الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«لا فالي دو جو» .. اكتشاف الطبيعة على طريقة «كنايب»

«لا فالي دو جو» .. اكتشاف الطبيعة على طريقة «كنايب»
23 سبتمبر 2009 00:30
قد لا تكون منطقة «لا فالي دو جو» السويسرية، معروفة سياحياً بالحجم الذي تستحقه، مع أنها تقع وسط سلسلة جبال ممتازة لعشاق المشي واكتشاف الطبيعة من كثب. وهناك حيث يستيقظ التاريخ يومياً مع السكان الذين يتوالون عليها منذ ألف عام، يتلألأ وجه آخر من معالم سويسرا. 47 قمة جبلية يجتمع فيها الأخضر بكثافة ليلامس السماء في واحدة من أعلى القمم الأوروبية التي يتخطى ارتفاعها 4000 متر. وهي تضم قرية «لافو»، التي صنفتها منظمة اليونيسكو في 28 يونيو 2007، كأجمل المناطق في العالم، كونها تختصر أروع المناظر الطبيعية الحية والواضحة. وعلى الطريق المتجه ناحية «بيرن»، توجد أقدم شجرة صنوبر عملاقة في المنطقة يقدر عمرها بـ 1500 عام ويبلغ قطرها 7،4 أمتار. فلسفة المشي تقع البقعة المأهولة من «لافالي دو جو» على بعد 50 كيلومترا شمالي جنيف ولوزان، وعلى ارتفاع 1100 متر، ويمكن الوصول إليها بسهولة بواسطة القطار. يزورها السياح لممارسة رياضة الاستجمام الحركي إما مشيا على الأقدام، وإما بواسطة الدراجات الهوائية. وهناك لا بد من التوجه إلى «بارك جوراسيان فودوا»، تلك الحديقة الواسعة المتواصلة بجزء منها مع الأراضي الفرنسية. وكذلك غابة «الفينج» المترامية والتي يمكن اجتيازها خلال 3 ساعات كافية لانتعاش الروح والجسد. ومن يقصد هذا الجزء من جبال سويسرا سواء في الصيف أو الشتاء عليه أن يتعرف على ميزة المشي في الطبيعة، والذي يعتبر سياحة في حد ذاته. وفي «لا فالي دو جو»، التي يمكن وصفها بالمنطقة الحالمة، تكثر الجولات التي ينظمها الأدلاء السياحيون. ومن بينها اكتشاف عقيدة «كنايب» في واحدة من أجمل رحلات التنزه التي لا تقتصر فقط على الرياضة والتأمل وتنشق الهواء، وإنما تغوص في أعماق هذه المفاهيم. وسبستيان كنايب هو أحد الفلاسفة الذي ولد في أستراليا وانتقل للعيش في ألمانيا حيث توفي عام 1897 بعدما أمضى سنوات طويلة من عمره في منطقة «جومز» بسويسرا والتي تقع على ارتفاع 1200 متر. وقد أحب سكان المنطقة المخلصون للأرض والحفاظ على البيئة العذراء، أن يكرموا ذكراه بنشر أفكاره الفلسفية على مسافات متفرقة من الغابات. وهم قد حولوا بعض المنحدرات إلى طرق فرعية يستخدمونها اختصارا لتنقلاتهم حينا وللتفكر بـ «كنايب» أحيانا. تحسس العشب وترتكز تعاليم هذا الفيلسوف على احترام عناصر الطبيعة بكاملها لطرد الأمراض والعيش بصحة جيدة. وأثناء التجول في الغابة، تستوقف السائح لافتات توصي كل منها بممارسة رياضة بعينها. وأهمها على الإطلاق أن ينزع الشخص حذاءه ويمشي حافيا ليتحسس العشب الرطب بهدف التفاعل الجسدي والروحي مع الأرض. وأروع ما في الأمر أن التربة نظيفة بالكامل ولا تشوبها أي أجزاء حادة قد تعوق المشي بهذه الطريقة. ومن يجرب هذه الرياضة مرة يشتاق لتكرارها مرارا. ومن التوصيات، وضع اليدين حتى المرفقين في المياه الجارية التي تتجمع داخل جذع الشجرة. ولا يطبق هذا المفهوم المبني على تجديد النشاط في الغابات وحسب، وإنما كذلك بين البيوت وفي الأزقة، وعند عيون المياه الصالحة دوما للشرب. وكخطوة أخرى ينصح بتسلق شلالات المياه الشديدة البرودة، وإن على مرتفعات محدودة ولمسافات صغيرة لا يستغرق اجتيازها أكثر من دقيقتين. وذلك بهدف تحقيق التوازن وتحفيز قدرة الجسم على تحمل الصقيع الذي يلامس القدمين من جهة، ومواجهة الانزلاق الذي قد يحدث في أي لحظة بسبب البحص والأحجار