«راس» و«كراس»

«كل سنة وانت طيب وعساك من عواده.. عندي لك مفاجأة، انتظرني»، قالها صديقي «اللدود»، عارف غريب، بلا مقدمات، وأغلق الهاتف. فكرت في أن أغادر مكتبي حتى أجعله يتوقف عن طريقته هذه في إلقاء الأوامر وانتظار التنفيذ، ولكن فضولي غلبني فانتظرته، ولم يتأخر. قال غريب، بعد أن وضع أمامي قصاصة من صحيفة تحمل موضوعا يحذر من الإفراط في تناول كعك العيد: بعد سنوات أمضيتها في متابعة ما تنشره وسائل الإعلام من أخبار الطب والأطباء، اكتشفت أنني أمتلك القدرة والخبرة والمهارة والكفاءة والعبقرية التي تؤهلني للانضمام إلى قائمة «الحكماء» الأفذاذ، وأن لدي نظرية علمية صحية معملية فذة ترشحني لجوائز نوبل في الكيمياء والفيزياء ووظائف الأعضاء، لأن العلم في «الراس» لا في «الكراس». أضاف غريب: دعني أعترف لك بأنني ترددت طويلا في طرح نظريتي الجديدة، خوفا من سوء الفهم وحسد أهل العلم، ولكن ترددي تحول إلى رغبة عارمة في مقارعة «النطاسيين» العصريين، عندما قرأت خبرا مفزعا حول أضرار الحليب، يقول إن تناوله بانتظام يعرضنا لمخاطر صحية، هنا فقط قررت أن أطرح نظريتي التي هي خلاصة كل النظريات وفكرتي التي هي عصارة كل الأفكار. «إذا أردت الوقاية من أمراض العصر، التي يفوق عددها الحصر، عليك بالجوع ثم الجوع، بمعنى الامتناع التام عن الطعام، ليس لساعات أو أيام، بل ـ إن استطعت أو بقيت على قيد الحياة ـ لشهور أو أعوام، حتى يتلاشى الجسم وتترقق العظام، ولا يبقى فيها ما يغري الفيروسات وسائر الأجرام الممرضة»، انتهت النظرية. وكعادته دائما، رفع الغريب حاجب السخرية الأيسر، مستطرداً: توصلت إلى هذه النظرية بعد أن اكتشفت أننا لو جمعنا كل تصريحات ونتائج دراسات العلماء حول المسموح والممنوع على موائد الطعام، سنكتشف أن كل الأطعمة ضارة، وان كل ما نأكله يسبب السرطان والفشل الكلوي والسكري وارتفاع الضغط وأزمات القلب وسكتات الدماغ. العلماء ـ سامحهم الله ـ لم يتركوا لنا شيئا نأكله باطمئنان، الأطعمة المحفوظة تحتوي على كيماويات ضارة، والطازجة تحتوي على مبيدات قاتلة، اللحوم الحمراء ترفع الكولسترول، البطاطا المقلية والوجبات السريعة ضارة.. حتى حلوى العيد ورمز فرحته لم تسلم من «شظاياهم العلمية» فربطوا بينها وبين ارتفاع الدهون الثلاثية، ألستم معي في أن الجوع أصبح هو الحل الذي يجعل العلماء يطمئنون على صحتنا.. ويحرمنا منها..!. صلاح الحفناوي