الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انهيار أب

انهيار أب
31 مارس 2011 20:18
كنت وأنا طفلة استمتع بحديث جدي الجميل بأسلوبه الجذاب وطريقته السلسة في سرد الحدث وتقديم الواقعة ورواية القصص القرآني وسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين والسلف الصالح وبجانب ذلك لحيته البيضاء التي أزعم أنني لم أر مثلها قط فلا تسمع في مجلسه إلا القول الطيب والكلام عن الدين الحنيف ويأتيه الناس من مناطق بعيدة يزورونه ويتزودون من علمه. الغريب أن جدي لم يحصل على أي شهادة دراسية بل لم يكمل تعليمه في المرحلة الابتدائية ومع ذلك فإن علمه غزير، وفقهه عميق ويستطيع أن يجيب عن التساؤلات في القضايا المعقدة ولا اعرف من اين أتاه كل هذا العلم ويزداد عجبي أنني فيما بعد عندما كنت أجيء بأمهات الكتب والمراجع أجد فيها ما كان يذكره ويرويه. من خلال هذه الأجواء حفظت أجزاء كثيرة من القرآن الكريم وأعدادا كبيرة من الأحاديث النبوية المطهرة وعرفت الغزوات والتاريخ الإسلامي وساعدني هذا على التفوق في دراستي عندما التحقت بمدارس متخصصة في الدراسات الإسلامية والعلوم الشرعية وواصلت هذه الدراسة في الثانوية والجامعة. أسرتي كلها وأقاربي الذين ينتمون لجدي هذا تأثروا به وترك بصمته في حياتهم بل وفاض خير هذا العلم علينا جميعا وكنا محط أنظار من حولنا يحترموننا ويوقروننا تقديرا لالتزامنا وتمسكنا بصحيح الدين وتلك منة ومنحة من الله سبحانه وتعالى لنا حتى أن ذلك كان ميزة لبنات عائلتنا إذ أنهن من خلال التزامهن وحشمتهن كن الأكثر حظوة لدى الشباب لخطبتهن وزواجهن فخُطبن وهن صغيرات بمجرد أن يصلن لسن الزواج. كثيرات من فتياتنا تزوجن وهن مازلن بين الخامسة عشرة والعشرين من أعمارهن ولم تتخط واحدة منهن هذه السن إلا أنا لأنني عندما تقدم لي شاب خاطبا كنت في السنة الأولى من الجامعة ورغبت في إكمال دراستي العليا ووجدت تشجيعا على ذلك من أبي الذي احترم رغبتي ولم تكن هناك ضغوط على أي واحدة عند تزويجها فقد كانوا يخيرونها ويعرضون عليها الأمر واضحا جليا ويترك لها القرار بكل حرية. ومع إلحاح الشاب الذي تقدم للارتباط وإعلان الخطبة تمت الموافقة بشرط إلا يتم الزواج إلا بعد الانتهاء من دراستي لذلك كانت فترة خطبتي هي الأطول بين بنات العائلة إذ استمرت ثلاث سنوات لم يكن بالطبع مسموحا لنا باللقاء المنفرد ولم اكن افكر في ذلك فلم اعتد الحديث مع رجل غريب ولا اقبل هذا لنفسي أبدا. كان زوجي هو أول رجل في حياتي وقد يكون ذلك هو السبب في أنني أحببته جدا إلى ما بعد العشق وايضا لأنه كان يعاملني باحترام شديد ويعرف مكامن أوتار مشاعري فيضرب عليها بما يرضيني ويتفانى في إسعادي وارى في عينيه لهفة شديدة لرؤيتي إذا تأخرت عن العودة من عملي بضع دقائق، وربما يكون مرجع ذلك غيرته الشديدة عليَّ فأنا أتمتع بجمال فائق -كما يقولون- ويصفونني بأنني مثل القمر، فأنا بيضاء ممتلئة خفيفة الحركة والدم. زوجي رجل ميسور الحال وانتقلت معه من شقة فاخرة إلى فيلا شاسعة وأنا استقبل مولودي الأول وإذا به يستغل هذه الفرصة ومتاعب الحمل وظروف المخاض وفترة الولادة ويجعلني أحصل على إجازة بدون راتب وهو يدغدغ مشاعري ويقول انه يريد أن يشبع مني ويكون بجانبي أطول وقت ممكن رغم أن عملي لا يؤثر في شيء ووافقت