الملساء المتفاوتة الحجم والشكل. سياحة روحية وتتحدث مايا كوبي لارجو الدليل السياحي في منطقة «جومز» عن أهمية المكان من الناحيتين التاريخية والثقافية، وتورد أن التعرف على الطبيعة أمر يستدعي الاسترخاء التام والانطلاق بتحرر بعيدا عن القيود والروابط التي نضعها لأنفسنا. وتشرح أن بيئة المكان تشجع على العودة إلى البساطة ورمي الشحنات السالبة. وأنه كلما ارتبطنا أكثر بالأرض وخيراتها، نساعد أنفسنا على فهم المعنى الحقيقي للسياحة الروحية. المكان تلفه الأشجار من كل صوب ولا يقطع سكونه غير خرير المياه وحفيف الغصون وزقزقة العصافير. وفي منتصف الرحلة، تستوقف لارجو المشاة لتسألهم عن وصف المحيط وتحديد معالمه من خلال الحواس الخمس. الألوان التي يرونها، الروائح التي يشمونها، الأصوات التي يسمعونها، طعم الثمار الغريبة التي تنبت في الغابة، والتعبير بأدق التفاصيل عن الإحساس العام باللحظة. وهذا الاختبار من ضمن المفهوم الفلسفي لمخاطبة الطبيعة وفهم معنى الاسترخاء، والذي فيه أيضا التوجه إلى ركن العمل الشاق. وهو معنى مجازي، المقصود به التذكير بضرورة العمل بجد من طريق حركة الجسم واليدين لنيل الرزق في الحياة. في الحركة بركة وهناك لا بد لكل اثنين من السياح أن يشكلا فريقا متعاونا في محاولة لقطع ما أمكن من جذع شجرة وضع خصيصا في المكان مع منشار عملاق تسهيلا لإنجاز هذه العملية. وهذا درس يعلم على طرد الخمول وعدم الاستسلام أو الاستسهال في الحصول على الأشياء جاهزة. وفيه دعوة للرجوع إلى الماضي والتفكر بما تكبدته الأجيال من مشقة في الصناعة وتجهيز المواد الأولية ومستلزمات الحياة. وفي نهاية الرحلة السياحية التي تعتمد على فلسفة «كنايب»، لا بد من تخصيص فترة للترفيه والمرح حيث تدعو اللافتات الإرشادية إلى قرع الأجراس الموزعة هنا وهناك، واللهو ببعض الآلات الموسيقية. والعبرة من ذلك استحضار أصوات الحيوانات التي لها صلة وثيقة بالأرض والمزارع. وعلى رأسها الأبقار التي تشكل ثروة انتاجية عالية بالنسبة للمجتمع السويسري، والتي يستفاد من حليبها في صناعات عدة منها الأجبان والشوكولاتة. وكل من يختار أن يقيم في إحدى فنادق القرى السويسرية، عليه أن يعلم أن أول صوت يسمعه هناك مع بزوغ الفجر، ليس صياح الديك وإنما الأجراس المعلقة في أعناق الأبقار. فنادق عائلية وتنتشر في المناطق القروية والمرتفعات الفنادق العائلية المبنية على الطراز المعماري التقليدي، والتي لا تختلف بتصاميمها الخارجية عن البيوت الأخرى. وهذه الفنادق مبنية ومملوكة من أبناء القرى الذين يسكنون فيها ويقدمون الخدمات للنزلاء بأنفسهم. ومن بينها التقينا بآيشر هرزليخت صاحب فندق «كاسلز» في أعالي جبال «لا فالي دو جو»، والذي تحدث عن الخصوصية التي يجدها السياح لديه بحيث يشعرون بجو أسري يلبي لهم الراحة والهدوء. وهو يدير شؤون الفندق بالتعاون مع زوجته وابنه، إذ يهتمون بتفاصيل الإقامة من الاستقبال وحمل الحقائب، حتى الطهي وخدمات الانترنت التي يقدمونها مجانا ومن الجهاز الوحيد الموجود في المكتب. وأثناء الحديث معه، جاءه اتصال هاتفي علمنا منه أن إحدى النزيلات التي تركت فندقه قبل دقائق باتجاه مطار «زيوريخ» الذي يبعد عن المكان ساعتين بالقطار، نسيت في الغرفة خاتمها الماسي الثمين. فما كان منه سوى أن اتجه مسرعا إلى الغرفة لتفقده واستقل سيارته مسرعا لملاقاتها وتسليمها إياه في أقرب نقطة مواصلات. وهذا كاف ليشعر السائح في أعالي جبال سويسرا أنه في أمان وسط أجواء أسرية فيها الكثير من الخدمات التلقائية.
المصدر: لافو
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©