمقراطية يستطيع أن يسير عجلة الحكم ويخلق الشرعية لنفسه، وهذا ما كان يعمل عليه بنفس المنطق منظرو النظام السابق في مصر الذين كانوا يخططون لإمكانية استمرار هذا النموذج من الحكم (حكم الفرد) في شكل التوريث مستندين إلى هذه الخلفية التاريخية. وعلى ما يبدو أن فترة المخاض التي تشهدها مصر منذ تنحي الرئيس السابق وحتى انتهاء المرحلة الانتقالية تشهد تفاعلات من قبل قوى سياسية تعمل للانتصار لهذه الوجهة التاريخية بخلق السلطة السياسية المهيمنة دون أن تكون هناك مؤسسات وإطار قانوني ومبادئ ديمقراطية، حتى لو أتت بالانتخاب، فالعبرة ليست في كونهم جاءوا عن طريق صندوق الانتخاب وإنما في عملية تحييد مؤسسات الدولة بعيداً عن نخبة الحكم، ولا تكون تابعة لهم بل يعملون في إطارها دون إخضاعها لسلطة الفرد أو التنظيم كما كان في السابق. وهذا اختبار حقيقي سيحدد مؤشرات نجاح الثورة التي لا يمكن الحكم على نتائجها بمرور عام أو أكثر بل تحتاج إلى سنوات. فهل تستمر الثورة في نجاحاتها بكسرها هذا الاحتكار التاريخي للسلطة السياسية، والذي شهد محطات خروج عنها وفقاً للآتي: أولاً: شهد تطور السلطة السياسية في مصر عبر الـ 200 سنة الماضية حالات خروج عن هيمنة الديكتاتور، فالشرعية على سبيل المثال خرجت عن طوع الملك وذهبت إلى حزب الأغلبية المعارض الممثل في الوفد في الفترة من 1924 - 1952. وبروز الوفد كحزب معارض يتناوب على الحكم مع أحزاب أخرى. في هذه الفترة لم يكن إلا نتيجة للصحوة المجتمعية والنهضة التي أحدثتها ثورة 1919، وهو ما صب في صالح كيان قوة الدولة المصرية كمجتمع ومؤسسات. ثانياً: عملية الإصلاح من داخل دولاب الحكم الذي يستوعب المعارضة ممكنة مثلما حدث في الفترة الليبرالية فوجود المعارضة وحصولها على الأغلبية وعلى الحكم حتى لمدة قصيرة كرس من فكرة تبادل السلطة، وهو ما انعكس على الثقافة المجتمعية التي كانت متنوعة فكرياً إلا أنها في النهاية لم تخرج عن الثوابت المتعلقة بمصر كوطن لكل المصريين وليس وطن من يحكمون فقط. ثالثاً :يجب التمييز بين الفرد الحاكم أو نخبة الحكم والمجتمع بمؤسساته، فالدولة ليست هي الحاكم الفرد ومن ثم ليس توجيه نقد للفرد الحاكم. إنه يكون موجه للدولة المصرية بمؤسساتها وتراثها السياسي في الحكم، فالدولة هي المؤسسات المختلفة بميراثها الثقافي وتقاليدها التي رسختها على مدار الخبرات السابقة، والمفترض فيها أن تكون متسمة بالاستمرارية مع التطوير على عكس الذين يجب أن يأتوا ويذهبوا دون أن يحدثوا التوقف في استمرارية هذه الصيرورة المؤسساتية والمجتمعية. وبناء على ما سبق فالطريق لوضع دستور جديد يكون أمامه تحديان الأول يتمثل في كيفية التغلب على الفصل ما بين الحاكم والدولة بمؤسساتها بشكل يخالف ما هو كان متبع ومتجسد في نظام الحكم في مصر على مدار الـ200 سنة الماضية، والتي كان فيها الحاكم الفرد هو الدستور والقانون والمؤسسات. والتحدي الثاني يتعلق بالقوى السياسية، بأن يضمن الدستور الجديد المبادئ والأطر التي تعلي من قيم الدولة كمؤسسات وكيان عام عن أيديولوجية هذه القوى مهما كانت أغلبيتها في المجالس النيابية التي بحكم طبيعتها هي متغيرة بالانتخابات، وبالتالي حالة المنافسة فيما بينها على الحكم تكون من خلال هذا الإطار العام لشكل الدولة وليس وفقاً لأيديولوجية سياسية أو دينية قد تنعكس في شكل كتابة الدستور. عزمي عاشور - كاتب مصري ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©