بلا نقاش وضحيت براتبي الكبير الذي احصل عليه ويتمناه الكثيرون. لاحظت مع مجيء طفلنا أن وجودي في المنزل وتفرغي لحياتي الزوجية كانت له مميزات اخرى فقد اصبحت اهتم بنفسي وبزوجي ولا أبالغ أذا قلت أنني أبدو له كل يوم مثل عروس جديدة وأهيئ له أجواء الراحة وكل ما يحب من طعام وشراب عساني ألا أكون مخطئة إذا قلت إنني جعلت من بيتي جنة له خاصة وانا لا استعين بخادمة ولا غرباء في المنزل يحدون من حريتنا اللهم إلا امرأة تأتي لعدة ساعات لتنظيف البيت ومساعدتي في بعض شؤونه. ورزقنا بطفلنا الثاني الذي زاد حياتنا بهجة وسرورا وسعادة وحبورا ولم يكن في حياتي أي اهتمامات إلا بزوجي وابني أتابع دروسهما واهتم بكل احتياجات الأسرة خاصة وان زوجي رجل كريم لم يبخل علينا يوما بأي شيء بل والحق يقال انه يبحث عما يسعدنا ويغرقنا بالهدايا والملابس والأشياء التي تبعث في النفس الطمأنينة إلى أن تخرج الولدان في مدارس عالمية مشهورة وحصلا على شهادات في تخصصات نادرة أتاحت لهما فرصتي عمل نادرتين في أوروبا وحزنت لابتعادهما عني رغم الاتصالات اليومية التي بيننا لكن تذرعت بالصبر من اجل مستقبلهما ومصلحتهما وأنا أدعو لهما في كل صلواتي بالتوفيق والسلامة والعودة سالمين غانمين. وفجأة وبدون مقدمات وبلا أسباب اكتشفت الفاجعة الكبرى فقد علمت أن زوجي قد تزوج عليَّ وجاء بضرة تحرق قلبي مع أنني ما قصرت يوما في حقوقه وعجبت اكثر عندما علمت ان ضرتي تكبرني في العمر بسنوات وليس عندها أي مسحة من جمال ولا بين يديها مال بل كانت أرملة ولديها أولاد صغار وزوجي هو الذي يتولى الإنفاق عليهم وغضبت وحزنت ويئست ولجأت إلى ربي مستعينة بالصبر والصلاة على مصيبتي وصدمتي. وصارت بيننا قطيعة فلم أتقبل صنيعه ولم اقبل تصرفه حتى ألح كثيرا عليَّ باللقاء عارضا أن يفعل في النهاية كل ما يرضيني وعندما التقينا ساق ليَّ مبررات واهية لا تقنع احدا وعندما فشل في اقناعي كان له مدخل آخر من خلال تربيتي ودراستي الدينية وتعمقي في علوم الفقه وبادرني بسؤال مباغت: هل تؤمنين بتعدد الزوجات أم لا؟ فقلت: نعم ورد قائلا إذا لا تختلفين معي حول مشروعية ذلك وانه حلال طيب. قلت له: وماذا ينقصك وفي أي شيء قصرت لكي تبحث عن امرأة اخرى؟ ووجدت فيه مراوغة ومغالطات يحاول ان يجيب ويفشل وعندما عجز عن إقناعي اعترف بأنها نزوة وسقطة، ولا يعرف كيف يخرج منها مع ندمه عليها. لجأ زوجي مرة اخرى لاستغلال تمسكي بديني وهو يعرف ذلك وعاد يرجوني ألا أكون سببا في ظلم زوجته الثانية فطلاقها فيه ضرر لها ولأولادها اليتامى ويجب ألا نصلح خطأ بخطأ، ولابد أن نرقى فوق مشاكلنا ونحن عقلاء وقادرون على إيجاد حلول مناسبة ومرضية وفي مقدمتها أن أكون صاحبة الكلمة ويجتمع شمل أسرتنا ولا اعرف كيف استطاع ان يقنعني بترتيب اول لقاء بيننا لنتعارف ونبدأ صفحة جديدة. وكان لقاؤنا الأول هو الأخير، وجدتني أمام امرأة لعوب تعيش خلف قناع من المساحيق ولسانها سليط وتصرفاتها سوقية لم تعرف التربية طريقها إلى أبنائها وتأكدت من انني وقعت في فخ فما جاءت إلا لتحاول أن تثبت لي أن زوجي يريدها ويتمسك بها وتعمدت أن تغازله وتداعبه وهو يجاري تصرفاتها فانقلبت قناعتي إلى رفض وسخط وأبيت الرجوع إليه لأن في زيجته إذلالا لي فتلك حية رقطاء ناعمة لا زوجة مخلصة وقلبي يتمزق على ما