الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اليسار الفرنسي: «ميلانشون»... هل يسد ثغرات «هولاند»؟

27 مارس 2012
تجمع أكثر من 30 ألفاً من الأنصار في ساحة "باستي"، رمز الثورة الفرنسية، من أجل استقبال وتحية "جان لوك ميلانشون" بينما كان يطلق وعوده بفجر جديد، حيث تعهد بأن يقودهم إلى ثورة جديدة من أجل تغيير النظام السياسي، وإعادة كتابة الدستور البورجوازي، وكبح جماح الرأسمالية المفترسة. وقال تحت ظل البرج الشهير الكائن وسط الساحة الشهيرة: "هذه هي نقطة الانطلاق لكل ثوراتنا"، وأضاف مخاطباً الحشود أن ما حدث في 1789 (تاريخ الثورة الفرنسية) يمكن أن يحدث مرة أخرى في 2012 إذا انضم الناخبون الفرنسيون إلى قضية "اليسار" الراديكالي وأدلوا بأصواتهم لصالح ائتلاف جبهة "اليسار". وفي ما بدا تحديداً أوضح للنبرة، خُتم خطاب "ميلانشون" في مساء كئيب بترديد لنشيد الحركة العمالية الثورية الذي يعود للقرن التاسع عشر. وفقط بعد ذلك انتقل الحشد إلى ترديد النشيد الوطني الفرنسي. ترشح "ميلانشون" في الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي تجرى على جولتين، والمزمع إجراؤها في الثالث والعشرين من أبريل والسادس من مايو المقبلين، بدأ في الخريف الماضي كحركة هامشية، عاكساً تقليداً فرنسياً طويلاً من القضايا الثورية التي لا تفلح في اجتياز الجولة الأولى من التصويت. غير أن جبهة "اليسار" بدأت على نحو فاجأ الكثيرين تسجل نقاطاً مرتفعة في استطلاعات الرأي، حيث انتقلت من 8 في المئة إلى 12 في المئة إلى 14 في المئة - محولةً حملة "ميلانشون" الانتخابية من فولكلور إلى واقعية سياسية. ذلك أن جبهة "اليسار"، التي تتألف من الحزب الشيوعي وعدد من المجموعات الصغيرة الواقعة إلى "يسار اليسار"، نجحت في جذب دعم أكبر مما كان متوقعاً، حسب بعض المعلقين، وذلك بفضل مهارات "ميلانشون" كخطيب مفوه وقدرته على استغلال واستثمار مشاعر خيبة الأمل والإحباط تجاه الديمقراطية الاجتماعية المملة والعتيقة للمرشح الرئاسي الاشتراكي "فرانسوا هولاند"، الخصم الرئيسي لساركوزي "المحافظ". فهولاند، الذي يعتبره البعض نموذج سياسة التوافق والذي كثيراً ما يُنتقد باعتباره زعيم "اليسار الناعم" في فرنسا، لم يجلب حماساً ثورياً لحملته الانتخابية، وكثيراً ما تفشل خطاباته في تهييج الحشود وشحذ الهمم. ومما زاد الطين بلة أنه حذر الفرنسيين من أن البلاد تعاني كثيراً بسبب أزمة الديون الأوروبية والبطالة، لدرجة أنه لن يكون ثمة مفر من التقشف وزيادة الضرائب إذا أصبح رئيساً للبلاد. فقام "ميلانشون"، 60 عاماً، وهو اشتراكي سابق، بسد الفراغ على "يسار هولاند"، واعداً بفرض ضرائب على الأغنياء بنسبة 100 في المئة، والانسحاب من الاتفاقيات الاقتصادية الأوروبية التي تميل إلى الأسواق، وحماية البلاد من شرور العولمة مثل إغلاق المصانع والمنتجات الرخيصة من الصين. وهذا، كما يقول بعض المعلقين، شيء يطرب لسماعه أنصار الحزب الشيوعي والملايين من المهنيين الفرنسيين اليساريين الذين مازالوا يفكرون على نحو حُدد خلال الاضطرابات السياسية والاجتماعية لعام 1968. وفي هذا الإطار، يقول "دامون مايافر" من المركز الوطني للبحث العلمي في صحيفة لوفيجارو: "إنه يعود إلى أسس الخطاب السياسي: معركة أفكار، ومكان للصدامات الحقيقية". وبقيامه بذلك، يضيف مايافر، "يمنح (ميلانشون) قيمة لأولئك الذين يستمعون إليه"، ولاسيما الأشخاص الذين أهملهم النقاش السياسي المعاصر الذي يحتضن اقتصاد السوق باعتباره من المسلمات ويتحدث عن التطور وليس الثورة. وفي هذا السياق، تقول "بريجيت لوار"، 62 عاماً، وهي سكرتيرة متقاعدة ترسم وتمثل في فرقة مسرحية للهواة، وتوقفت عند التجمع في ساحة "باستي": "ميلانشون يحمل لنا بعض الأمل، بعض الحلم". وقد اعترفت "لوار" وآخرون في التجمع بأنه ليس ثمة فرصة لانتخاب "ميلانشون" رئيساً للبلاد أو لتنفيذ وعوده، إذا وصل إلى الرئاسة. ولكنه شعور جيد، كما يقولون، أن تسمع شخصاً يجهر باستيائه من زعماء فرنسا ويتحدى الرأي الذي يقول بأنه لا يمكن فعل أي شيء لتغيير النظام الاقتصادي. ولكن بالحسابات الواقعية، فإن دعم مثالية "ميلانشون" يمكن أن يعني تقلص حظوظ هولاند في تحقيق أداء قوي في الجولة الأولى من الانتخابات. ذلك أن المرشح الاشتراكي وساركوزي يرغبان في تحقيق نتيجة جيدة في تلك الجولة من أجل إعطاء انطباع بزخم لا يقهر تمهيداً للجولة الثانية، التي تعقد بعد أسبوعين، ولاسيما بعد مقتل محمد مراح، الفرنسي من أصل جزائري الذي تبنى فكر "القاعدة"، وأطلق النار على سبعة أشخاص في جنوب غرب فرنسا قبل أن يصاب بطلقة نارية قاتلة يوم الخميس من على أيدي أفراد فرقة خاصة لمحاربة الإرهاب في شقته في "تولوز". فقد كان ساركوزي تحت الأضواء الكاشفة كزعيم حازم طيلة أسبوع تقريباً خلال عملية البحث عن مراح، تاركاً هولاند على الهامش أكثر من أي وقت مضى. وهو ما أظهر ما يعتبره بعض المعلقين نقطة ضعف هولاند الرئيسية - كونه لا يبدو رئاسياً. العديد من أنصار "ميلانشون" يأتون من الحزب الشيوعي الفرنسي. فهذا الحزب الذي كان في الماضي قوةً تؤخذ بعين الاعتبار -سجل 15 في المئة في الجولـة الأولـى في 1981 - تراجع بشكل مضطرد كحزب وطني، وإن كان لا يزال يحتفظ بعدد معتبر من البلديات عبر البلاد. وكان الحزب الشيوعي قد حصل على 3?7 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى من انتخابات 2002، و1?9 في المئة في 2007، وهي آخر انتخابات رئاسية. وهذا العام، قررت زعامة الحزب عدم تقديم مرشح هذه المرة وتقديم دعمها لـ"ميلانشون". إدوارد كودي - باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيورج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©