الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مكتبات دمشق العريقة تغلق أبوابها وتجارة «كتاب الرصيف» تزدهر

مكتبات دمشق العريقة تغلق أبوابها وتجارة «كتاب الرصيف» تزدهر
25 مايو 2010 21:20
يعزو أصحاب المكتبات التي أغلقت أبوابها في دمشق إلى كساد سوق الكتب وارتفاع تكاليفه، وقلة عدد الذين يترددون على المكتبات الخاصة لاقتناء كتاب أو الاطلاع على آخر الإصدارات بهدف شرائها، ويتحدث آخرون منهم عن أزمة في القراءة بسبب الحياة الاستهلاكية السائدة وانتشار الفضائيات والإنترنت، فيما تزدهر «بسطات» تبيع الكتب في شوارع العاصمة السورية بأسعار زهيدة. أغلقت مكتبات دمشق الشهيرة أبوابها، وتحولت إلى مهن أخرى، معلنة موتها السريري وهي واقفة. وآخر من نعاه المثقفون السوريون هي مكتبة ميسلون العريقة، التي أغلقت أبوابها مع بداية العام الحالي 2010، في حين طُرحت مكتبة «اليقظة» الشهيرة للبيع. أما مكتبة «العائلة» التي كانت تشرف عليها الأديبة مهاة فرح الخوري، فتحولت إلى صيدلية منذ بعض الوقت، ومكتبة «الزهراء» اقتسمت حيّز مكانها مع مقهى إنترنت. كساد السوق يقول أبو محمود، أحد أصحاب المكتبات الذي لم يغلق مكتبته بعد، إن عدد زوار مكتبته لا يتجاوز الشخص الواحد في الأسبوع، ما يجعل خسائره تتراكم مع شعوره بعدم جدوى الاستمرار في هذه المهنة التي فقدت زبائنها نتيجة تغيرات عديدة طرأت على المجتمع وغيرت مفاهيم الكثيرين، وجعلت مطالعة الكتب في آخر سلم الثانويات وليس الأولويات. ويقول مالك مكتبة آخر إن خسائره تتضاعف يوما بعد يوم، ما يجعل استمرار العمل فيها نوعاً من الانتحار المالي، دون أي مكسب معنوي. وبالتالي، فإن إغلاق المكتبة وبيع مقرها أو تسليمه هو الحل الأمثل لوقف الضرر الفادح الذي يلحق بأصحاب المكتبات. وإضافة إلى كساد سوق الكتاب، وعدم تحقيق المكتبات لأية أرباح مجدية، فإن ارتفاع أسعار العقارات، ولاسيما في مناطق الأسواق التجارية الرئيسية التي كانت توجد فيها أشهر المكتبات، جعل من استمرارها نوعاً من الرهان الخاسر الذي لا يقدم عليه أحد. ومع ذلك فإن بعض المكتبات الدمشقية لا تزال صامدة في وجه ثقافة الاستهلاك وتهميش الكتاب، كالمكتبة العمومية التي تشكل إرثاً ثقافياً عائلياً لبيت خير، وكذلك مكتبة النوري ومكتبة نوبل. لكن المراقب لا يستطيع الجزم أن هذه المكتبات الأخيرة، ستنجو من مصير سابقاتها، لاسيما أن دور النشر لم تعد تطبع من أي كتاب أكثر من خمسمائة نسخة أو ألف في أحسن الأحوال. كتاب عابر للحدود مقابل ركود حركة بيع الكتب في المكتبات الخاصة، فإن إصدارات اتحاد الكتاب ووزارة الثقافة تعاني من عدم الإقبال ذاته، فمنشورات الاتحاد يتكدس معظمها في المستودعات، وكذلك عدد كبير من منشورات الوزارة، ولمعالجة هذا الوضع فإن وزارة الثقافة تقيم معارض في مختلف المحافظات السورية، عدا معرض مكتبة الأسد الدوري، وتقدم حسومات كبيرة، بحيث لا يتجاوز سعر الكتاب الواحد (50) ليرة، أي ما يعادل دولار تقريباً، كما أن اتحاد الناشرين السوريين أقام معرض الربيع للكتاب، وقدم حسومات ملحوظة. ولعل أبرز ما قامت به وزارة الثقافة السورية مؤخراً هو تقديم كتاب مجاني كل يوم عل موقعها الإلكتروني على الإنترنت، بحيث يمكن لأي راغب عربي أن يقرأ الكتاب أو ينسخه دون أي مقابل. وهذا معناه أن الوزارة ستقدم للقارئ السوري والعربي (365) كتاباً سنوياً، ولا تقتصر الكتب التي تُقدم على المنشورات الحديثة للهيئة العامة للكتاب في سوريا، بل ستشمل منشورات وزارة الثقافة منذ تأسيسها وحتى الآن، فضلاً عن أمهات الكتب المفقودة من الأسواق وروائع الأدب العالمي الكلاسيكي، إضافة إلى إصدارات دور النشر الخاصة التي ترغب بذلك، وتلقى قبولاً لدى وزارة الثقافة. مصائب قوم إغلاق المكتبات الشهيرة في دمشق وبعض المحافظات السورية رغم أنه أحدث صدى موجعاً لدى المثقفين السوريين، إلا أنه انعكس إيجابياً على باعة كتب الرصيف، فهؤلاء انتعشت تجارتهم، وستؤول إليهم عاجلاً أو آجلاً جميع محتويات المكتبات التي أغلقت أبوابها. ونظراً لأن هؤلاء قراء جيدون وأصحاب خبرة في قيمة الكتاب، فإنهم بدؤوا يضعون أسعاراً مبالغاً فيها بالنسبة للكتب المطلوبة، ولاسيما تلك التي يسعى وراءها الباحثون وطلاب الجامعة، وخاصة طلاب الدراسات العليا الذين يبحثون عن مراجع معينة، فقد يحالفهم الحظ ويجدونها عند باعة الرصيف الذين يشبهون من جهة أخرى باعة التحف، فهم يحتفظون بالكتب الثمينة، كأمهات الكتب، أو الكتب الممنوعة، ليبيعوها لمن يرغب بأسعار عالية. أما الكتب العادية، فإنهم لا يدققون كثيراً في أسعارها، وإن كانوا يعتمدون في تحديد أثمانها على استكشاف رغبة المشتري، ومدى إلحاحه لاقتنائها، فكلما أظهر الراغب بالشراء إصراراً على اقتناء الكتاب ازداد السعر. الورثة يبيعون الكتب لا أحد يذهب بكتاب واحد ليبيعه لباعة الأرصفة، إلا فيما ندر، هذا ما يقوله سليم محمد أحد الباعة المخضرمين في هذه المهنة، ويوضح «الذي يحدث أن بعض الورثة من الأبناء والأحفاد يبيعون كتب من ورثوهم بالجملة، وبسعر زهيد، وبالتالي فإن باعة الأرصفة يشترون مكتبات كاملة، جمعها أصحابها المتوفون على مدى عقود. وهي تتضمن في الغالب كتباً ثمينة وقديمة، وبعضها مفقود». وتشكل هذه المكتبات بحد ذاتها «ثروة» حتى في الزمن الاستهلاكي، ويبقى لباعة كتب الأرصفة، ذلك الدور الهام في تأمين الكتب لطالبيها، وتوفير المراجع لمحتاجيها من الدارسين والمهتمين والطلاب، وهو ما يعني في نهاية المطاف أن زمن قراءة الكتاب الورقي لم ينته بعد، وربما لا يمكنه أن ينتهي، على نقيض ما يوحي به إغلاق المكتبات الشهيرة بحجة الإفلاس.
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©