قدمت له وعلى الخديعة التي يعيش فيها، ومع ذلك لم اطلب الطلاق بل رفضت المعيشة معه على هامش الحياة وعلى هامش اهتمامه. ومازال زوجي على كرمه فعندما رفضت ان نقيم معا في الفيلا التي شهدت شبابي ونشأة ابنائي اشترى شقة خاصة لي اقيم فيها وحدي واكتفى بالاتصال بابنيّ والتواصل معهما وهما يحاولان ان يخففا عني مصيبتي ولا يملكان اي شيء لإيجاد حل فأنا مع ذلك مازالت أحافظ أمامهما على صورة ابيهما ولم أحاول يوما تشويهها وان كنت رافضة تماما لكل ما فعل. دفعتني الوحدة للعودة الى عملي الذي انقطعت عنه منذ سنوات وفي بيتي أصبحت معلقة لا أنا متزوجة ولا مطلقة والملل يقتلني وكانت النهاية لهذا الوضع هي الطلاق وبكيت كما لم أبك من قبل وحزنت كما لم احزن في حياتي ليس على ضياع زوجي ولا على أنني أصبحت مطلقة ولكن لأنني اشعر بالغبن والظلم الشديد من زوج ضحيت بحياتي كلها من اجله ولم اقصر يوما في واجباتي نحوه صدقوني كنت اقدم له العشاء على ضوء الشموع واعطر له غرفة النوم، واختار له ملابسه وحافظت على ماله وعياله وشرفه كما يملي عليَّ ديني وأخلاقي لذا اشعر بأن جرحي عميق. رغم أنني اقترب من الخامسة والأربعين فإنني مازالت احتفظ بكثير من جمالي القديم ولم اودع الشباب بعد ومازلت عند تمسكي بمبادئ وتعاليم وأحكام الإسلام الحنيف وبالأخلاق التي نشأت عليها والالتزام الذي لا اعرف غيره فلا اسمح لنفسي بحديث مع أي رجل اجنبي مهما كان ولا في اي موضوع غير أنني وجدت صديقة تهمس في أذني بعد عدة اشهر أو ما يقارب العام من طلاقي بأن احد زملائي يهيم بي حبا ويريدني زوجة له. وبدلا من أفرح ويسعدني العرض وقع الأمر على رأسي مثل الصخر فأنا لا أتخيل أن أكون لرجل آخر ولا أتخيل أن أتزوج وولداي شابان كبيران هما على مشارف الزواج ولم أتقبل الأمر برمته ووجدته مرفوضا وازداد رفضي عندما علمت أن العريس متزوج ولديه أولاد فاستنكرت كيف أكون أنا «ضرة» وأتسبب في معاناة لزوجة وأسرة مستقرة وقد عانيت ذلك وخسرت حياتي كلها لهذا السبب. وفي النهاية كان العرض مرفوضا خاصة وأنني اعلم أن هناك الكثيرين من الرجال بل السواد الأعظم منهم يقبلون على الزيجة الثانية أنانية وانسياقا وراء نزواتهم وكثير منهم يظلمون الزوجة الثانية ايضا إما بطلاقها نزولا على رغبة وضغوط الزوجة الأولى أو إحساسا بالخطأ أو عدم قدرة على تحمل المسؤولية وخشيت أن أقع ضحية للمرة الثانية. هذه ليست مشكلتي الآن إنما مشكلتي في الخطأ الثاني الذي وقع فيه زوجي السابق او طليقي فقد كرر نفس الخطأ وتزوج للمرة الثالثة وعندما رفضت الثانية التي كانت ضرتي طلقها وهذا لا يخصني وإنما الذي يعنيني هو أن صورة هذا الرجل اهتزت بل تشوهت في عيون ابنيه وفقدا الثقة بأبيهما الذي كان القدوة والمثل الأعلى لهما، انهار المثل الذي كانا يريانه كالجبل الأشم وهاهما قد عادا مرة اخرى ويستعدان للزواج لكنهما أجلا زواجهما بعد صدمتهما في أبيهما وعندما يقدمان على أي خطوة يصران على عدم دعوته أو الاستئناس برأيه أو إشراكه في أي شيء يخصهما. والسؤال الذي يحيرني كيف استطيع أن التقي مع هذا الرجل إذا حضر عرس احد ابنيه واعترف بأنني مازلت احبه رغم كل ما فعله بي فهو الرجل الوحيد في حياتي ومع ذلك قد لا أوافق على أن أعود إليه.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©